.................................................. ...........................................
قد تفاجأ بالعنوان الذي ينطوي على ثقافة الصراع والنزاع، لكن لا تعجب حين تعلم أن كثيراً ممن هم حولك من الجنسين يلقون لك بعض من التحريض ففي مجتمع النساءيتفوهن ببعض النصائح لكل من تقدم على عش الزوجيه وهن لايعلمن مدى تأثيرهاالسلبي وهذه بعض منها...«زوجك على ماعودتيه، وولدك على ماربيته، واغلبيه لايغلبك، واقويه لايقواك...» وهلم جرا من الوصايا العدوانية.
وفي المقابل، تأتي الوصايا الموجهة للزوج من ذويه، ولعل من أبرزها: «لا يغلبنك الحريم»، ولا يغيب عن تصورنا الطرفة التي ترمز للسيطرة والعنف بقطع الزوج رأس القط ليلة الزفاف أمام العروس، حتى تدرك المرأة خشونة الزوج، وقساوة قلبه، فتظل تخشاه وتخافه، ويسهم بعض المثقفين في ترويج ثقافة اللجاجة والشحناء، على غرار: حقي وحقك، وكفايتي وكفايتك، وسلاحي وسلاحك، وانتصاري وهزيمتك.
ولعلنا نتساءل من المسؤول عن نشر هذه الثقافة في المجتمع، ولماذا نغيب نظرة القرآن في العلاقة بين الجنسين، يقول تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». وتأمل معي الآية التي ضمنها الله آيات عدة، آية خلق المرأة من الرجل، فإليها يحن، وعنه لا تستغني، البيت لهما مثابة وسكن، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر، وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومنه تمتد وشائج الرحمة وأواصر التكافل.
لقد جعل الله العلاقة بينهما سكناً للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء .
ما أجمل ألفاظ القرآن الرقيقة الرفيقة التي تصور طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة «لتسكنواإليها» «وجعل بينكم مودة ورحمة» والمودة وحدها آصرة عظيمة وهي آصرة الصداقة والأخوة وتفاريعهما، والرحمة وحدها آصرة منها الأبوة والبنوة، فما ظنكم بآصرة جمعت الأمرين، وكانت بجعل الله تعالى وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان، وأظلهما سكن دائم.
يقول ابن عاشور:«وهي آية تنطوي على آيات عدة منها : أن جُعل للإنسان ناموس التناسل، وأن جُعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه، وأن جعل زوج الإنسان من صنفه، ولم يجعله من صنف آخر؛ لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف، وأن جعل في ذلك التزاوج أنساً بين الزوجين ولم يجعله تزاوجاً عنيفاً أو مهلكاً كتزاوج الضفادع، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة فالزوجان يكونان من قبل التزاوج متجاهلين فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آياتٍ عدة في قوله: «إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون»
إن علينا اليوم أن نؤصل في الجيل الواعد النظرة الربانية للحياة الزوجية، لينعم بالراحة، ويتفيأ ظل المحبة، ويتحلى بالرحمة، لا أن نزرع في أنفسهم الصراع، والنزاع والشقاق، وكأننا في مجتمع غاب يأكل قويه ضعيفه، ويسيطر فيه من طال مخلبه، وقوي نابه، ولنبدأ بمشروع للحياة السعيدة في ظل كتاب الله. م ن ق و ل.