تذكر المصادر بأن أول من صاد بالصقر هو الحارث بن معاوية بن ثور الكندي ، حيث يذكر بأنه وقف يوماً على صياد نصب شبكة للعصافير فانقض صقر على عصفور وأخذ يأكله والحارث يتعجب منه . فأمر به ووضع في بيت ووكل به من يطعمه ويدربه على الصيد ، وبينما هو معه ذات يوم إذ لاحت أرنب فطار الصقر إليها فأخذها ، فتعلق قلب الحارث به وأحبه ، واتخذته العرب من بعده وسيـلة للصيد .
وتحمد العرب من الصقور ما قرنس وحشياً ، وتذم ما قرنس داجناً ويقولون ( أنه تبلد ) .
أولاً :- الشاهين ( شيهان )
وجمعه شواهين وقد يجمع على شياهين . وتسميه العرب بمُلاعب ظله ، وأصل كلمة شاهين فارسي وتعني الميزان وسمي بذلك لأنه كالميزان لا يحتمل نقص في طعامه وقد يقتل نفسه إن لم يجد طعام .
ويتميز الشاهين بصلابة العظام ورحابة الصدر وعرض الوسط وقصير الساقين قليل الريش رقيق الذنب ، كما يتميز بقوة الانقضاض من أعلى ، وهذا ما يجعله دائماً عرضة للخطر إذ قد ينقض من أعلى فيصطدم بالأرض ويموت ، وهو حاد المزاج متقلب .
وتذكر المصادر التاريخية بأن أول من إصطاد بالشاهين الملك قسطنطين ملك عمورية فقد روضت الشياهين له لكي تظلله إذا سار بموكبه فكانت تحوم على رأسه وتنحدر مرة وترتفع مرة ، إلى أن ثار يوماً طائراً من الأرض فانقضت عليه بعض الشياهين ، فأعجب الملك هذا فأخذها ودربها على الصيد .
ويسمى الشاهين بالآبق ، لأنه إن بات بعيداً عن صاحبه لليلة واحدة فقط يصبح بدون فائدة .
أنواع الشياهين :-
الشياهين أقسام من حيث مكان تفريخه، فمنها ما يسمى البحرية وهي ما تفرخ بالقرب من السواحل ، وتسمى الأخرى بالكوستانيات .
كما تقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث النوع وهي الشاهين – والأنيقي – والقطامي . والشاهين هو ما سبق الحديث عنه ، أما الأنيقي فهو ( ويسميه البعض الكرك ) فهو دون الشاهين في القوة إلا أنه سريع ، ويقول به أحد الشعراء :
غنيت عن الجوارح بالأنيقي بمثل الريح أو لمع البروق ِ
أما القطامي ( وقد يسمى البهرجة ) فهو قريب الطبع من الشيهان ، وهو نادر الوجود .
ثانياً :- الحر
ويقال له الأجدل والأكدر والهيثم والمضرحي والأسفع والزهدم ، وقد يقال له القطامي أيضاً لقطمة اللحم بمنسره . ويكنى بأبو شجاع وأبو عمران وأبو عوان .
وتنقسم فراخ الحرار إلى أنواع بحسب الصفات وهي :
- النادر : ويتميز بالقوة والشدة ويكثر الطلب عليه فهو مرغوبا من قبل الصقارين.
- اللزيز : وهو أقل قيمة من النادر .
- التبع : وغالباً يكون ذكر وليس له قيمة تذكر وغير مرغوب .
وتقسم كبار الصقور بحسب الصفات كالتالي :
- حر كامل : ويشمل النادر واللزيز .
- حر مثولث : ويقصد به المحقورة ( الكوبج ) .
- حر ربع : وهو التبع .
تربية
الصقور وتدريبها
تدريب الجوارح مهمة ليست سهلة،فهي شاقةتحتاج لصبر طويل،وتختلف أساليب التدريب من مدرب لآخر ومن طير لآخر،فقد تجد صقاراً قد توارث طريقة معينة عن اسلافه لا يغيرها،كما أن الطائر الكبير في السن يحتاج لوقت طويل حتى يتم تدريبه.
يدرب الجارح عن طريق تغطية عينيه بالبرقع ( أو بتخييطهما ) لأيام حتى يهدأ ، ثم تفتح حتى يرى النور ويعامل برفق حتى يأنس ويتعود على من حوله ، وقد يرش عليه شيء من الماء البارد إذا كان كثير الضرب بجناحيه .
ثم يدعى بإسم معين يكنى به ويدعى وهو مربوط ليأكل حمامة فإذا جاء يشبع منها ، ويكرر هذا بعد يوم فإن جاء تخفى الحمامة ويصاح به فإن ولى والتفت مرة اخرى لمدربه من بعيد ترمى له الحمامة ويترك ى يشبع ، ويكرر هذا لعدة أيام ثم يخرج به للفضاء ويدرب كما درب في أول الأمر وكلما أخذ الحمامه يُشبع منها .
كل هذا وهو مشدود بالحبل ... ثم يطلق من الحبل وتطلق له الحمامه حتى يصطادها .
وقد يدرب الصقر عن طريق ما يعرف بالملواح ، وهو جناحي طائر معين محنطين ، ويتحدد نوع الجناحين بحسب نوع ما يراد للطائر أن يتعود على صيده فإن كان مثلاً يراد منه صيد طائر الحبارا يكون الملواح عبارة عن جناحي طائر الحبارا ، حيث يلوح به عالياً كي يتابعه الصقر فإن انقض عليه يدس له قطع اللحم بين الجناحين دون أن يلحظ هذا ، ويكرر هذا الأسلوب على مرتين يومياً .
أمراض الصقور وعلاجها
علامة صحة الصقر أن يصبح صافي اللون قادر على فرد جناحيه متساوي العظام وخصوصاً عضمي فخذيه ، وأن يكون نبضه معتدلاً فإن كان نبضه سريعاً دل هذا على أنه محرور وإن كان يضرب بصلابة دل هذا على أنه قد استولى عليه اليبس .
ويستدل أيضاً على صحقة الصقر من خلال ذرقه فإن كان ذرقه متماسك الاجزاء متصل وغير متقطع شديد البياض رقيق السواد لين الظاهر يابس الداخل منفصلاً عن مكانه بسهولة فذلك يدل على سلامته وخلوه من الأمراض الداخلية. أما عكس هذا فيدل على علة ، فمثلاً إن كانت الذرقة بيضاء شديدة البياض قليلة السواد خشنة شعثة متقطعة عسرة في خروجها ، دل هذا على أن الطائر مصاب بالجص .
وإن كانت الذرقة مختلط سوادها ببياضها والسواد يغلب على البياض فإن ذلك يدل على تعب الطائر بالأمس .
وإن كانت مختلطة فيها صفرة وهي كدرة مقطعة ، دل هذا على بشم حديث . وإن كانت على هذه الصفة وهي مدورة غير ممدودة فإن ذلك يدل على تخمة قديمة .
وإن كانت مزنجرة قد خالطها يسير من السواد والبياض وكررها الطائر فإن ذلك يدل على السل .
غير أنه يجب عدم الاستعجال على الحكم من خلال الذرق ، ذلك أن الطائر قد يكون في يومه قد أكل لحم طائر رعى ما يخالف طبع الجارح فيتغير لذلك ذرقه طوال يومه ثم يعود كما كان .
وإذا أغمض الجارح عينه وسال منها الماء فهو مطروف وقع في عينيه قذى .
وإذا نفش ريشه وجعل يرفع رجلاً ويضع أخرى فهو مبرود مقرور .
وإذا كان فاغر الفم دائم اللهث جاحظ العين منضمّ الريش والجناحين فهو حران محموم .
وإذا حرك رأسه وجعل يضرب صدره واضطرب على اليد عند حمله فقد أصابه الربو وضيق النفس . وإذا أرخى ظهره وجناحيه وعجزه ، كان به ريح .
وإذا تشققت رجلاه وسال منهما الماء الأصفر كانت به بواسير . وإذا ارتعد ولم يثبت على مجثمه فهو منقرس .
وإذا شبك مخالبه وأخذ يسقط على صدره ويمتنع عن الطعام فهو مصاب بالديدان في بطنه . وإذا هدل جناحه الأيمن وحك منسره كان مصاباً في كبده .
وإذا أكثر من التفلّي فهو مصاب بالقمل .
أما إذا لم يثبت على مجثمه ، وأكثر من النزول عنه ، وكان مع ذلك عسير التنفس شديد الحرارة مكثراً من شرب الماء ، فإن ذلك من علامات موته .
ومن أهم أمراض الصقور ما يلي :-
1- العشا : وهو عدم الابصار ليلاً ، وسببه برد الدماغ ، وعلاجه منع اللحم عن الجارح والاقتصار على الحبوب ويقطر في عينه ماء الورد المحلول به قليل من السكر النقي .
2- الجدري : وهو زوائد حمر مستديرة تعتري أجفان بعض الطيور ، وعلاجه دلك الزوائد بالثوم ثم يذر عليها رماد ورق الزيتون ، فإما أن تبرأ وإما أن تتحول إلى ثآليل صلبه فتقطع بسكين حادة محماة على النار بشرط أن تكون قد تصلبت .
3- ضيق النفس : وعلامته أن يفتح الجارح فمه وأن يتواتر نفسه ويسرع نبضه وتسخن كفّاه ويضعف ريشه وتهدأ حركته ويشتد ميله للماء ، وتصاب به الجوارح بسبب إتعابها وكدها بالصيد ، أو بسبب تشريبها الماء مباشرة بعد التعب الشديد ، أو بسبب الحر الشديد أو الغبار أو الدخان . وعلاجه أن يكوى في جانبي منسره ومقدم رأسه بعود آس خفيف .
4- السل : وعلامته خفة الريش وارتفاع الحرارة وهزال البدن ويعالج بالإكثار من شرب لبن الضأن وينوم على القطف .
5- السدة في المنخرين : وسببها تعرضه للدخان والغبار ، وعلاجه أن يقطر في منخريه دهن الورد وأن ينظف بمرود أو ريشة .
6- البشم : وهو التخمة وسببه قلة الحركة وبرودة المكان وكثرة الأطعمة الدسمة بغير حاجة . وعلاجه بالتقليل من الطعام وإجاعة الطير .
7- الدود : وهو إما أن يكون في حوصلة الطائر وإما في أمعائه ، وعلامته إن كان في الحوصلة هو أن يقوم الطائر بتنكيس رأسه وفتح منسره وذبول جسمه . أما إن كان في أمعائه فعلامته أن ينتف الجارح ريشه وأن يتمرغ على الأرض كما قد يكون الدود في ذرقه . وعلاجه أن يطعم الجارح ورق الخوخ مع اللحم ، وماء اللفت ساخناً مع العسل .
8- المسمار : وتصاب به الجوارح عامة ، وخصوصا الصقور ، وعلاجه بالكي ثم يطلى بالمرهم ويلف بلبدة ، وقد لا يكوى ويكتفى باللبدة مبللة بالماء والملح حتى تسقط المسامير مع طول الوقوف على اللبدة .
9- القمل : وهو خطير قد يقضى على الجارح ، وينتج عن إهمال تنظيف الطير بعد إطعامه اللحم مساءاً فيعلق على منسره شيء منه ويبات به ، وعلاجه أن يطلى جسده كله بالزرنيخ خصوصاً عنقه وأصول ريشه من تحت جناحيه وأصل ذنبه .
10- كسر الريش : فقد يحصل أن تكسر ريشة في جناح الطير ، عند ذاك تتم عملية ( التوسير ) وهي وصل الريشة المكسورة عن طريق أبرة تدخل في أصل الريشة مع ريشة سابقة محفوظة عند الصقار تكون بطول الجزء المكسور ، فالصقار يجمع الريش الذي يتساقط في فترة القرنسة لهكذا حالات .
المصادر : بازيار العزيز بالله الفاطمي أبي عبد الله الحسن بن الحسين ( البيزرة ) / د عبد الرحمن رأفت الباشا الصيد عند العرب / محمد المنوفي الصقارة وتدريب الصقور / أحمد الباقوري في عالم الصيد / فلاح المنصور
الصقر والصقار