مرض العشق وعلاجه
اعتبر العشق على أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. وفي الوقت الذيينظر فيه إلى الحب على أنه أسمى عاطفة يتحلى بها الإنسان، فقد اعتبر العشق أنهعبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما ينعكس ذلك بآثارسلبية على شخصية العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية، فضلا على الاضطرابات السلوكيةوالتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.
أسباب مرضالعشق:
يقول ابن سينا في ذكر أسباب هذا المرض: "هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا ، يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصوروالشمايل التي له، سواء أعانته على ذلك شهوته أم لم تعنه.
وقد أضاف بعضهم إلى ذلك بأن هذا المرض يعتري العزاب والبطالين من أهل الرعاع. ويتحدث ابن هبلالبغدادي عن آلية حدوث هذا المرض فيقول: "العشق مرض يعرض من إدامة الفكر في استحسانبعض الصور الحاصلة في الخيال وإدامة النظر إليها وتحريك النفس شوقا إلى استحضار ماهي مثاله، ويساعد على ذلك الحركات الشهوانية فيعرض من ذلك شيء من الجفاف واليبسالمؤدي إلى المالينخوليا". من حديث البغدادي يمكن لنا أن نفسر لماذا أتى مرض العشق بعد مرض المالينخوليا في المؤلفات الطبية العربية القديمة.
يمكن تلخيص أعراضوعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: النحول – قلة الشهية – غؤورالعين مع سماكة الجفن – حب العزلة مع الاسترداد وكثرة الصعداء – اضطراب النبض وخاصةتسرعه لدى ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به.
علاج مرض العشق على النحو التالي:
أولا- محاولة الجمع بين العاشق والمعشوق بالزواج إن أمكن، وفي ذلك يقول ابنهبل البغدادي: "العلاج لاشيء أنفع من الجمع بين العاشق ومعشوقه على وجه تبيحهالشريعة، فإنه يصلح ويبرأ. وإن لم يكن فالنظر من بعيد، وإلا فالتسويف)".
ويوضح ابن سينا هذه الحقيقة بقوله: "ثم إن لم تجد علاجا إلا تدبير الجمعبينهما على نحو يبيحه الدين والشريعة فعلت، وقد رأينا من عاودته السلامة والقوة،وعاد إلى لحمه. وكان قد بلغ الذبول وجاوزه، وقاسى الأمراض الصعبة المزمنة والحمياتالطويلة بسبب ضعف القوة لشدة العشق. ولما أحس بوصل من معشوقه بعد مطل معاودة فيأقصر مدة قضينا به العجب، واستدللنا على طاعة الطبيعة لأوهام النفس".
ثانيا- نصح العاشق وتعنيفه على أفعاله إذا كان من العقلاء. يقول ابن سيناأيضا: "وإن كان العاشق من العقلاء فإن النصيحة والعظة له والاستهزاء به وتعنيفهوالتصوير لديه أن ما به إنما هو وسوسة وضرب من الجنون، مما ينفع نفعه، فإن الكلامناجع في مثل هذا الباب".
ثالثا- إشغال العاشق ببعض العلوم العقلية ومجالسأهل الفضل، أو إشغاله ببعض الأمور الأخرى التي تصرف تفكير العشق عن كثرة التفكيربمعشوقه. وقد تفنن الأطباء العرب في هذا المجال بابتكار الوسائل التي من شأنها أنتحقق هذا الغرض. فمن هذه الأمور ذكروا:
1-إشغال المريض ببعض العلوم العقليةومجالس أهل الفضل، وذلك إذا كان ممن عنده الاستعداد لذلك. وإذا كان من المتدينينفيمكن تسليته بأخبار الزهاد والعباد والمساكين.
2- إذا كان العاشق صاحبصنعة أو عمل أو شغل ألزم بعمله أو شغله فلا شيء أضر عليه من البطالة والفراغ.
3- طول السفر عن مكان إقامة المعشوق، حيث أن ذلك مما يولد النسيان مع مرورالزمن.
4- ذكر بعض الأطباء –كابن سينا- أنه من الناس يسليه الطرب والسماع،ومنهم من يزيد ذلك من غرامه، ويمكن أن يتعرف ذلك.
5- مما ينفع هؤلاء أيضامجالس السرور واللهو والفرح، والتنزه وكثرة النظر إلى القمر. وهذه كلها اعتبرت منالأمور التي تصرف تفكير العاشق عن معشوقه.
رابعا- إفراغ المرة السوداء منالجسم والقضاء على مفاعلاتها السلبية في الجسد، وذلك بالتجفيف والتبريد. لذلك نصحالرازي بكثرة الاغتسال بالماء البارد، وحذّر من الأشياء الحارة من الأدويةوالأغذية. وكذلك نصح بالنوم في الأماكن الباردة.
خامسا- الميل لتناول بعضالأغذية التي لها صفة التبريد مثل الرايب الحامض والبطيخ والقثاء والبقلة وغيرها منالأطعمة التي تساعد على استفراغ المرة السوداء وبالتالي تحقق غاية التبريد.