بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله الذي قرب لنا أبواب الخير، وفتح باب التوبه لعباده. وأصلي وأسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وبعد :
توبه في رمضان..
أخي الكريم : أهنئك بقدوم هذا الشهر المبارك، شهر التوبه والمغفره والعتق من النار.. شهر الخير والبركه..شهر الجود والإحسان.. وأقول لي ولك ولكل مقصّر :
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصـــبر بعدهــــما
فلا تصيره أيـــضاً شـــهر عــــصيان
واتل الكتاب وســــبح فيه مجتهدا
فإنّه شــــــهر تســـــبيح وقـــــرآن
أقبَل .. فأقبِل .. يا باغي الخير ..
قال -صلى الله عليه وسلم- «إذا كان أول ليله من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنه فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليله» [رواه الترمذي].
نعم أقبَل رمضان..فأقبِل على ربك - الذي عصيته - متضرعاً خاشعاً، نادماً ، باكياً.. وقل:
يا إلــــــه الكـــــون إنـّـــي راجـــــع
ويا واهب الخيرات هب لي هداية
فما عند فقدان الـــــهدايه نافـــــع
أقل عثرتي عفواً ولطفاً ورحمــــة
فما لجميل الصفح غيرك صانــــع
أخي إن لم يغفر لك، وتذرف عيناك، وينكسر قلبك أمام ربك في هذا الشهر.. فمتى إذن؟؟!
يا أيّها الإنسان.. ها هو الله سبحانه يعاتبك فيقول: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6].
نعم أيّها الإنسان ما الذي غرك بربّك حتى تجرأت على معصيته وتعديت حدوده؟ أهو تجاهل لنعمته؟ أم نسيان لرقابته وعظمته؟
أخي لا تنظر إلى صغر الخطيئة .. ولكن أنظر إلى عطمة من عصيت.
أخي لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.
لك بشرى..
ها أنا أقدم لك بشرى من ربّك تبارك وتعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
إذن فتب -أخي- إن أردت هذا المكسب العظيم {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} .ثم استمع إلى ما قاله حبيبك -صلى الله عليه وسلم- تشجيعاً للتوبه «لله أشد فرحاً بتوبة عبده... » [متفق عليه].
وقال أيضاً «قال تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ».
وعندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمرأة تبحث عن ولدها في السبي فلما رأته احتضنته وألقمته ثديها، فقال: «أترون هذه ملقيه ولدها في النّار ؟ قالوا: لا ، قال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها».
الله أكبر .. هل بعد هذا الفضل نتقاعس عن التوبه؟؟!! هل بعد هذا الجود نسوِّف التوبه؟؟!! اللهم سبحانك ما أرحمك، سبحانك ما ألطفك، سبحانك ما أجودك.
صارح نفسك..
ما الذي يمنعك من التوبه وسلوك طريق الصلاح؟ كأنّي بك تقول: الأهل والمجتمع والأصدقاء! أخشى أن أتوب ثم أعود! ذنوبي كثيره فكيف يغفر لي! أخاف على أهلي ومالي!
فأقول لك: هل تظن أنك تقول ذلك عند ربك يوم تلقاه؟ لا والله ..بل هي عوائق موهومه وحواجز لا يحطمها إلا من خشي ربه.
وإذا كانت الــــنفوس كبـــارا
تعبت في مرادها الأجسام
فكن ذا عزةٍ بدينك وعزيمة صادقة على الخير والاستمرار عليه، متوكلاً عليه سبحانه، ثم تذكر رحمة ربك وسعة مغفرته.
أخي /أختي.. لو أتاك -في هذه اللحظه- ملك الموت فهل ترضى أن تقابل ربك على هذه الحال ؟؟!
أخي/أختي.. -عفواً- لا تتهرب من نفسك ومحاسبتها، فإن لم تحاسبها الآن فغداً في قبرك تندم، وحينها لا ينفع الندم.
الميلاد الجديد..
إعلم أنّ التوبة ليست فقط مختصه بهذا الشهر، بل فيه وفي غيره من الشهور، ولكن ما يدريك فقد يكون ميلادك الجديد في شهر الخير والبركة، وقد يولد الإنسان مرتين: يوم يخرج من ظلمة رحم أمه إلى نور الدنيا، ويوم يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الظاعة، فكن هو أنت.
وأوصيك/ كــِ ... أن تلحق بالأخيار الذين ينفعونك حتى بعد موتك -بإذن الله- بدعائهم لك.. الحَق بهم وصاحبهم في ذهابهم وإيابهم، اصبر معهم حتى تلاقي ربك، فحينها يقال لك ولهم: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24].
قصة وموقف..
كان مع الصالحين..ثم تركها..بدأ يقصر في أمور دينه.. (نسأل الله العافيه). وفي يوم من الأيّام كان مسافراً للتنزه..وفي الطريق انقلبت السياره..ثم كان الإنعاش..ثم..مات.
جاء الخبر المحزن..صلينا عليه..حُمل إلى المقبرة..وضع في قبره..في التراب..لن يرجع..ذرفت الدموع..حزنت القلوب..حينها جلس أحد الصالحين - أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحد - صديقه الأول..عند قبره مطأطأ رأسه يدعو له.
حينها عرفت من ينفع الإنسان من الأصدقاء بعد موته.
أخي احذر أن تكون ممن قال الله عنهم:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان:27-29].
قبل أن يغلق الباب..
أخي قبل أن يغلق الباب حدد - الآن ولا تسوف- الطريق الذي تسير عليه ويكون منهجاً لك في الدنيا والآخره.
ويا لها من سعادة، ويا لها من فرحة يفرح القلب بها ويسعد حينما يرجع إلى ربه نادماً ويلحق بركب الصالحين.. ووالله إنّها السعاده التي لم يذقها إلاّ من جربها.
أخي في الله .. إن كنت عزمت على التوبة والرجوع .. والإنابة والخضوع ..
فاعلم أنّ لهذه التوبة شروطاً لابد من وجودها وهي :
1- الندم على ما فات.
2- الإقلاع عن الذنب.
3- العزم على عدم الرجوع، فإن عدت فكرر التوبة إلى الله.
4- أن تكون التوبة قبل الغرغرة و قبل خروج الشمس من مغربها.
اللّهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين