[align=center]ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
موضوعنا لهذا اليوم هو ظاهرة تلبس الجن. ما يُعرف بتلبس الجن.
كثيرين من المسلمين يشغلون أنفسهم بهذه القضية ويعتقدون أنها من مسائل الدين المهمة والخطيرة وبعضهم يرتقي بالمسألة إلى تكفير من لا يؤمن بوجود هذه الظاهرة أو على الأقل يخرجه من ملة الإسلام، البعض الآخر ومن علماء الإسلام أيضاً ومدعمين بأدلة وبنصوص صحية وبعضها قطعي الدلالة تشير إلى.. أو يقولون بأنها تفيد بطريقة واضحة لا.. لا فيها بأن قضية التلبس ما هي إلا خرافة وأن الذين يؤمنون بها يسيؤون فهم الأحاديث إن وجدت وأهم أعمدتهم في ذلك، أهم قرائنهم في ذلك هو التشكيك بصحة كل الأحاديث التي تتحدث عن تلبس الجن، وهنا لابد من التمييز بين الأحاديث التي تتحدث عن وجود الجن أو صلة ما بالجن وتلبس الجن للإنسان.
ما نتحدث عنه اليوم هو ظاهرة التلبس، ليس إنكار وجود الجن على اعتبار أن الإيمان به من مسائل العقيدة الواضحة المنصوص عليها في القرآن الكريم قبل السنة النبوية، البعض يعتقد أن هذه جزء من ظاهرة التخلف والضعف التي تنتاب العالم الإسلامي والبعض أصلاً يشكك بأن وراء انتشارها نوع من تنويم الأمة وصرفها عن القضايا الجوهرية خصوصاً وأنها تواجه تحديات أكبر من ذلك.
لمناقشة هذا الموضوع يسعدني أن يكون ضيفي في هذه الحلقة الدكتور جمال أبو حسان، والدكتور جمال أبو حسان (أستاذ التفسير في جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن) وله مجموعة أبحاث حول هذا الموضوع وغيره من مواضيع الشريعة الإسلامية، دكتور جمال أهلاً وسهلاً بيك.
د. جمال أبو حسان: أهلاً بيك يا أخ ماهر مرحباً.
أسباب اهتمام الأمة الإسلامية بظاهرة تلبس الجن
ماهر عبد الله: سيدي أولاً لماذا.. يعني في الإعلان عن هذه الحلقة قلنا أنها ظاهرة تتميز الأمة الإسلامية وللإنصاف يعني لا تتميز بها الأمة الإسلامية ولكنها أكثر انتشاراً في الأمة الإسلامية، من خلال تعاملك مع علماء الدين من المهتمين بهذه القضية لماذا تنتشر هذه القضية في أوساطنا أكثر مما تنتشر في الأمم الأخرى؟
د. جمال أبو حسان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:
هذا الموضوع بالذات إنما ينتشر عندما ينتشر الجهل والتخلف وعندما تنتشر في الأمة الإسلامية ضغوطات مختلفة الوجهة مختلفة التنوع وعندما يصيب الأمة حالة من اليأس والاضطراب تكثر فيها مثل هذه القضايا لأنها بأسلوب يسير وسهل هي تعليق لتوجيه تفسير الأخطاء والمصائب التي تقع في المسلمين على أمر غيبي، وهذا هو أسهل الأشياء التي يمكن أن يعلق الإنسان بها خسارته في هذه الحياة أو عدم توفيقه في هذه الحياة يعلل لنفسه هذه المصيبة التي وقع فيها بأنه هذا أمر غيبي ليس له فيه إرادة هذا بالضبط هو الذي أحدث هذه القضية في فكر المسلمين، وهناك الحقيقة أسباب كثيرة يمكن أن تؤدي أو أدت بالفعل إلى انتشار هذه الظواهر بالذات في صفوف المسلمين الذين أنزل الله –تبارك وتعالى- إليهم قرآناً واضحاً وأرسل إليهم نبياً واضحاً عرفوا منه الحق الواضح وكشفوا الزيف والأباطيل، لكن مع ذلك -للأسف الشديد- تنتشر هذه الظواهر بشكل غريب في المسلمين لأسباب عدة، منها الضغوط النفسية الناجمة عن الظروف الاجتماعية التي تحدثنا عنها قبل قليل بشكل موجز ومنها أيضاً غياب المناعة الدينية، ومنها أيضاً الجهل العلمي، منها أيضاً.. أنها هذه القضايا هي عبارة عن موروثات شعبية يتداولها الناس فيما بينهم فتكثر على الألسنة فتأخذ صبغة شرعية بسبب الكثرة، وهذا ما ينبغي أن يُعالج بشكل واضح لكثرة هذه الأشياء المتناقلة عن الناس يصيرها ديناً، لأن الذي يصيِّر الشيء ديناً هو الله تعالى ورسوله، هناك أمر آخر هو سريان العقائد الفاسدة بالناس بسبب بعدهم عن إتقان العقيدة الإسلامية الصحيحة.
ماهر عبد الله: بس يعني إذا سمحت لي في هذه النقطة تحديداً، يعني أغلب القائلين بالتلبس والذين يعالجون موضوع التلبس هم من رافعي لواء العقيدة الصحيحة وللإنصاف هم مِنْ مَنْ يبذلون جهداً كبيراً لتصحيح العقيدة ودرء كثير من الشبهات والدرن الذي لحق بها عبر السنوات.
د. جمال أبو حسان: هذا أيضاً مما يشيع بين أوساط الناس أن كذلك، والحقيقة أن هذا غير صحيح بأن الذي يشيع.. الصحيح أن الذين يقومون بهذا الأمر هم من ضعفة العقيدة الإسلامية، هم من.. هم ممن سيطرت عليهم الأهواء والشهوات، هم من تلبسوا بالعلم، هناك بعض الناس الحقيقة ممن وصفت خُدعوا بهذه الأشياء التي تكثر في المجتمع ويكثر تناقلها في الكتب ويكثر تناقلها عن بعض الناس الذين لهم.. للناس بهم ثقة فتصبح القضية هذه عقيدة، نحنا لسنا مُلزمين بأن نأخذ عقائدنا من انتشار هذه الأشياء بين الناس من تناقلها بين الناس إنما انتشارها يعني يُحكم عليه بالصواب والصحة مقابلة بالدليل.
ماهر عبد الله: طب، تسمح لي أنا على ذكر الدليل أنا أقرأ لك كلام منسوب إلى واحد من.. ونحن هنا لسنا في.. يعني مقام التزكية، الشيخ ابن باز –عليه رحمة الله- كان كثيراً ما كان يُقال عنه من خيرة علماء هذه الأمة على يعني.. وقلة من كانوا بعلمه وبسعة إطلاعه وبتحققه وعلى الأقل حرصه على باب العقيدة، يعني يقول بالحرف الواحد: قد دلَّ كتاب الله –عز وجل- وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وإجماع الأمة.. أنت يعني تقول إنه شائع هو يقول إجماع الأمة- على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى؟
د.جمال أبو حسان: أولاً، رحمة الله على الشيخ ابن باز وعلى غيره من أهل العلم ونحن عندنا قاعدة شرعية عريضة نعلمها للتلاميذ ويتعلمها الناس أننا إنما نعرف الرجال بالحق وليس العكس، فالحق معروف من الله –عز وجل- ومن رسوله وليست الصورة معاكسة بأننا لا نعرف الحق من هؤلاء الناس، هذا القول الذي قاله الشيخ ابن باز ليس إلا ترديداً حرفياً لما نُقل عن الشيخ ابن تيمية –رحمه الله- وتلميذه ابن القيم، وأنا فاتني أن أقول إنه من أسباب انتشار هذه الظاهرة ثقة الناس بكتب الشيخ ابن تيمية، فابن تيمية هو الذي نشر هذه الفكرة بعد أن سيطر عليه الاعتقاد بصوابيتها من كثرة ما أشيع بين الناس من وجود هذه الظاهرة، فصدقها –لاسيما وإنه ابن تيمية كان يعيش في عصر طغى فيه التتار على الأمة الإسلامية وأصاب الناس شيء ضخم من الإحباط واليأس والقنوط بأن الأمة لن تخرج من هذا المأزق الذي هي فيه إلا بتحميل الغيبيات مسؤولية الواقع المؤسف الذي حدث للمسلمين.
ماهر عبد الله: لأ، بس يعني تسمح لي كونك ذكرت ابن تيمية يعني كنا طبعاً لابد أن نأتي على ذكره، ابن تيمية وقد مات فتقييمه أسهل يعني مات من.. من فترة وكتب الكثير من العلماء، ابن تيمية اشتهر.. اشتُهر عنه بأنه من المحققين في الحديث فيعني هو ينتمي إلى الفقهاء وإلى المحدثين، ابن تيمية اشتُهر عنه أنه فيلسوف، ورد على أهل الفلسفة بعد ما درس ونظر وتمعن في.. في علوم الفلاسفة، ابن تيمية درس علوم الكلام وكان من أمهر من اشتغل بعلم الكلام، بكلام آخر رجل أتقن فنون النقل وأتقن فنون العقل، كيف انطلت عليه –لو جاريناك فيما تقول- كيف تنطلي عليه بدعة بهذا الحجم ليس فقط ليقبلها ولكن ليصبح أكبر من.. من أشاعها في الأمة على اعتبار إنه أغلب الذين يؤمنون بقضية التلبس هم بطريقة أو بأخرى من تلاميذ ابن تيمية؟
د.جمال أبو حسان: أولاً، هذه القضية وإن كانت مقدماتها يمكن أن يُناقش في بعضها إلا أنه ابن تيمية –رحمه الله- ليس معصوماً، فالعصمة لم يجعلها الله –تعالى- إلا للأنبياء، وهذا الرجل الحقيقة انتشرت هذه القضية في نفسه وكان بعض الصالحين يأتي إليه ويقول إنا نفعل كذا وكذا وكان يصدقهم فتحولت هذه القضية في زمان ابن تيمية من موروثات شعبية إلى قضية دينية صار الناس يحاكم بعضهم بعضاً بناء على هذه القضية وهنا مكمن الخطورة، ليست القضية في أن ابن تيمية عالم محقق أو ليس محققاً لا تنطلي عليه القضية أو تنطلي عليه، القضية حدثت، الرجل وثق بأخبار من نقل إليه هذه القصص المليئة بالخرافة والدجل وهو لم يستطع أو لم يرد أن يكذِّب هؤلاء بسبب ثقته بهم، فصار، الذي صار القضية هي هكذا، ليست القضية مبنية على أنه هذا رجل محقق لا يقول إلا حقاً فإذن نحن نثبت له العصمة وهذا لم يقل به.. وهذه لم يقل به أحد من المسلمين أصلاً.
ماهر عبد الله: يعني لم نقل له بالعصمة ولكن نتناقش في موضوع عصمته من غيره، أذكركم بأنه بإمكانكم المشاركة معنا في هذا البرنامج وفي هذه الحلقة على أرقام الهواتف التالي:
الهاتف الذي ترونه على الشاشة أمامكم الآن: 4888873، كما بإمكانكم المشاركة على رقم الفاكس التالي 4890865 بإمكانكم كذلك المشاركة عبر الموقع الرئيسي (للجزيرة نت) على العنوان التالي: www.aljazeera.net
[فاصل إعلاني][/align]