كما هو معلوم لدى كثير ممن له عناية بالتاريخ أن تاريخ العرب الجاهلي قد دخله الكثير من الكذب والتدليس سواءا من قبل الرواة أو ممن نقل بعدهم من المؤرخين، وذلك بسبب النزعات القبلية والتحزب لبعض الفئات، وهذا يدركه كل من أمعن النظر في كتب التاريخ بعناية وانصاف. فجاهلية العرب نقلت إلينا كمجرد أخبار دون تحقيق و دارسة، ثم تناقلها الناس فيما بينهم وقد صحب هذا النقل قدر من النزعات القبلية والتحزب مما جعل الحقيقة خافية في بعض الأمور، ولهذا نرى كثيراً من تلك الأخبار يعارض بعضها بعضاً.
يقول المؤرخ ابن الأثير في تاريخه حين تكلم عن بعض أخبار الجاهلية واضطرابها ( وسبب هذا أن أخبار العرب لم تكن مضبوطة على الحقيقة، فقال كل واحد ما نقل إليه من غير تحقيق ).
ويقول الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب في معرض كلامه عن جاهلية العرب ( وطبيعتها على العموم من طبيعة ما يرويه لنا الأخباريون من روايات عن تأريخ العرب قبل الإسلام، فيها العصبية القبلية والتحزب، فيجب إن ننظر اليها اذن بحذر شديد ).
لذلك نجد بعض العلماء المحققين من أهل التاريخ أمثال الطبري و ابن كثير قد أعرضوا عن ذكر كثير من أخبار الجاهلية وأيام العرب في كتبهم واقتصروا على ما اشتهر منها في تلك العصور، ويبدو ذلك لعدم توفر الأدلة الكافية لديهم لثبوت تلك الاخبار.
كما أننا نجد علماء المسلمين قد أطلقوا على رواة تاريخ العرب الجاهلي ومن اهتم به اسم الإخباريون تمييزاً لهم عن غيرهم من المؤرخين والمحدثين. وعلى الرغم من ذلك وعلى قدر مافي تاريخ العرب من غموض تبقى هنالك أمور حقائق قائمة بنفسها وتدعمها الادلة والمصادر المتنوعة، فإن خفيت في مكان ظهرت في مكان آخر، وإن غابت في زمان حضرت في زمان آخر، ومن تلك الامور التاريخية التي تفرض نفسها على ساحة التاريخ بأدلتها وأثارها الباقية مملكة كندة احدى ممالك العرب القديمة التي كانت عاصمتها الفاو وكان ملوكها من أشهر ملوك العرب حتى جاء ذكرهم في كتب اليونانين والروم.
فقد ذكر الدكتور جواد علي في كتابه المفصل أنه ( روى المؤرخ "ثيوفانس" أن "رومانس" "Romanus" حاكم فلسطين في أيام "أنسطاسيوس" "Anastasius"، هزم في سنة "490" للميلاد سيدي قبيلتين، هما: "جبلس." "Gabalas" "Jabalas" و "اوكاروس" "Ogaros" ابن "ارتاس" "Aretas"، أي الحارث من "آ ل ثعلبة" "Thalabanys"،ويظن أن "" Gabalas" هو"جبلة"، والد الحارث بن جبلة الغساني. وأما " Ogaras"، فيرى بعض المستشرقين أنه "حجر بن الحارث ابن عمرو الكندي". وقد وقع أسيرا في قبضة "رومانوس". ويرى "أوليندر" أن في تقدير هذا المؤرخ بعض الخطأ وأن التاريخ الصحيح هو سنة "497" للميلاد. ثم أشار هذا المؤرخ إلى تحرش آخر قام به بعد أربع سنوات سيد قبيلة اسمه " Madikaripos" Madicaripos"" كان شقيقا ل " Ogaros" . أوغل في الغزو وأوقع الرعب في جند الروم. وقد قصد "ثيوفانس" ب "Madikaripos" "معد يكرب بن الحارث" شقيق حجر. وكان من نتائج هذه الغارات كما يقول هذا المؤرخ أن عقد القيصر "أنسطاسيوس" صلحا مع " Aretas" أي الحارث، والد الأخوين المذكورين، فخيم الأمن بذلك على فلسطين والعربية وفينيقية. وقد أشار إلى هذا الصلح المؤرخ "نونوسوس" "Nonnosus"، حيث ذكر إن القيصر "انسطاسيوس" أرسل جده إلى "Aretas" لمفاوضته في عقد صلح. ويظهر من قول هذا المؤرخ أن هاتين الغزوتين كانتا في حياة " Aretas".
ولم يشر الأخبارييون العرب إلى هذه الغزوات التي قام بها "حجر" و "معد يكرب" على حدود سوريا وفلسطين في عهد "أنسطاسيوس" كما روى ذلك هذا المؤرخ).
إليكم معاشر الإخوان هذا الفيلم العلمي الوثائقي عن مدينة الفاو عاصمة مملكة كندة التي بدأت من قلب جزيرة العرب وانتهت الى حدود بلاد فارس والروم، والتي تقع حالياً هذه المدينة في صحراء الربع الخالي قريبا من مدينة السليّل.
http://www.youtube.com/watch?v=otw6KLuTPRc]