[align=center]لا بد من الاعتراف بأن القبيلة تمثّل جزءاً بل، جزء مهم من بنية المجتمع السعودي، حيث لعبت القبيلة دوراً كبيراً في تأسيس المجتمع المدني في المملكة.. فغالبية الأُسر المتحضرة اليوم تمتد بجذورها إلى قبائل معروفة.. حيث يحرص الكثير من هذه الأُسر على توثيق أصولها القبلية بطريقة أو بأخرى.. وإذا رجعنا إلى تاريخ العرب القديم لوجدنا أن القبيلة كانت الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.. حيث كانت تقوم مقام الدولة بسبب غياب الوحدة السياسة آنذاك.. حيث إن كان لكل قبيلة مجموعة من القوانين الداخلية وهي التي تنظم الحياة الداخلية فيها ومجموعة من القوانين الخارجية وهي التي تحدد مسألة العلاقات الخارجية.. وهذا ما يختلف مع واقعنا السعودي بعد توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز.. حيث دانت القبيلة بالولاء للحكومة الرشيدة وانخرطت في عملية البناء.ومن المؤسف أن مفهوم القبيلة قد ارتبط عند بعض الناس بمفاهيم ثلاثة مغلوطة: (التخلف)، (التعصب) و(عدم الولاء).. وهذا بلا شك ارتباط مجانب للصواب.. فالقبيلة في مجتمعنا السعودي قدمت نماذج مشرفة من الكوادر المتعلمة التي حصلت على أعلى الشهادات العلمية من أعرق الجامعات العالمية.. ليعودوا ويسهموا في بناء هذا الوطن الغالي.. وهي بذلك أبعد ما تكون عن التخلف.. كما أن حصر التعصب في القبيلة كوحدة اجتماعية أمر غير صحيح، فالتعصب قد يكون لمنطقة جغرافية معينة وهذا من أشد أنواع التعصب الذي يعاني منه المجتمع السعودي.. فكم من الكوادر المؤهلة حُرم منها الوطن بحجة أنهم (ليسوا من عيال الديرة).. وهذه لعمري جريمة في حق الوطن يتعيّن على ديوان المراقبة متابعتها واجتثاثها من جذورها.. وقد يكون التعصب لدين ما وقد يكون لمذهب ما.. بل إن التعصب الذي قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة) كان تعصباً لتركيبتين دينيتين اشتقتا وقتها حديثاً (الأنصار والمهاجرون).. حيث قال رجل من الأنصار (يا للأنصار) فرد المهاجري (يا للمهاجرين).. مما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول (دعوها فإنها منتنة).. بل إننا إذا نظرنا إلى أفراد القبيلة لوجدناهم منفتحين على الآخر مبادرين لتقديم خدماتهم (أهل فزعة).. وهذا بعيد عن مفهوم التعصب والانغلاق.. أما فيما يخص الولاء فلله الحمد والمنة يوجد في وطننا الحبيب تناغم منقطع النظير بين القبيلة كوحدة اجتماعية والدولة كوحدة سياسية منذ أن نجح المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل في توطين القبائل وإشراكها في عملية التنمية.. فلم تنظر القبيلة في يوم ما على أنها وحدة سياسية من الممكن أن تحل محل الدولة.. أو أن الدولة تشكّل تهديداً لكيانها.. بل على العكس تماماً تؤمن القبيلة أن السبيل الوحيد للأمن والاستقرار هو وجود الدولة - رعاها الله -.. فعندما كانت القبائل تتصارع على الماء والكلأ والنفوذ كان الأمن معدوماً.. بل ولم تنجح القبيلة في تكوين وحدة سياسية جامعة كالتي كوّنتها حكومة هذا الوطن الشرعية.. فلم ولن يتجاوز النظام القبلي في المملكة العربية السعودية الولاء الوطني بأية حال من الأحوال.
وبالمقابل نجد أن الدولة - رعاها الله - تؤمن بوجود القبيلة كوحدة اجتماعية تساهم بتناغم مع بقية الوحدات الاجتماعية في بناء هيكل هذه البلاد الاجتماعي.. فالنظام القبلي يحافظ على الهوية التاريخية والتراثية بكل ما تضمنته من قيم جميلة شجاعة، وكرم، ونجدة الملهوف وفضائل دينية سمحة.. كما أن القبيلة تخفف عن كاهل الدولة في بعض الجوانب كإصلاح ذات البين ومساعدة الفقراء من أبنائها.. يقول أحد أفراد قبيلة عتيبة للرحالة الفرنسي موريس تاميزييه: (نحن الأعراب نعد أكثر الناس كرماً، فنحن لا نتجاهل الفقراء منا، فهل شاهدت أي شحاذين أو متسولين وسطنا؟).. فلما تنهض كل قبيلة بالمستوى الاقتصادي لأفرادها سينعدم الفقر في المجتمع.. وبالتالي يخف عبء محاربة الفقر عن كاهل الدولة.. كما أن القبيلة لها دورها على المستوى الأمني.. حيث نبذَ أفراد القبائل العمليات الإرهابية وذهبت وفودهم لتجديد الولاء للحكومة الرشيدة.. بل تبرأت بعض القبائل من أبنائها المنحرفين فكرياً.. حيث لا مساومة لدى القبيلة على الوطن. ولذلك فإني أعجب من الكاتب عبد العزيز السماري الذي كتب في صفحة مقالات (23 من شوال 1428هـ) تحت عنوان: (الوطن بين رمزية النخلة والجمل) مشككاً في وطنية الملايين من أبناء القبائل في هذا الوطن المعطاء.. حيث يقول (إن الوطن نقيض القبيلة وإن الولاء له لا ينسجم مع الولاء للقبيلة، بل يتضاد مع مصالحها، هذا إذا أدركنا أن القبيلة كائن سياسي، وليست عائلة كبيرة، ولا يمكن للوطن أن يكون - أولاً وآخِراً - إلا إذا تجردت هويته وأنظمته من ثقافة القبيلة، وتخلصت من قيمها وأساليب سلطتها).. ولولا أني أعرف أن عبد العزيز كاتب في جريدة الجزيرة لقلت إنه قادم من كوكب آخر.. فكلامه يدل على جهل فاضح بمفهوم القبيلة منذ توطين القبائل على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود - طيب الله ثراه -.. فالقبيلة وحدة اجتماعية وليست سياسية وجميع قبائل المملكة تدين بالولاء لهذا الوطن وحكومته الرشيدة الشرعية.. وولاء هذه القبائل لوطننا الغالي ليس مكاناً للمساومة أو للتشكيك من السماري أو غيره.. وأن مثل هذه الكتابات فيها تجنٍ على الملايين من أبناء هذا الوطن الذين يفيدون هذا الوطن بأموالهم وأرواحهم.. فالقبيلة وحدة اجتماعية تمثل لبنة من لبنات البناء الاجتماعي لدينا وتساهم في الرقي بهذا الوطن.. لكن في الوقت ذاته يجب نبذ العصبية الممقوتة مهما كان مصدرها سواء قبلية أو إقليمية.. جغرافية أو دينية.. فنحن نعلم أن الإسلام قد حذَّر من العصبية فلا يجوز أن تكون هناك عصبية مقيتة جاهلة.. وها هي قبيلة عتيبة تحتفل بمزايينها، ذلك الحفل الذي لا يقتصر على الإبل، بل يعكس الصورة الحقيقية لعلاقة هذه القبيلة بوطنها وبحكومتها الرشيدة.. فالقبيلة ومن إحساسها بحق الوطن وتقديراً منها للدور الكبير الذي قام به موحد هذا الكيان الشامخ - طيب الله ثراه - تقدم جائزة لأفضل قصيدة في موحد الجزيرة الملك عبدالعزيز وجائزة لأفضل قصيدة في الحثّ على التلاحم الوطني.. وانطلاقاً من واجبها الأمني قررت قبيلة عتيبة تقديم جائزة لأفضل قصيدة في مكافحة الإرهاب.. كما قررت وفي السياق ذاته تكريم شهداء الواجب الذين بذلوا أنفسهم فداء لهذا الوطن.. ولم تغفل قبيلة عتيبة عن واجبها الديني حيث قررت الذود عن المصطفى صلى الله عليه وسلم شعراً وتقديم جائزة لأفضل قصيدة في صفات وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. كما تقرر تقديم جائزة لأصغر حافظ لكتاب الله من أبناء القبيلة.. فهل تابع السماري وغيره من المشككين في ولاء القبيلة هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة التي لم تقتصر على أبناء قبيلة عتيبة ولا غيرهم من القبائل، بل حضرها الكثير من أبناء المدن في المملكة ووجدوا كل حفاوة وتكريم.إذاً هذا الحفل وغيره من الاحتفالات السابقة حفل غير تقليدي يبيّن عقم الصورة النمطية (stereotype ) المتداولة التي تختزل القبيلة في مجموعة رعاة وجمال أو تنفي عن القبيلة مفهوم (الولاء)، حيث تختلط في هذا الحفل مشاعر الولاء والمواطنة والدين.. وهذا ليس بمستغرب على قبيلة عتيبة وغيرها من القبائل، فلقد قدمت الكثير لهذا الوطن الغالي، حيث قدمت هذه القبائل الكثير من الكوادر الأكاديمية والطبية والعسكرية والإعلامية وغيرها التي تحتل مواقع مميزة في وطننا الحبيب، بل بذل الكثير من أبناء هذه القبائل دماءهم الطاهرة فداءً لهذا الوطن الغالي، حيث قاوموا العمليات الإرهابية وتتبعوا فلول الفئة الضالة ولم يجبنوا عند اللقاء حينما دعاهم داعي الوطن.. وكل ذلك وبلا شك حق من حقوق الوطن عليها.. نسأل الله أن يحفظ وطننا من كل مكروه وأن يحفظ لنا قيادتنا الرشيدة.
. فهد مطلق العتيبي
وكيل عمادة المكتبات - جامعة القصيم
المصدر
http://archive.al-jazirah.com.sa/2007jaz/nov/8/rv4.htm[/align]