(( رن هاتفي .. فاذا به مدير الشرطة .. فقال : ))

[مفيد]

[align=center]


بسم الله الرحمن الرحيم


كنا نتجاذب أطراف الحديث ، في مجلس احد القرابة ، هذا يقول فائدة ، وهذا يخبر خبرا ، وهذا يحكي قصة ، مجلس كلهم أبناء عمومة وقرابة ، اجتمعوا للتواصل .

رفع ابو تركي حاجبه يريد ان يحكي قصة ، لم يترك له الشباب فرصة للحديث .. كل يريد ان يحكي شيئا .. لكنه انطلق كغيره يحكي قصته لمن بجواره .. كان يفصل بيني وبينه متكأ كنت اتكيء عليه وإياه .. لفت حديثه انتباهي .. ادركت انه يريد ان اسمع منه ، بحكم قربي مجلسي منه .. أرعيت له سمعي .. واذا به يتحدث عن بطاقة صراف وجدها في صرافة الراجحي امكنه ان يسحب رصيد صاحب البطاقة لولا ان الله منعه بالورع ..

علمت ان قصته مفيدة للحضور ..

رفعت صوتي يا إخوان . ابو تركي يحكي قصة مهمة دعونا نستفيد منها .

لم يكن في بالي أن اسطرها في النت لأني كنت اعتقد انها قصة عادية غير ان فيها بعض الفوائد .

ولما سمعتها كاملة من فمه لم املك الا ان قلت والله ان فيها لعبرة وذكرى .. ثم طلبت منه أن يسطرها لي فهي من وجهة نظري صالحة للنشر مفيدة لكثير من الناس .. فوعدني بذلك .. لكن يبدو ان تزاحم الأعمال حالت بينه وبين تسطير ذلك . فجعلت ارويها كما سمعتها منه . وها انذا اسردها هنا .

جعل ابو تركي يحكي قصته التي حصلت له . وهو يبتسم .. تشنفت آذان الجميع لسماع القصة العجيبة .

قال ابو تركي : حصل ان وقفت عند مكينة صراف في مدينة الرياض لأصرف مبلغا من المال ، فتفاجات قبل ان ادخل بطاقتي أن شاشة المصرف تقول :
هل تريد عملية أخرى ، فعلمت أنها بطاقة صراف نسيها صاحبها ، فنقرت على ( نعم ) فظهرت لي عدة خيارات ،كان من بينها سحب نقدي فقلت نعم ، طلعت لي خيارات أعلاها خمسة آلاف ريال كما هو معروف ، ضحكت .. ثم ضغطت ، لا .. هل تريد إنهاء العملية قلت نعم .. أخرجت البطاقة احتفظت بها .

ادخلت بطاقتي الصرافة .. سحبت المبلغ الذي اريد من حسابي الخاص .. اخذت بطاقتي .. توقفت بجوار الصرافة .. اقول في نفسي : لعل صاحب البطاقة يحضر الان . انتظرت قليلا ... جاءت سيارة مسرعة .. توقفت .. فجأة نزل صاحبها وهو ينظر بنهم في الصرافة .. لم يجد شيئا نظر هنا وهناك .. لم يجد للبطاقة اثرا .. ضرب كفا على كف وعلامة اللوعة تغشى وجهه وانأ انظر إليه مبتسما، ولم يتفطن لي .. اراد ان يركب سيارته ، وقد علت وجهه شحوبة غم ..

دعوته ،، ايش عندك يا أخ .. شرق بلعابه وهو يقول : صرافتي نسيتها هنا.. جرى بيني وبينه اسئلة ، سالته عن اسمه ورقم بطاقته ..وإذا بها مطابقة للبطاقة التي وجدتها ..

اخبرته بما جرى وانه ترك صرافته قابلة لأن تصرف لكن وقعت في يد أمينة.. سلمته البطاقة .. ابتسم ابتسامة صفراء بشدق واحد وتمتم بدعاء .. قلت : حافظ على صرافتك .. اعتقد لو وقعت في يد بعض الناس لأخذ مالك . ابتسم ابتسامة عريضة طويلة ثم قال جزاك الله خيرا .. وذهب ...

هذا هو المشهد الأول من القصة ..

تناول ابو تركي فنجانا من القهوة البرية .. يبدو انها قد مزجب بالكوفي ميد ..

ابتســم ..

من ادرك من خلال حديث ابي تركي ان القصة هذه مقدمة لشيء آخر استبطأ شربه لفنجان القهوة ..

لكن بعض الحاضرين قالوا .. قصة عادية ربما حصلت كثيرا لبعض الناس .

ابتسم ابو تركي قائلا .. خلق الإنسان من عجل .. دعوني احتسي شيئا من التمر ثم اكمل .. تشنفت آذان الجميع .. هل بقي للقصة بقية ..؟

قال ابو تركي : مر على القضية قرابة الشهرين تقريبا .. ذهبت الى احد البنوك المحلية اطلب تغيير بطاقتي القديمة لأنها انتهت صلاحيتها .. فسلمو لي بطاقة جديدة ، فكتبت الرقم السري في ورقة صغيرة ولففتها كحبة الفصفص وادخلتهما في مخبأة بوك الجيب .. وهنا كانت شرارة الخطأ .. ولكن ليقضي الله امر كان مفعولا .

العجيب ان البطاقة لم تفعل بعد ، ويحتاج الى تفعيلها بعض الوقت . والأعجب من ذلك .. أنني إنسان بسيط ليس في رصيدي إلا اقل من خمسة آلاف وسحبه مؤلم لي جدا نظرا لشدة حاجتي له .. ثم إن الراتب غدا سينزل في حسابي ، ويتجاوز الرصيد حد السحب اليومي المعتاد.

والأعجب من ذلك كله خاتمة هذه القصة !!


أنشأت سفرا إلى مدينة ...... (معذرة لن اسميها) .

- طبعا ابو تركي ليس من أهل تلك المدينة لكن بدت له فيها حاجه -

يقول ابو تركي : وبعد أن رجعت للرياض .. تفاجأت ان بطاقتي ليست معي .. لم اكترث كثيرا ؛ فهي لم تفعل بعد ، ومن سيجد البطاقة لن يجد الرقم السري ..

جعلت استرجع آخر مرة رأيت بطاقتي أين كنت ؟ تذكرت ان آخر عهدي بمحفظتي في تلك المدينة والبطاقة فيه ، فتشت في المحفظة لم اجد ايضا الرقم السري ، بدأ ت تزداد نبظات قلبي شيئا يسيرا وانا أهون على نفسي وأسليها بان البطاقة ربما سقطت في السيارة .
بسرعة خفية هرعت الى السيارة ، فتشت فيها تفتيشا دقيقا ، زادت نبضات قلبي .. حاولت اهون على نفسي .. النتجية لم اجد البطاقة تسارعت ضربات قلبي .. جعلت استعيد شريط الذكريات اين فقدت بطاقتي ، حدثتني نفسي يمكن السوق الفلاني ، يمكن في البقالة الفلانية ، يمكن .. ويمكن .. غاب عن بالي انني فقدها في تلك المدينة ..

رفعت سماعة الهاتف ..اتصلت على البنك ..طلبت إقفال البطاقة فهي مفقودة ، جعل الموظف يتحدث معي ، سألته عن حسابي ، قال : آخر عملية كانت اليوم الصباح الساعة ..... سحب مبلغ وقدره ( ....... ) وعن الرصيد ؟ قال الرصيد صفر . ياللمصيبة ...أنا لم اجري على حسابي أي عملية منذ ثلاثة ايام ..
كامل المبلغ الذي في حسابي تم سحبه صباح اليوم!! ..

بردت اطرافي .. لم اعد اميز بين نبرات صوت موظف البنك في الهاتف ، و نبضات قلبي التي ربما اصبحت اسمعها في سماعة الهاتف ،،

بقيت في صدري بعض كلمات قبل ان اغلق الهاتف .. من اين يا طيب سحب المبلغ ؟ قال : من صرافة البنك البريطاني في حي الروضة.. ايش العمل ؟ قال : روح للبنك البريطاني شوف ايش يصنعون لك .. انطلقت فورا إلى البنك البريطاني المعني .. أخبرتهم .. ذهل الموظف .. انفتل الى المدير واخبره الخبر.. رفع المدير طرفه الي متسائلا بعض الأسئلة .. ثم أردف قائلا. معذرة.. لا نستطيع ان نصنع لك شيئا ، لكن روح اشتك على الحقوق المدنية ..

برد وجهي ، ونشف ريقي ، كدت ان اهوي ، تماسكت بعض الشيء .. ادرت وجهي ناحية الباب .. خرجت مسدلا يداي .. مطأطئا رقبتي .. اجر رجلاي .. حتى جلست في مقعدت سيارتي ، أخذت نفسا عميقا .. وآخر مثله . جعلت احدث نفسي ..

كنت من ابعد الناس عن الحرام فمن اين اتتني هذه المصيبة .. فجعل يدور في ذهني امور كثيرة .. عتبت على نفسي .. إيه ربما ذنب صنعته يوما من الدهر غفلت عنه .. لكن الله لم يغفل .

الحمد لله على قضائه وقدره .. قريبا يحل اجار الشقة ، من اين لي ان ادفع اجار الشقة ؟ من اين اسدد البقالة المجاورة للبيت ..

هل اذهب الى الحقوق المدينة ؟وما ذا عساهم يصنعون لي ؟.. لا اعتقد انهم يقدمون لي شيئا ، من يستطيع التعرف على من سحب المبلغ .. اسئلة كثيرة كانت تدور بخاطري .. عصر ذلك اليوم ومسائه .

حتى اذا كان صباح اليوم التالي . قدمت لي ام تركي قهوة الصباح وهي تدعو: الله يعوضك خيرا .. لبست اجمل ثيابي وركبت سيارتي المتهالكة قديمة الصنع.

تحركت بي السيارة صوب الحقوق المدنية ، وانا لا ادري ما يكون جواب الحقوق المدنية .. توقفت بجوار الحقوق المدنية .. أخذت بعضي لأنزل من سيارتي .. وقبل ان افتح الباب .. فكرت قليلا فأدركت اني لن انصر الا بتوفيق من الله تعالى وحده لا شريك له .

رفعت طرفي الى السماء .. تذكرت الموقف الذي حصل لصاحب البطاقة قبل شهرين ، وكيف عفت نفسي عن اكل الحرام مع قدرتي عليه .. فقلت اللهم ان كنت تعلم انني تركت ذلك الحرام من خشيتك مع قدرتي عليه ..

اللهم رد علي مالي ..
اللهم رد علي مالي ..
اللهم رد علي مالي وأغنني من الفقر ..

لم يخطر ببالي وقتها الا أن انزل الى الحقوق المدنية وإن كان الله اراد لي خيرا ربما اجد الجاني بعد حين متلبسا بجريمة اخرى فيسأل عن هذه الجريمة فيعترف بها .

فجأة وقبل ان انزل من سيارتي . اذ بجوالي في جيبي يرن .. فقلت ومن يكلمني في هذه الساعة على غير المعهود .

نظرت واذا برقم غريب ليس جوالا ، ولا حتى في مدينة الرياض لكنها من خارجها..رددت عليه ولم يخطر ببالي شيء عن قضيتي . سلم علي ..

فقلت وعليك السلام ورحمة الله ، لم اعرف صوته ، لكن صوت احسن منه ان يحمل بشرى ما ..
فقال : انت فلان بن فلان بن فلان .. فقلت في نفسي خيرا .. من ذا يعرف اسمي كاملا ولم اعرف صوته ولم يسبق محادثته لي .

قلت نعم . قال : أنت فاقد شيء من يومين ..
قلت : يرحمك الله ..نعم ..بببببطاقة صصصصراف ورقم سسسري ، قال وأيش ايضا . قلت: ببببس .

لم اذكر المبلغ لأنه لم يدر في بالي ان المبلغ سيعود إلا أن يشاء الله . ثم قلت: نعم ،البطاقة سحب بها مبللللغ وقدره (....) قال ابشر بالبطاقة والرقم السري ، والمبلغ .



ااغرورقت عيوني بالدموع فرحة .. قلت بشرك الله بالخير . يرحمك الله من أنت ؟ قال أنا مدير شرطة مدينة ........ قلت سبحان الله . هل قبضتوا على الجاني ، ومن بلغ عنه ، ومن هو ؟

قال .. احمد الله على أن رد عليك مالك . قلت: الحمد لله .. ولكن من فضلك اخبرني كيف قبضتم على الجاني ؟ فقال وكاني به يبتسم : احمد ربك ، وتعال خذ بطاقتك ومالك .

فلا زلت به اسأله عن خبر القبض على الجاني ، قال يا عزيزي ، الجاني ليس هناك من جان ، إنما هو غلام وجد بطاقتك ساقطة في محل تجاري والتقطها..ووجد بجوارها الرقم السري ، وسافر من هذه المدينة مع أبيه إلى الرياض في نفس اليوم الذي وجد فيه البطاقة ، وتحدث مع إخوانه ، وذهبوا وصرفوا المبلغ من الصراف البريطاني ، وأرادوا قسمته بينهم فاختلفوا وتشاحنوا ورأى والدهم المال معهم ، وعلم انه ليس لهم ، و تبين الأمر .ووقف على الحقيقة .

وظن انك من أهل المدينةالتي وجدت البطاقة بها .فركب سيارته ،وجاء إلينا ، وقطع تلك المسافة حتى سلم لنا المبلغ والبطاقة !!

فقلت : سبحان الله .. الحمد لله .. جزاك الله خيرا ، وجزا ذلك الرجل خيرا هو الأخر ، وأصلح له ذريته .

ثم قلت : يا سعادة المدير اسمح لي أن أقص عليك خبري ، فقال تفضل ، فأخبرته بقصتي مع صاحب البطاقة قبل شهرين حيث حفظت له ماله وصنعت له معروفا ، وحفظ الله مالي اليوم ورده علي ، فضحك وكأني بنواجذة قد بدت ، ثم قال : يا هذا صنائع المعروف تقى مصارع السوء .. تعال استلم بطاقتك ومالك .



تعجب الجميع من قصة أبي تركي .
وخرجنا منها بفوائد :
1- الحافظ هو الله تعالى وهو الحسيب ، لكن يجب على كل انسان ان يفعل الاسباب المشروعة ، فلو أن أبا تركي لم يرفق الرقم السري مع البطاقة لما حصل ماحصل الا ان يشاء الله فهذا يعتبر اهمال منه في هذا الجانب .
2- صنائع المعروف تقي مصارع السوء والوقائع شواهد بذلك .
3- أن الدعاء سلاح من امضى الاسلحة ، دعا الرجل فأجيب في الحال .
3- لازال في الأمة خير بحمد الله بواديهم وحواضرهم .
4- أن الأمن العام الذي تعيشه بلاد الحرمين الشريفين ، تفرضه عدة أمور منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى ، وصناعة المعروف الذي أنتج زيادةالإيمان بالله في القلوب وحسن مراقبة ،فردع الناس عن الظلم .
5- لو حصل هذا الموقف في بلاد الكفر . هل سيأتي الكافر ويرد المال ؟ وإن كان فما الدافع له ؟ أو لو حصل عند ضعيف الإيمان هل سيأتي يحمل المال حتى يسلمه الجهة المختصة .

وبالله التوفيق . والحمد لله رب العالمين .. والسلام عليكم ورحمة الله .

دمت بحفظ رب جبرائيل وميكال

[/align]