السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورد ذكر ثمود في الكتاب الكريم مرادفاً لعاد في معرض التذكير بما أصابهما من الهلاك والدمار لكفرهـما بالله واشراكهما به .
ويروي في الكتب العربية ان ثمودا كانت تقيم في الجهات الجنوبية من المملكة بين عسير واليمن وحضر موت ، ثم انتقلت بدواع غير معلومة بعد حروبها مع عاد وافنائها اياهم ، من بلادها الاصلية في الجنوب الى شمالي الحجاز في وادي القرى ، وأنشأت في العلا ومدائن صالح والحجر منشئات بقيت لنا آثارها حتى الآن . وقد زار كثير من المستشرقين بلاد ثمود هذه ووصفوا ما شاهدوه فيها من الآثار والمنازل المنقورة في الجبال الصخرية ، ووضع الرحالة , درتي رسماً تقريبياً يعين به المواقع الآثرية في مداين صالح ووصف المغاور المحفورة في الصخور بأنها رموس ، ونقل صور بعضها ونشرها في كتابه منها قصر البنت والبرج ومربط الحصاب وبيت الشيخ ، وعاين المستشرق موزيل أماكن اخرى تنسب إلى ثمود في جهات الغوافة بين تبوك والبحر .
أما ما كان من أمر ثمود فيحدثنا عنه الكتاب العزيز في مواضع عديدة : " وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ "
وقال لهم صالح أيضا : " أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " .
ولكنهم ظلوا على شركهم وطغيانهم فأصابهم من أمر ربهم ما قصه الكتاب العزيز : " وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ " .
وقال الله تعالى : " فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ " .
وحيثما أتى رسول اله صلى الله عليه وسلم قرى ثمود في غزوة تبوك قال لأصحابه : " لا تدخلن على هؤلاء المعذبين الا أن تكونوا باكين ، فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم " .
وروى عبيد بن شرية الجرهمي للخليفة معاوية بن أبي سفيان أخباراً مطولة عن ثمود وما أصابهم إلا أنها تحوي من المبالغات ما يصعب تصديقها .
وذكر ابن خلدون أن النبي صالحا ظل ينذر قومه عشرين سنة وتوفي ابن ثمان وخمسين سنة ، ويروى أنه بعد هلاك قومه ارتحل مع رهط ممن آمن به إلى فلسطين حيث أدركته المنية ودفن في موضع بقرب الرملة يحمل اسمه للآن ، ويقام فيه في كل عام موسم يحييه أهل تلك الجهات .
ولم يرد ذكر ثمود ولا ذكر عاد في التوراة ، مع أن رسالتي النبيين هود وصالح كانتا قبل إبراهيم .
وورد ذكر ثمود في تاريخ الأشوريين ، فإن الملك سرجون الثاني المشهور ذكر أنه في السنة715 قبل الميلاد المسيحي غلب قبائل ثمود وعبادة ومرسيماني وخيابا وأنه أسكن بقايا هذه القبائل في مقاطعة السامرة في فلسطين .
وورد ذكر ثمود ايضاً في كتابات ديودوروس الصقلي الذي أشار إلى منازلها المعروفة الآن .
وذكر بطليموس في جغرافيته ما يفهم منه معرفته بثمود في مواطنها في الشمالي الغربي من بلاد العرب ، كما أن اورانيوس ذكر كون ثمود مقيمين بقرب الأنباط .
وقد اكتشف المستشرق موزيل على بقايا الهيكل الموجود في الغوافة كتابة نبطية فهم منها أن ثمود كانت في اواسط القرن الميلادي الثاني تملك حرتي العويرض والرحا .
ويستدل من ذلك على ان بلاد ثمود انتقلت بعد فنائهم على النحو الذي ذكر في القرآن الكريم إلى ايدي قبائل أخرى من الانباط ، والآثار الباقية في جهات الحجر والعلا وتبوك والغوافة من مخلفات الفريقين ، ولا يمكن بما لدينا من المعلومات البسيطة تمييز آثار كل فريق على حدة .
وليس من السهل تعيين الزمن الذي قامت فيه حكومة ثمود بالرغم عن ورود ذكرهم ومحاربة سرجون لهم في المئة السابعة قبل الميلاد ، فمن المحتمل أن يكون الذين دعاهم الملك الأشوري بثمود من بقايا ثمود الاولى الذين لم يسمع العبرانيون باخبارهم على ما يظهر .
الاستاذ / مطر بن خلف الثبيتي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته