- لعل من الصفات البارزة في مجتمعاتنا العربية هي: الانشداد إلى الماضي، حينما يموج بالحنين، بذكراه الحُلوة، بالانتصارات الزاهية، التي لم نخض منها ولا معركة واحدة، نميل هنا تارة، وتارة إلى كل ما يحمله من ثقافة_ولا أقصد بالثقافة هنا المعرفة، ولكن أعني بها : أسلوب حياة_، متباينة...إلا أنها في ملامحها العامة قد تتفق إلى حد بعيد...
-قد يكون من الأجدر بي أن أبين لكم، ما هو التراث، وما الماضي الذي أتحدث عنه، فحينما يتحدد المفهوم، تتضح الرؤى، وتنجلي العتمة...
إن التراث بتعريف مبسط هو: مجمل الخبرات، والتجارب والقيم والأعراف... المنحدرة إلينا من الأجداد...إذن هو أسلوب حياة الأجداد باختصار شديد...
لقد سادت هذه الثقافة في مجالسنا، فهاهم كبار السن يسردون القصص الكثيرة والمتنوعة عن إنجازات القبيلة، وكيف غارت على تلك القبيلة، ومزقتها شر ممزق، وشردتهم، وهاهو الفارس الملحمي (فلان بن فلان) يطيح برأس فارسهم المغوار، قصص كثيرة؛ منها ما هو حقيقة، ومنها ما هو من نسج الخيال!!!
ثم إن أي نقد لما كانوا عليه هو تعدِّ سافر على الهوية، بوصفها عادات وتقاليد راسخة وحساسة، والمساس بها هو بمثابة تجاوز الحدود، وإهانة لا تغتفر...!!!
مع أننا لو تأملنا كثيرًا من العادات والتقاليد لوجدنا أنها لا تتفق وروح العصر، فالأفكار هي كائنات حية؛ تبلى وتمرض وتموت...وكذلك هي تجارب إنسانية أفرزها عقل بشري يخطئ ويصيب، فمن منحها هذه القدسية؟!
إنها _في نظري_ أزمة فكرية لا بد من وضعها تحت المجهر، وتمحيصها وتشذيبها..فكم هو عدد الذين وقعوا أسرى لها، فأصاب وعيهم سباتٌ شديدٌ، وأعطى عقولهم إجازة مفتوحة؛ يعيشون في عقول الأجداد، وفي العصور البدائية..رغم حصولهم على شهادات علمية إلا إنها لم تفلح في تزويد هذه العقول بما يمليها عليه الواقع المعيش، فمتى سنخرج من تحت الركام؟ وهل بإمكاننا السباحة إلى الضفاف بدلاً من الغرق في غمار التاريخ؟ سنظل على لائحة الانتظار إلى أن يحين النبأ، والخطوة الحرة !!!