[align=center]أ.د. ناصر العمر 21/8/1428
في قول لوط _عليه السلام_ كما أخبر الله _تعالى_ عنه: "قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" (هود:80)، قضية مهمة ينبغي التطرق لها بوسطية، وهي أن القومية وروابط وأواصر النسب ربما انتفع بها المسلم بل قد ينتفع بها الكافر، وقد تكون محمودة ما لم يخرج ذلك إلى تجاوز حدود ولاء المؤمنين والبراء من الكافرين، كأن تقدم على أواصر الدين ورباط التقوى، فإذا لم تتجاوز الحد وكانت خاضعة للرابطة الإسلامية وعرى العقيدة، فلا إشكال وإنما الإشكال في استبدالها بها، وعلى كل حال تظل لأواصر النسب والصلة فائدتها وأثرها حتى بين الكفار.
قال الشيخ محمد الأمين في معرض نقده المتين للقومية العربية أثناء تفسير الآية التاسعة من سورة الإسراء: "نفع الله نبيه _صلى الله عليه وسلم_ بعمه أبي طالب. وقد بين الله جلَّ وعلا أن عطف ذلك العم الكافر على نبيه صلى الله عليه وسلم من منن الله عليه. قال تعالى: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى" (الضحى:6) أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.
ومن آثار هذه العصبية النسبية قوله أبي طالب فيه _صلى الله عليه وسلم_ :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم... حتى أوسَّد في التُّراب دفينا
وقد نفع الله بتلك العصبية النسبية شعيباً _عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام_ كما قال تعالى عن قومه: "قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ" (هود: من الآية91).
ونفع الله بها نبيه صالحاً أيضا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. كما أشار تعالى لذلك بقوله: "قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" (النمل: 49) فقد دلت الآية على أنهم يخافون من أوليا صالح، ولذلك لم يفكروا أن يفعلوا به سوءً إلا ليلاً خفية. وقد عزموا أنهم إن فعلوا به ذلك أنكروا وحلفوا لأوليائه أنهم ما حضروا ما وقع بصالح خوفاً منهم. ولما كان لوط _عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام_ لا عصبة له في قومه ظهر فيه أثر ذلك حتى قال: "لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ" (هود: 80)". اهـ المراد.
والقبلية بصفة عامة لا تذم فهي قدر كوني، فالله تعالى هكذا خلق عباده شعوباً وقبائل، كما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13).
إن القبلية تصنع في كثير من الأحيان نوعاً من الوحدة بين أبنائها فإذا ارتقى هذا الفهم الوحدوي القبلي إلى أن هذه الوحدة القبلية يجب إدخالها في وحدة أسمى منها هدفًا ونوعاً وهي وحدة الأمة الإسلامية كان ذلك تمهيداً لوحدة المسلمين وهي غاية منشودة.
ومن الضروري أن تكون هذه الوحدة القبلية دائرة في فلك الوحدة الإسلامية الكبرى ومغذية لها، وعند أي تعارض بين الوحدتين تقدم الوحدة الكبرى ومصالحها على الوحدة الصغرى، ولعل تحقيق هذه الوحدة القبلية الصغرى بهذا الفهم من الأسباب التي لأجلها أمر الإسلام بصلة الأرحام، وجعل كثيراً من الأحكام تتعلق بالعشيرة مثل الميراث والعقل وغيرها.
ومما ينبغي أن يتجنب من سلبيات القبلية التفاخر بالأنساب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أحقر عند الله من الجعلان"(1).
كما ينبغي تجنب العصبية القبلية وهي أن يغضب المرء لغضب القبيلة ولو كان غضبها لباطل، ويرضى لرضاها ولو كان عن باطل، وهذه هي حالة جاهلية عبر عنها شاعرهم، فقال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
وقول الآخر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهاناً
ومن السلبيات بالغة الضرر احتقار القبائل الأخرى.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(2).
ومن أخطر السلبيات تقديم الولاء والتناصر القائم على أساس القبيلة على الولاء القائم على الدين، ولقد حارب الصحابة آباءهم المشركين مع إخوانهم المؤمنين، فإخاء الدين مقدم على أخاء النسب، ويزداد أخاء الدين قوة وصلابة وحقوقاً إذا كان معه صلة قربى ونسب.
فمتى ما انتفت هذه السلبيات عن القبلية أثمرت خيراً على المجتمع، فزادت بها وحدته وقويت بها شوكته، وصلح بها أمره، ومتى اقترنت بها تلك الآفات كانت آثارها على المجتمع مدمرة سيئة.[/align]