بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حــــــــادثــة شـــمـــــر
خلا لشيخ قبيلة شمر ولأفرادها الجو فكانوا يغيرون علي البلاد الكائنة في حدود ولايات حلب والموصل وديار بكر وقادهم شيخهم مراراً إلى القرب من بغداد ولما بلغه خبر توجه العساكر العثمانية إلى نجد توهم أن البلاد أصبحت خالية من القوة فجمع من عشيرته ثلاثين ألفاً وهاجم مدن (أورفه) و (سورك) وغيرها من البلدان التابعة لولاية الموصل وفي شهر تموز بلغ مدحت باشا خبر توجهه إلى مدينة بغداد وكان على أهبة السفر إلى نجد فأخر سفره .
أصابت ثورة الشيخ عبد الكريم الجربا شيخ قبيلة شمر البلاد وكانت ولاية ديار بكر قد أصيبت شر مصيبة بسبب حملاته وكان واليها في ذاك الوقت (قورت إسماعيل باشا) فجمع جموعه وعزم على اقتفاء اثر عبد الكريم وأعوانه بيد أنه قد تربص لينظر ما سيكون من أمر مدحت باشا ولما كتب له تحرك من الموصل في طابورين من العساكر وقامت من بغداد ثلة من الجنود تحت قيادة الفريق أشرف باشا وأنتظر الجنود الشيخ عبد الكريم على ساحلي دجلة والفرات واتخذت الحكومة التدابير اللازمة بقرب (دير الزور) .
أما الثوار فقد أقترب قسم منهم من دير الزور وتوجهت منهم جماعة إلى بغداد أما الذين توجهوا إلى دير الزور فقد قابلهم هناك الأكراد فانهزموا شر هزيمة وتوجهت طائفة إلى جهة (شرقاط) القريبة من الموصل فأفناها إسماعيل باشا ولما رأى الذين توجهوا إلى بغداد عساكر الحكومة عادوا أدراجهم وطلبوا الماء فلم يوفقوا للوصل إليه فقصدوا الآبار ووجدوها خالية من الماء فمات أكثرهم عطشاً .
وفي هذه الأثناء عاد عبد الكريم مع أعوانه وعددهم يبلغ الألفين مغادراً إلى جبل شمر مقر أجداده فكتب مدحت باشا إلى أبن الرشيد وكان كلما توجه إلى جهة كربلاء والحلة رأى الجنود أمامه وفي الختام عزم على الالتحاق بعربان نجد ودخل إلى حدود متصرفية المنتفك فقبض عليه ناصر باشا وسلمه إلى بغداد مجروحاً .
جرت محاكمة عبد الكريم بصورة علنية في مجلس التمييز ببغداد وصدر عليه الـحكم بالإعدام ولما كان من أصحاب الرتب العالية أرسلت صورة الحكم إلى الباب العالي وكان في النية إرساله إلى دار السعادة وبينما هو طريقه بالقرب من الموصل وصل أمر إعدامه إلى بغداد فأعيد واعدم شنقاً ... فمن هو الجربا ؟؟؟
هو عبد الكريم بن صفوق بن فارس الجربا ولد عام 1830م والدته عمشة آل حسين بنت شيخ طيء القبيلة المعروفة وهو الرابع في تسلسل أولاد صفوق ( فرحان ، عبد الرحمن ، عبد الرازق ، عبد الكريم ، فارس ) نشأ في بيت فروسية وكرم لا مثيل لهما في المجتمع البدوي ، ولما بلغ التاسعة من عمره ظهرت عليه إمارات الشجاعة والكرم وقد صادف مرة رجلاً يسير والجو ممطراً وبارداً جداً وكان الرجل منهكاً لشدة البرد والجوع والوقت قبل غروب الشمس فقال للرجل إلى أين أنت ذاهب يا عم ؟ ، فقال الرجل أنا (حنشولي) على عادة البدو آن ذاك فقال : وكان لا يعرف ماذا يعني وماذا تفعل قال أضوي على قوم في هزيع الليل وآخذ جمل أو ناقة إن رأيت فرصة فقل وما الداعي إلى ذلك يا عم ؟ قال الرجل الجوع يا ولدي وقلة الحلال لدى أولادي لا بد من إعاشتهم فقال يا عم ؟ هل تأتي معي إلى أهلي وفي الليل أرافقك إلى عرب قريبين لأنني أريد أن أتعلم الحيافة مثلك فقال : يا ولدي أخاف أهلك ما يرضون وتعطلني فقال : لا إن والدي غير موجود والقوم معه وأنا راعي البيت والأمر بيدي فأتى بالرجل إلى بيت والده وشب له ناراً وعمل له طعاماً فذهب عن الرجل التعب والجوع والبرد ولما أنتصف الليل قال للرجل هيا معي إلى حيث ذكرت لك ولما ساورا غير بعيد شاهد الرجل أبلا كثير فقال عبد الكريم للرجل إجلس هنا وأنا سوف أضوي على الإبل وآتيك بقسم منها فذهب وأتاه بمجموعة كبيرة من الإبل فقال للرجل إحفظها سوف أعود ثانية وآتيك بمثلها وهكذا ثلاث مرات والرجل يتعجب من جسارة عبد الكريم على الرغم من صغر سنه وهو لا يعرفه فلما شاهد الرحل هذه الإبل الكثير قال : يا ولدي تعال نتقاسم أنا وإياك الإبل فقال يا عم هي لك كلها لإطعام أولادك وحملهم عليها وقت الحاجة أما أنا فلا حاجة لي بها فقال : من أنت قال أنا عبد الكريم بن صفوق الجربا وهذه الإبل لوالدي وأحببت أن أعينك بها حتى لا تعرض نفسك للمخاطر .
سمي عبد الكريم بـأبو خوذه لحبه للعطاء فما سأل شيئاً إلا وقال خوذه وأصل التسمية جاءت عندما يغزو بقبيلته كان من عادت الفرسان أن يعرضو القلايع على عبد الكريم فكلما عرض فارس بقلاعته التي كسبها من الأعداء قال له عبد الكريم خوذه تستاهله فجعل على نفسه عرفاً سارياً إلا يأخذ قلاعه أي رجل شمري يكسبها من القوم المقابلين فأطلق عليه الناس لقب ( أبو خوذه ).
عبد الكر يـم ليا ركب يعبـوبـه يا كن رجله عند الأففاي عايبه
جـده من أمـه من موارث حاتـم وأبــوه شيال الحمول النوابـيــه
حـامـي الرمـل معطي الـرمــك لــه هـــده تكثر بــه الـجنايـبه
لو يقضب الياقوت مـــا عيابـه تلقى الندى بين الحجاجين رابيه
إفترس الخليل وعمره ثماني سنوات ولما قتل والده كان عمره أحد عشر عاماً فاشتاط غيظاً وكان والده حين مقتله يسير أمام مظاهير قومه حيث وصل إليه مندوب من الوالي التركي وسلمه رسالة يطلب بها الوالي مقابلة صفوق لأمر مهم فطلب من قومه الميسر وإنه سيعود لمقابلة الوالي التركي وفي طريق عودته قتل على يد الحراس المكلفين بمرافقته ، قتله بمسدس وكان الحارس يسير خلف صفوق .
ولم يعلم عبد الكريم بمقتل والده إلا بعد ثلاث أيام فنهض ليهجم على الوالي التركي ليقتله إلا أن قومه حالوا بينه وبين ذلك لخطورة الأمر عليه فحلف ألا يبقى أحدا من الأتراك على قيد الحياة متى ما وجدهم وفي أي مكان يجدهم وكان يركب فرسه ويبعث رجالا يسبرون له الأتراك وقتل منهم الكثير وشتت جموعهم حيثما حلو وحيثما وجدوا ، كان كريماً معطاء ما سئل عن شيء إلا وقال خذه .
المرجع / مذكرات مدحت باشا
1- د . صديق الدملوجي
2- يوسف كمال بك حتاته
مع تحيات الأستاذ / مطر الثبيتي
وشهركم مبارك والسلام ختام