بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
إمارة قريش بمكة
إمارة قريش بمكة - بقى أمر مكة بأيدي ملوك من جرهم . وكان لبني إسماعيل مكانة محترمة لما لأبيهم من بناء الكعبة ، ولكن لهم من الحكم شئ فلما كان حادث سد مأرب وآرتحال القبائل اليمنية من ديارهم كان منها من عرج على مكة وهم بنو خزاعة الأزديون فحاربوا جرهما وأجلوها عن مكة واستبدوا بحكم مكة دون قريش حتى ظهر قصي بن كلاب حوالي منتصف القرن الخامس الميلادي فجمع شتات قريش ووحد كلمتهم فكان لهم بذلك قوة مكنتهم من أن يزاحموا خزاعة ويغلبوها على حكم مكة ، ولم يبق بأيديهم غير سدانة البيت الحرام فأشتراها قصي بزق خمر من سادنه المعروف بأبي غُبشان وإلى ذلك يشير الشاعر بقوله :
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزق خمر فبئست صفقة الشاري
وبذلك اصبح قصي سيد مكة والمتولي شؤون الكعبة التى كانت تحج إليها العرب من جميع أنحاء الجزيرة فكان له من مظاهر الرئاسة :
1- رياسة دار الندوة التي أنشأها بمكة وكانت تجتمع فيها قريش للفصل في امورها العظيمة
2- اللواء فكان لا تعقد راية الحرب إلا بيده
3- الحجابة وهي حجابة الكعبة فلا يفتح بابها إلا هو وهو الذي يلي امر خدمتها
4- سقاية الحجاج ورفادته
وكان لقصي من الولد عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزي وكانت عبد مناف قد ساد في حياة أبيه فأراد أبوه أن يلحق به ابنه عبد الدار وكان أسن منه ، فأوصى له بما كلن يليه من مصالح قريش فلم ينازع عبد مناف أخاه في ذلك ولما توفى ترك أربعة أولاد هاشما ، وعبد شمس ، والمطلب ، ونوفلا ، فنافسوا بني عمهم عبد الدار في هذه المصالح التى رأوا أنفسهم أحق بها لشرفهم وسيادتهم وكثرتهم ، وافترقت قريش طائفتين ، طائفة تنتصر لبني عبد مناف وطائفة تنتصر لبني عبد الدار وكاد يكون بينهم قتال لولا أنهم ألهموا الصلح على طريق لا يغص من الفريقين وهو اقتسام هذه المصالح ، فكان لبني عبد الدار الحجابة واللواء والندوة ولبني عبد مناف السقاية والرفادة ، ثم حكم بنو عبد مناف القرعة في نصيبهم فأصابت القرعة هاشم بن عبد مناف .
وهاشم بن عبد مناف فيما يروى أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء وكانت إلى اليمن ورحلة الصيف وكانت إلى الشام فصد الأتجار ، وربما كان ذلك على أثر المعاهدات التي ابرمتها قريش على أيدي بني عبد مناف مع من بجوارها من الملوك . روى الطبري في تاريخه أن بني عبد مناف أول من أخذ لقريش العصم فأنتشروا من الحرم . أخذ لهم هاشم حبلا من ملوك الشام والروم وغسان ، وأخذ لهم عبد شمس حبلا من النجاشي الأكبر ، فأختلفوا لذلك السبب إلى أرض الحبشة وأخذ لهم نوفل حبلا من الأكاسرة فاختلفوا بذلك السبب إلى العراق و أرض فارس وأخذ المطلب حبلا من ملوك حمير فأختلفوا بذلك إلى اليمن . وقد أمتن الله على قريش في قوله ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف )
الخلاف بين الهاشميين والأمويين - وكان ذلك الشرف كله لهاشم بن عبد مناف فأثار ذلك فيما يروى غيرة امية بن عبد شمس وكان مثريا من المال والبنين ولكنه مع ذلك لم يكن له من رياسة قريش شئ وجربت بين العم وأبن أخيه منافرة غلب فيها أمية على أمره فكان ذلك بدء النزاع بين الهاشميين والأمويين .
فلما توفى هاشم خلفه أخو المطلب ثم من بعده أبنه عبد المطلب في السقاية والرفادة ، وتتميز إمارة عبد المطلب بثلاث حوادث كبار .
1- كشفه عن بئر زمزم التي كانت طمت وخفيت معالمها .
2-تجدد النزاع بين الهاشمييين والأمويين ، وذلك أن حرب بن أمية بن عبد شمس نفس على عبد المطلب شرفه ورياسته وجرت بينهما منافرة كالتي كانت بين ابويهما فغلب حرب على أمره ، وكذلك أستمر الخلاف بين الهاشميين والأمويين
وكانت له فيما بعد أثار عظيمة في الإسلام >
3- واقعة الفيل وكانت عام 571 م . وسببها أن أبرها الحبشي لما أقام باليمن أنشأ بصنعاء كنيسة فخمة وأراد ان يكون حج العرب إليها دون الكعبة ، فلما لم يتيسر له ذلك من طريق السلم أعتزم أن يسير إلى الكعبة ويهدمها . غير انه فشل في ذلك كما نطق به القآن في سورة الفيل ( ألم ترا كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول )
وقد رزق عبد المطلب عشرة أبناء كان أحدهم عبد الله الذي ولد له سيدنا محمد بعام الفيل على أصح الروايات
الحال الدينية للعرب قبل الإسلام - قد أختلفت أديان العرب في جاهليتهم فمنهم الدهريون الذين قالوا : ما يهلكنا إلا الدهر ، ومنهم الصائبة عبدة النجوم والكواكب ، ومنهم الوثنيون عباد الأصنام والاحجار والأشجار ، ومنهم اليهود والنصارى . غير أن عبادة الاصنام كانت الغالبة عليهم وكانت الكعبة مجمع اصنامهم ومن أشهر أصنام العرب ، ود ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، واللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، والخلصة وقد ورد ذكر كثير منها في القرآن الكريم .
تلك الحال الدينية قد تغيرت بعض الشئ قبيل الاسلام إذ ظهر في حواضر الجزيرة آحاد من العرب لم تطب نفوسهم عن ذلك الضرب من التعبد ورأوا أن هناك حقيقة غابت عنهم أوهم ضلوا عنها . روى ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق أن قريش اجتمعت في عيد لهم عند صنم من أصنامهم فخلص منهم أربعة نفر نجيا هم ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو ، فقال بعضهم لبعض ( تعلموا والله ما قومكم على شئ ، لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم ، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ؟ . يا قوم التميوا لأنفسكمفانكم والله ما أنتم على شئ ) فتفرقوا في البلدان : فأما ورقة بن نوفل فاستحكم النصرانية وأما عبيد الله فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتي أسلم ثم أرتد . وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر وتنصر ، وأما زيد بن عمرو فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه ، هذه الحركة تبين لنا ما كان وقتئذ في نفوس العرب من استعداد لقبول دين يلائم الفطرة كالدين الإسلامي .
مما تقدم كله نعلم أنه لم يكن للعرب قبل الاسلام جامعة واحدة تؤلف بينهم ، فأما من الوجهة الدينية فقد رأينا تعدد نحلهم ، وأما من الوجهة السياسية فقد كان منهم الخاضع للفرس كأهل اليمن أولاً ومناذرة الحيرة أخيراً ، أو للروم كغساسنة بادية الشام ، ومنهم من لم يخضع لحكومة اجنبية وهم سائر العرب ، على أنه قد كانت لهم أمور عصمتهم من التدابر المطلق : منها إجماعهم على تعظيم الكعبة واختصاصهم قريشاً بسداتها واحترمهم لأشهر الحرم واشتراكهم في إقامة الأسواق العامة التي كانوا فيها يتبايعون ويتحاكمون ويتناشدون الشعر وذلك مثل سوق عكاظ وغيره .
وإنما الرجل الذي قام فجمع شتات العرب وجعل منهم أمة واحدة ذات دين واحد وحكومة واحدة وعصبية واحدة هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سيد المرسلين وخاتم النبيين .
وتقبلوا تحيات أخيكم الأستاذ / مطر الثبيتي