بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفروسية عند العرب
والفارس فخر القبيلة ، لأنه المدافع عنها في الحروب والمهاجم الكاسر للأعداء ، وهو أهم من الراجل في القتال ، لما له من أثر في كسب النصر وفي إيقاع الرعب والفوضى في صفوف العدو ، ولهذا فخرت القبائل بفرسانها ، وفي كثرة الفرسان في القبيلة دلالة على عظمتها وقوتها ، نظراً لغلاء ثمن الفرس ، ولأهميته في تطوير الحرب وفي توجيهها ، وإنهائها في صالح من له أكبر عدد من الفرسان .
ومن حسن حظ القبيلة أن يكون بها عدد وافر من الفرسان ، وعدد من الشعراء ، فالفارس فنان القبيلة في الحرب وفارسها في الطعان وحامي الذمار والعرض ، والشاعر فارس الكلام ، يؤجج نيران العواطف ويلهب جذوة الحماس في النفوس ، ويدفع الفارس إلى الإقدام وبذلك يساعد في كسب النصر لقبيلته، وفي الدفاع عن عرض القبيلة بسلاحه الموزون المقفي .
وقد حفظت ذاكرة أهل الأخبار أسماء جماعة من فرسان الجاهلية دونت في كتبهم ، فوصلت بفضل تدوينهم لها إلينا ، وعلى رأس من دونوا أسماءهم في الشهرة وبعد الصيت : (عنترة بن شداد العبسي) الذي لا يزال الناس يضربون به المثل في الشجاعة ، وهو أحد أغربة العرب وهم ثلاثة : أولهم هو ، وثانيهم (خفاف) واسم أمه (ندبة) ، وثالثهم (السليك) واسم أمه (السلكة) ، وأم الثلاثة إماء سود ، كانت أم عنترة أمة سوداء أسمها (زبيبة) ، فلما كبر أغار بعض أحياء العرب على قوم من عبس ،فأصابوا منهم ، فتبعهم العبسيون ، فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة ، فقال له أبوه : كر يا عنترة ، فقال : العبد لا يحس الكر إنما يحسن الحلاب والصر ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده ، فعد عنترة من العبيد ، فقال له : كر وأنت حر ، فقاتلهم واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة ، فادعاه أبوه بعد ذلك واسمه عمرو بن شداد ، فنسب إليه .
وقد برز اسمه ف حرب داحس والغبراء ، وقد قتل فيها ضمضماً المري ، أبا الحصين بن ضمضم ، وقد كان مصيره القتل كذلك ، وتزعم طئ أن قاتله منها ، ويزعمون أن الذي قتله الأسد الرهيف .
ومن مشاهير الفرسان ، ربيعة بن مكدم ، وهو من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة ، وقد عرف بنو فراس بالشجاعة والنجدة وقد كان يعقر على قبره تعظيماً له وتقديراً ، مر على قبره حسان بن ثابت فقال فيه شعراً .
وملاعب الأسنة ، وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ، أبو براء ، وهو ممن اشتهر بالفروسية كذلك ، وكان سيداً في قومه ، ذكر أنه أخذ أربعين مرباعاً في الجاهلية ، وفي ذلك دلالة على ما كان له من مقام في قومه ، قيل : إنه سمي ملاعب الأسنة بقول أوس بن حجر :
ولاعب أطراف الأسنة عامر فراح له حظ الكتيبة أجمع
وقد عرف بملاعب الرماح كذلك ، وقد لقب بهذا اللقب في شعر الشاعر لبيد ، وذكر السكري ، عامر بن مالك في جملة من اجتمعت عليه هوازن ، ولم تجتمع هوازن كلها في الجاهلية إلا على أربعة نفر من بـنـي جعفر بن كلاب وهم : خالد بن جعفر بن كلاب بعد قتله زهير بن جذيمة بن رواحة ، وعروة الرحال بن عتيبة بن جعفر والأحوص بن جعفر و عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب .
وعامر بن الطفيل بن مالك بن كلاب العامري ، من فرسان الجاهلية المعروفين أيضاً وهو ابن أخي عامر بن مالك ملاعب الأسنة وقد أدرك الإسلام فكان في جملة من وفد مع قومه في سنة تسع من الهجرة على الرسول ، وكان قد أضمر الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لم يتمكن منه ، قم قال لرسول الله : أتجعل لي نصف ثمار المدينة وتجعلنـي ولي الأرض بعدك فأسلم ؟ فأبي عليه رسول الله ، فانصرف عامر وقال : والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً ، وكان متعجرفاً متغطرساً ، لما ناله من مكانه عند قومه ، حتى زعم أهل الأخبار أن اسمه كان قد طار إلى خارج جزيرة العرب ، حتى بلغ قيصر فكان قيصر إذا قدم عليه قادم من العرب قال : ما بينك وبين عامر بن الطفيل ؟ حتى وفد عليه علقمة بن علاثة فانتسب له ، فقال : ابن عم عامر بن الطفيل ، فغضب علقمة ، ورجع ونافر عامر بن الطفيل في قصص من هذا القصص المألوف وروده عن أهل الأخبار .
وروى بعض أهل الأخبار ، أن عامر بن الطفيل لما مات نصبت بنو عامر نصاباً ميلا في حمى على قبره ، لا تنشر فيه راعية ولا يرعى ولا يسلكه راكب ولا ماش ، تعظيماً لقبره واحتراماً لذكراه .
وذكر أبو عبيدة ، أن عامر بن الطفيل ، أحد فرسان العرب المعروفين وفرسان العرب ثلاثة : فارس تميم : عتيبة بن الحارث بن شهاب ، وكان يقال له : صياد الفوارس وسم الفوارس ، وفارس ربيعة : بسطام بن قيس بن مسعود ، وفارس قيس : عامر بن الطفيل ملاعب الأسنة ، فأما ملاعب الرماح فأبو براء عامر بن مالك بن جعفر ، وذكر أن عامر بن مالك بن جعفر ( أبو براء ) ، بعث إلى رسول الله يسأله أن يوجه إليه قوماً يفقهونهم في الدين ، فبعث إليهم قوماً من أصحابه ، فعرض لهم عامر بن الطفيل ، فقتلهم يوم بئر معونة فاغتم أبو براء لذلك ، وقلق لإغفار عامر بن الطفيل بقتلهم ذمته ، ومات عامر بن الطفيل وهو منصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا أبو براء قينتين له واستدعى لبيداً وأخذ يشرب حتى أثقله الشرب فاتكأ على سيفه حتى فاضت نفسه ، فرثاه لبيد ، ودعاه ملاعب الرماح .
وقد عده أهل الأخبار في جملة ( من كان يركب الفرس الجسام فتخط إبهاماه في الأرض ، وفي جملة ( العوارن الأشراف ) .
وقد نافر عامر بن الطفيل علقمة بن علاثة عند هرم بن قطبة بن سنان ، وزعم أنه كان في جملة من أوفدهم النعمان بن المنذر إلى كسرى ليبينوا له مكارم العرب ، وفي الوفد : أكثم بن صيفي ، وحاجب بن زرارة ، والحارث بن عباد البكري ، وعمرو بن الشريد السلمي ، وخالد بن جعفر الكلابي ، وعلقمة بن علاثة فتكلم في جملة من تكلم منهم ، ودون أهل الأخبار كلامهم وأجوبة كسرى عليه ، وكأنهم كانوا كتاب محضر ، دونوه بالنص ! وله منافرة مع علقمة بن علاثة ، كان حكمها هرم بن قطبة بن سنان الفزاري ، وقد سجل أهل الأخبار حديثها بالنص كذلك .
ويعد زيد الخيل من مشاهير فرسان العرب كذلك ، واسمه زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي ، وهو من سادات طئ ومن الشعراء ، وكان بينه وبين (كعب بن زهير ) هجاء ، لأن كعباً اتهمه بأخذ فرس له ، قدم في وفد طئ ، وهو سيدهم على الرسول ، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم الإسلام فأسلموا ، ثم بدل الرسول اسمه فسماه زيد الخير ، وكلمه فأعجبه فلما ولى عائداً من عنده إلى وطنه قال الرسول : ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد الخيل فإنه لم يبلغ فيه كل ما فيه . وقطع له فيداً وأرضين معه ، وكتب له بذلك ، فلما عاد من المدينة وانتهى إلى ماء من مياه نجد يقال له : قردة أصابته الحمى ، حمى يثرب الشهيرة المكناة عندهم بأم ملدم ، فمات بها .
وكان كما يصفه أهل الأخبار طويلاً جسيماً وسيماً يركب الفرس العظيم الطويل فتخط رجلاه في الأرض كأنه راكب حماراً ، أسر عامر بن الطفيل وجز ناصيته ، ( قيل له زيد الخيل لطول طراده بها وقيادته لها ) ، وقد عده ابن حبيب في جملة المتعممين مخافة النساء على أنفسهم لجمالهم .
ومن الفرسان : عمرو بن معديكرب وهو ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه من زبيد ، فأسلم ثم ارتد بعد وفاة الرسول ، فلما سير الخليفة أبو بكر جيشاً على المرتدين انهزم عمرو بن ود ، ثم أخذ أسيراً إلى الخليفة ، فأنبه فعاد إلى الإسلام واشترك في معركة اليرموك ثم في معركة القادسية وتوفى سنة 21 من الهجرة ، ويعد فارس اليمن ، ونعته ابن حبيب بفارس العرب .
ومنهم : دريرد بن الصمة وهو من بنـي جشم وله أخبار مع بنـي كنانة ، وقد أسرته بنو فراس من بنـي كنانة ، فلما عرفته امرأة منهم وهي امرأة ربيعة بن مكدم ، توسلت إلى قومها بفك أسره ، لمساعدته لها في وقت شدة وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه ثم جهزته ولحق بقومه ، وقد عده ابن حبيب من أشراف العميان والبرص الأشراف .
وزيد الفوارس من هذا الرعيل الشهير من فرسان الجاهلية ، وكان الرؤساء في قومه ، وشهد يوم القرنتين ومعه ثمانية عشر من ولده يقاتلون معه ، وهو من سادات بكر بن سعد بن ضبة ، وهو زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي وقد طالت رياسته .
ومنهم : عمرو بن كلثوم الشاعر الشهير قاتل عمرو بن هند ملك الحيرة وصاحب المعلقة ، وينتهي نسبه إلى تغلب ، وهو أحد فتاك العرب وأخوه (مرة) هو الذي قتل المنذر بن النعمان ، وأمه أسماء بنت مهلهل بن ربيعة ، وقد ساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة ، ومات وهو ابن مائة وخمسين سنة .
ومن الفرسان الشجعان : أمية بن حرثان الكناني ، وكان من سادات قومه وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ، وله ولد اسمه كلاب بن أمية دخل في الإسلام كذلك .
ومن الفرسان : الشنفري الحارثي وهو من الشعراء وأحد العدائين ، والعداؤون من العرب : السليك والشنفري والمنتشر بن وهب ، وأوفى بن مطر ، ولكن المثل سار من بينهم بالسليك والعرب تضرب به المثل ، وتزعم أنه والشنفري أعدى من رئي ، ويزعمون أنها كانا يسبقان الأفراس ويصيدان الظباء عدوا .
وقد عرف السليك بسليك المقانب ومقانب أمه ، وكانت أمه سوداء ، وسليك أيضاً أسود وهو أحد أغربة العرب .
ولمع في هذه الأيام اسم حذيفة بن بدر ، واسم حمل أخيه ، وكانا سيدي بني فزارة ، وقد عرف حذيفة بـ رب معد ، وقاد قومه بنـي فزارة في عدة أيام هي : يوم النسار ، ويوم الجفار ، وحرب داحس والغبراء حيث قتل فيها يوم الهباءة .
وقد دونت الأيام أسماء جماعة من سادات تميم ممن ترأسوا قومهم ، ولقبائل تميم مكان خطير في هذه الأيام ، ويظهر أنها كانت من القبائل البارزة في القرن السادس للميلاد ، ومن هؤلاء : زرارة بن عدس من بنـي دارم ، وقد قاد تميماً وغيرها في يوم شويحط إلى عذرة بن سعد هذيم ، ولقيط بن زرارة ، وقد قاد تميماً كلها إلا بنـي سعد بن زيد مناة إلى بنـي عامر بن صعصعة يوم جبلة ، والأقرع بن حابس ، وقد قاد حنظلة كلها يوم الكلاب الأول ، عدا أسماء آخرين تجدهم مذكورين في أخبار الأيام .
المرجع
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام
تأليف الدكتور جواد علي
كتب الموضوع الأستاذ / مطر بن خلف الثبيتي
والسلام ختام