التحذير ممن يستخدمون العصا لمعرفة المياه الجوفية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن ما يستخدمه بعض الناس مما يسمى عصا الاستنباء، أو سحر الماء ، أو البندول أو استخدام سلكين على هذا الشكل( ـا )، كل سلك يمسك بيد، أو استخدام البندول، أو بدون أداة وإنما بما يزعمونه من الإحساس أو القدرة الخارقة على معرفة المياه الجوفية كل ذلك ضرب من ضروب السحر والشعوذة، ومن ادعاء علم الغيب، ومن العرافة ..
وغالب ما يفعله أولئك المتخصصون بذلك العمل ممن يتعامل مع الشياطين، أو يكون الشيطان معيناً له بغية إضلاله وإغوائه ..
فيجب الحذر ممن يمتهنون هذه المهنة فهي محرمة، ولا يجوز لمسلم أن يحضرهم ولا اعتقاد صدقهم حتى لا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَصَدَّقَهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَومَاً)) رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» ، والإمام أحمد في مسنده -واللفظ له- عَن بَعضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم -..
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَو كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم -)).
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ في تيسير العزيز الحميد: [قَولُهُ: (قَالَ البَغَوِيُّ: «العَرَّافُ: الَّذِي يَدَّعِي مَعرِفَةَ الأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتٍ يُستَدَلُّ بِهَا عَلَى الْمَسرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ. وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: هُوَ الكَاهِنُ. وَالكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخبِرُ عَنِ الْمُغَيِّبَاتِ فِي الْمُستَقبَلِ. وَقِيْلَ: الَّذِي يُخبِر عَمَّا فِي الضَّمِيْرِ».
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ ابنُ تَيمِيَّةَ: «العَرَّافُ: اسْم لِلكَاهِنِ وَالمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ وَنَحْوهِمْ، مِمَّن يَتَكَلَّمُ فِي مَعرِفَةِ الأُمُورِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ».
قَولُهُ: (العَرَّافُ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأمُورِ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا تَفْسِيْرٌ حَسَنٌ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ العَرَّافَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الوَاقِعِ كَالْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ، وَأحْسَنُ مِنْهُ كَلامُ شَيْخِ الإسْلامِ: «أنَّ العَرَّافَ اسْمٌ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ وَنَحْوِهِمْ»، كَالْحَازِرِ الَّذِي يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ أَوْ يَدَّعِي الكَشْفَ.
وقَالَ-أيْضاً-: «وَالْمُنَجِّمُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ العَرَّافِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ».
وَقَالَ -أيْضاً-: «وَالْمُنَجِّمُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الكَاهِنِ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وغَيْرِهِ مِنَ العُلَمَاءِ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنِ العَرَبِ، وعِنْدَ آخَرِيْنَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الكَاهِنِ وَأَسْوَءُ حَالاً مِنْهُ، فَيُلْحَقُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى»، وقَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ: «العَرَّافُ طَرَفٌ مِنَ السِّحْرِ، وَالسَّاحِرُ أَخْبَثُ».
وَقَالَ أبُو السَّعَادَاتِ: «العَرَّافُ الْمُنَجِّمُ وَالْحَازِرُ الَّذِي يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ».وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ: «مَنِ اشْتُهِرَ بِإِحْسَانِ الزَّجْرِ عِنْدَهُم سَمَّوْهُ عَائِفاً وَعَرَّافاً».
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا مَعْرِفَةُ أَنَّ مَنْ يَدَّعِي عِلْمَ شَيْءٍ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ، فَهُوَ إمَّا دَاخِلٌ فِي اسْمِ الكَاهِنِ، وَإِمَّا مُشَارِكٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى، فَيُلْحَقُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِصَابَةَ الْمُخْبِرِ بِبَعْضِ الأُمُورِ الغَائِبَةِ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَكُونُ بِالكَشْفِ، ومِنْهُ مَا هُوَ مِنَ الشَّيَاطِيْنِ، وَيَكُونُ بِالفَأْلِ وَالزَّجْرِ وَالطِّيَرَةِ وَالضَّرْبِ بِالْحَصَى وَالْخَطِّ فِي الأَرْضِ وَالتَّنْجِيْمِ وَالكِهَانَةِ وَالسِّحْرِ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ عُلُومِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَنَعْنِي بِالْجَاهِلِيَّةِ: كُلَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أتْبَاعِ الرُّسُلِ؛ كالفَلاسِفَةِ، وَالكُهَّانِ، وَالْمُنَجِّمِيْنَ، وجَاهِلِيَّةِ العَرَبِ الَّذِيْنَ كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ-- صلى الله عليه وسلم --، فَإِنَّ هَذِهِ عُلُومُ القَوْمِ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ-عَلَيْهِمُ السَّلامُ-
وَكُلُّ هَذِهِ الأمُورِ يُسَمَّى صَاحِبُهَا كَاهِناً وَعَرَّافاً أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا، فَمَنْ أَتَاهُمْ فَصَدَّقَهُمْ بِمَا يَقُولُونَ لَحِقَهُ الوَعِيْدُ] انتهى بشيء من الاختصار.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد