عاد الأولى والثانية

[مطرالثبيتي]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عاد الأولى والثانية

1- عاد الأولى :

أقدم ما وصل إلينا من تاريخ الشعوب العربية ما ورد عن قوم عاد ، فقد جاء ذكرهم في الكتاب العزيز في مواضع عديد وكانت منازلهم بالاحقاف الواقعه بين حضر موت والبحرين واليمن ولا ندري زمن قيام حكومة عاد على وجه الصحة الا ان المرجح كون بدء ظهورهم حدث قبل الميلاد المسيحي بألفي سنة .

ذكر عبيد بن شرية الجرهـمي الذي ادرك الخليفة معاوية أن قوم عاد كانوا عشر قبائل من العرب وذكر ابن منبه ان أحد ملوكهم شداد بن عاد عاصر يعرب بن قحطان ووقعت بينهما حرب شديد في جهة بارق من أعمال عسير كانت الغلبة فيها للقحطانيين .

أما تحقيق الأحداث التي كانت زمن قيام حكومة عاد فأمر عسير للغاية وقد تكشف الأيام آثارهم فيعلم من أمرهم ما نجهله الآن وتوجد من بقايا عاد مواضع عديدة في حضر موت زارها مؤخراً المستر (فاندر مولن) الهولاندي وأتى على وصفها في كتاب وضعه على رحلته وخلاصة ما ذكر عنها : انها تدعي اليوم باسم دار عاد وهي واقعة على نقطة التقاء وادي ثقبة بوادي منوة على أطراف جبل صخري شاعق ممتدة إلى مسافة بضع مئات من الأمتار والخرابات كائنة في أعالي الجبل الصخري وبعضها منقور فيه .

وعلى مقربة من الخرابات رسوم عديدة ملونة بألوان زاهية رسمت على جدار الجبل المشار إليه وقد حل المذكور ورفيقه رموز هذه الرسوم الصخرية المكتوبة بالحرف السبائي فوجداها أسماء اعلام واكتشف ايضاً مواطن أخرى تحتوي على خرابات تنسب إلى عاد ، منها ما وجده في قرية المشهد وفي خرائب غيبون الواقعة في قربها ، وذكر أن هناك صخوراً كثيرة نقشت عليها كتابات سبئية الا ان درسها وتمحيص ما فيها يستغرق من الجهد والوقت ما لم يمكنه هو أن يقوم به .

وكان العاديون أهل أوثان ثلاثة يعبدونها ، يقال لاحدها صدا وللاخر صمود وللثالث الهباء ، فأرسل الله إليهم النبي (هودا) منهم ليهديهم إلى توحيد الله وترك عبادة الأصنام كما قص في سورة الأعراف " وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين "

فلما كفروا برسالة النبي هود وعمهوا في طغيانهم أصابهم قحط شديد وجفاف دام ثلاث سنوات ، فرحل على أثره قسم منهم إلى البيت الحرام للاستسقاء وفي مدة غيابهم أصاب بلادهم وأهلهم ما حدثنا به الكتاب العزيز بسورة الأحقاف : " فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ "

أما ما كان من حديث الوفد المرسل من عاد للاستسقاء فيحدثنا عنه الطبري في حديث طويل خلاصته : أنهم سلخوا في الطريق شهراً واقاموا عند معاوية بن بكر وأبيه شهراً آخر يغنون ويفرحون ثم ولوا إلى مكة فاستسقوا وعادوا إلى مضيفهم معاوية ، وكانت الريح قد فعلت فعلها في قومهم ما عدا النبي هود ومن آمن بما جاء به من عاد الذين كانوا بمكة عند أخوالهم فجميع هؤلاء ونسلهم يدعون بعاد الآخرة ، ويروى أن من أعظم ملوك عاد الملك شداد الذي تنسب إليه أعمال عظيمة وفتوح واسعة منها بناء مدينة إرم في صحاري بلاد عاد وتشييدها بالحجارة الكريمة وتزيينها بالجواهر واللآلئ ، قال ابن خلدون : " والصحيح انه ليس هناك مدينة اسمها إرم وانما هذا من خرافات القصاص ، وإنما ينقله ضعفاء المفسرين وإرم المذكورة في قوله تعالى إرم ذات العماد القبيلة لا البلد " .

أما النبي هود فانه بعد هلاك عاد الاولى سار في دعوته التوحيدية بين عاد الآخرة وتوفي ودفن في المكان المعروف حتى يومنا هذا باسم مدينة قبر هود الي الشرق من بلدتي تريم وعنات اكبر مدن المقاطعة الحضرمية ، وقد زار المستر فاندر مولن هذه المدينة وما جاورها من الخرائب ولا سيما بئر برهود الذي تروى عنه خرافات عديدة وفصل ما رآه في كتابه .

2- عاد الثانية :

هي من بقايا عاد الأولى قامت على أثرها بعد أن أصاب الأولى ما أصابها مما قصصناه فيما سلف وتتألف من نسل الذين أتبعوا النبي هودا وآمنوا برسالته ، ومن الذين كانوا في وفد عاد الأولى إلى مكة تحت رئاسة كبيرهم لقمان .

ويذكر أن لقمان هذا عمر طويلا وإن ملك عاد الثانية هذه امتد ما يقرب من ألف سنة وإنها لم تنغمس في الشرك إلى بعد حقب طويلة .

وذكر عبيد بن شرية الجرهـمي للخليفة معاوية قصة زوال عاد الآخرة في تفصيل ، ونسب ذلك إلى اختلاف القبيلة فيما بينها وعدم رعايتها لصلات الرحم والقربى واختلافها مع قبيلة ثمود التي كانت مجاورة لها فإن امرأة من عاد الثانية كانت متزوجة في ثمود رجلاً من أشرافها فولدت منه ولدين ، ثم أن زوجها مات فرجعت إلى قومها ، فاعتدى بعضهم على ضيف لها وقتلوه ، فانتقم ولداها من القاتل والتحقا بثمود ثم قتل رجل من عاد شخصاً من ثمود وانتشبت الحرب بين الفريقين ، فكان الظفر لثمود وقتل عدد كبير من عاد ، وتفرق الآخرون فلا يعلم ما كان من أمرهم بعد .

المرجع

قلب جزيرة العرب

بقلم / فؤاد حمزة

أختار الموضوع وكتبه

الاستاذ / مطر بن خلف الثبيتي

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته