دفق قلم
طرائف من مجلس النبوة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي
الانبهار الذي بدا على وجه ذلك الشاب المسلم حينما أطلعته على بعض الطرائف النبوية، كان دليلاً على تقصير البيت المسلم في ربط أفراد الأسرة بالقرآن والسنة ربطاً عملياً، لقد كان منبهراً جداً بطريقة تدل على أنه بعيد كل البعد عن أجواء الحديث النبوي المفعمة بكل كلمة طيبة، ومعنى نقي، وفكرة نيرة.
حينما سألته عن حياته أخبرني بما يندى له الجبين، فهو من أسرة عربية عريقة في العروبة، مسلمة عريقة في الإسلام، مقيمة في الرياض العاصمة العربية الإسلامية العريقة، ومع هذا هو يعيش في منزله المكون من أبوين (غافلين عن الدين) و(مشغولين بالدنيا) وأخوين لاهيين يجوبان شوارع الرياض يحرقان وقتهما، وأختين جادتين في دراستهما، حريصتين على تقديرات ممتازة في الدراسة، ولكنهما كبقية أفراد الأسرة مشغولتان بقشور الحياة، وهذه الأسرة لم تجلس مرة واحدة في حياتها على موعظة، أو ذكر، أو قراءة مفيدة، بل هي مشغولة بالفضائيات بكل ما لها وما عليها، وبالإنترنت الذي استطاع أن يعزل أفراد الأسرة عن بعضهم عزلاً تاماً حتى أصبحوا كالغرباء.
لقد وصف لي هذا الشاب من حالة أسرته ما أشعرني بضرورة مراجعة المجتمعات المسلمة لحياتها وعلاقاتها الأسرية، حرصاً على القيام بأعباء الأمانة العظمى التي يحملها ولاة الأمر من آباء وأمهات وغيرهم ممن ولي شيئاً من أمور المسلمين.
قال لي ذلك الشاب: كنت أشعر بأن حياة المتدينين حياة معقدة منغلقة، وقد أكد والدي ذلك لي أكثر من مرة، ولكنني بدأت أشعر بالضيق من حياتي وحياة أسرتي المتفلتة، خصوصاً أنني أرى زملائي الملتزمين أكثر مني استقراراً وسعادةً، ومع ذلك فأنا أخشى من التعقيد الديني لأنني أكره التجهم والجد المطلق وعدم المرح والضحك والابتسام.
قلت له كلاماً كثيراً لتصحيح هذا التصور المشوه، ورويت له ما ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم في شأن الابتسامة والترويح المباح، وأنه كان يمازح أصحابه، ويبتسم معهم، وكان يضحك في بعض المواقف، وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى يضحك ضحكاً يليق بجلاله وعظمته كما في الحديث الذي رواه مسلم في قصة آخر أهل الجنة دخولاً إليها بعد أن طهّره الله من ذنوبه التي لم يتب منها في الدنيا، فهو يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوز النار قال: تبارك الذي نجاني منك، وسردت له الحديث وهو مستمتع بما يسمع من تفاصيل هذه القصة المثيرة لهذا الرجل الذي يدخل الجنة متأخراً عن أهلها جميعاً، ويسأل الله أن يستظل بظل شجرة تكفيه عن غيرها ويحلف لله ألا يسأله غيرها، ثم يسأل الله غيرها ناسياً قسمه لربه، وهكذا حتى يسأل الله أن يدخله الجنة فيقول له الله: يا ابن آدم ما يصريني منك؟ - أي ما يقطع عني مسألتك وإلحاحك - أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ قال ابن مسعود: فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، فقالوا: ممَّ تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال الرجل: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول له - سبحانه -: إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر.
كان الشاب منبهراً وهو يسمع هذا الحديث لأول مرة مع أنه ولد ونشأ وترعرع وتعلّم في بيئة مسلمة منذ عشرين عاماً، هي سنوات عمره، وحينما رويت له قصة الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدّث أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له الله: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب الزرع، قال: فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال - فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي: والله لا تجده يا رسول الله إلا قرشياً أو أنصارياً فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن أهل البادية فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الأعرابي مستلطفاً له أقول: حينما رويت لهذا الشاب هذا الحديث ضحك من قلبه متعجباً من هذه الأشياء التي يسمع بها لأول مرة في حياته.
أيها الأحبّة هيا نعيد النظر في علاقتنا بديننا كتاباً وسنةً وسيرةً وأدباً فالمرحلة التي نعيشها تدعونا إلى ذلك.
إشارة: