بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فــائـــدة تــاريـخـيـة
الانصار هم الأوس والخزرج بطنان من الازد ، وكانت ديارهم مأرب باليمن ، فهاجروا مع من رحل عنها بعد سيل العرم في القرن الثاني عشر قبل الاسلام ، ومروا على يثرب ، وكانت قرية فيها اسواق يقصدها اهل الجهات المجاورة ، واهلها كانوا يهوداً ، وكانوا من بني النضير وقريظة وبني قينقاع وغيرهم ، وكان لهم بها حصون يلجئون إليها عند الشدة فنزل عليهم الأوس والخزرج على أن يكونوا تحت حكمهم ، وما زالوا كذلك حتى كان ما كان من سوء سيرة الفيطون أحد ملوك اليهود بيثرب وظلمه وغشمه ، فاستغاث الاوس والخزرج بملوك غسان ، فساروا لنصرتهم ، وأوقعوا بيهود يثرب ، ومن ثم صار الحكم فيها للأوس والخزرج وشاركوا اليهود في املاكهم ، واصبحت لهم عصبية عظيمة ، ولهم حروب مشهورة لها أيام معدودة من أيام الجاهلية : منها يوم سمير ويوم كعب ويوم الربيع ويوم البقيع .
وكانت الأوس والخزرج اصحاب نجدة وهـمة وشجاعة وأمانة ، وقد كان أتى مكة بعض منهم للحج في أي مبدأ ظهور الدعوة الإسلامية ، فقابلهم النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة ، ودعاهم للإسلام ، وقرأ عليهم شيئاً من القرآن ، فاجابوه وقالوا له أن بين قومنا شراً وعسى الله ان يجمعهم بك ، فإن اجتمعوا عليك فلا رجل اعز منك ، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم وفي العام التالي وفي وافى الموسم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلا ، فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة الأولى ، فبايعوه البيعة الأولى ، وكان من ضمنهم رافع بن عجلان وعبادة بن الصامت ، وانصرفوا الى المدينة ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القرآن ، ويعلمهم قواعد الاسلام ، فوصل المدينة واجتمع عليه رجال ممن اسلموا ، وسمع به سعد بن معاذ واسيد بن حضير وهـما سيدا بني الاشهل ، فذهب أسيد للإيقاع به ، فقال له مصعب أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكرهه ، فقال انصفت ثم جلس ، فكلمه مصعب في الإسلام وقرأ له شيئاً من القرآن ، فقال ما أحسن هذا واسلم ، وانصرف واحتال على سعد حتى أخذه إلى مصعب ، فقال له مقالته الى أسيد ، وقرأ عليه قرآنا فاسلم سعد ، وباسلامهما أسلم القوم إلا عددا قليلا اسلم بعد الهجرة ، وعندها اتفق جماعة منهم على المسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فساروا إلى مكة واجتمعوا عليه ليلاً بالعقبة دون أن يعلم بهم أحد ، وعاهدوه على ان ينصروه : فسماهم الانصار ، وهنا لك أمر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه بالهجرة إلى المدينة ، وكان أول من قدمها مهاجراً أبو سلمة بن عبد الاسد ، وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة هاجر الرسول إلى المدينة ، وقدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت منه ، ومعه ابو بكر رضي الله عنه ، وقدم بهما دليلهما على قباء ، فنزل صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم ، واقام بينهم ثلاثة أيام ، بنى فيها مسجدهم ، ودعا الناس لصلاة يوم الجمعة ، وهي أول جمعة في الإسلام ، وخطب فيهم عليه الصلاة والسلام ، ثم سار إلى المدينة ، فلما وصل إلى مكان مسجده وكان مربدا لبني النجار ، قال ثامنوني به ، فقالوا لا نبغي به إلا ما عند الله ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجداً ، واقام هو في دار أبي أيوب الأنصاري حتى بنى مسجده وبيته (بيت عائشة ) وكان يبني في بيده الشريفة هو والمهاجرون والانصار .
ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الانصار احدى عشرة سنة ، كان فيها لهم وللمهاجرين كلية كمالية علمية وعملية : تعلموا فيها الاخلاق الفاضلة ، والمزاية العالية ، والسيرة الحميدة ، والتربية القويمة ، والبلاغة في الاقوال ، والمبالغة في محاسن الاعمال ، فبعد صيتهم في جلائل الصفات ، ومكارم الاخلاث والشجاعة والقوة والمنعة وشدة البأس التي ظهروا بها في جميع المواقع التي أمرهم رسول الله بها ،أو شهدها هو معهم : وأهـمها بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة ، وأحد في السنة الثالثة ، والخندق في الخامسة ، وخيبر في السابعة ، وفتح مكة وغزوة حنين في الثامنة ، وغوة تبوك في التاسعة ، وفي السنة العاشرة اكمل الله له دينه ، واظهره على الناس كلهم : وبذلك تمت دعوته صلى الله عليه وسلم ، وحج حجة الوداع وفيها سجل دعوته على المؤمنين ، ورجع إلى المدينة حيث مرض عليه الصلاة والسلام في أواخر صفر ، وتوفى نصف نهار يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة احدى عشرة للهجرة ، ودفن في بيته حيث هو الآن بمسجده الشريف ، صلوات الله عليه وسلامه .
الـمـرجـــع
الرحلة الحجازية
لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديوي مصر
بقلم / محمد لبيب البتنوني
ولجميع القراء كامل التحيات من الأستاذ / مطر بن خلف الثبيتي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته