شوارب وافكار
كل فترة تهب على المجتمع موضة جديدة يبدأ معها باكتساب ملامح جديدة ولغة مختلفة .
الأمر يتجاوز الملابس ، والعادات ، إلى الكلمات والمصطلحات وما تحمله من « أفكار « جديدة .. طبعاً جميعها تأتي جاهزة - خاصة الأفكار - من العولمة إلى النظام العالمي الجديد ، مروراً بكلمات تسيّدت المشهد لفترة .. مثل : الحوار ، الآخر ، الإصلاح ... بعضها يصل إلينا بفعل الأحداث ، وبعضها تتم «صناعته« محلياً بسبب ظروف معينة .
حتى «الشوارب « لم تنجُ من التغيير ودخول موضات جديدة إليها :
انتهى زمن الشوارب المبرومة التي يقف عليها الصقر ..
صارت الشوارب : كلاسيك ، بعدها تضاءلت حتى وصلت الى مقاس : واحد .. نصف .. ربع ..
حتى اختفت تماماً ! .. وستختفي معها عبارات مثل: « وشو من شارب « .. أو « فلان أطيب من شواربك«.
اللحية كذلك ، حتى بشكلها الشرعي الأكثر رواجاً ، لم تعد عند البعض كما كانت ، ظهرت فجأة « فتاوي « لا تدري أين كانت جعلت مقاسها وشكلها يتغيّر : انظر لصور بعض الملتحين قبل عقد .. وانظر إليها الآن .. ستجد الفرق في الطول والشكل والمقاس ، صارت اللحية مشذبة قصيرة وأكثر أناقة من شكلها السابق .
الناس ، مع الوقت ، يستوعبون الملامح الجديدة ، والمقاسات الجديدة ، ويبدأون بترديد الكلمات الجديدة وما تحمله من أفكار غريبة : هذه الأيام الموضة الفكرية هي « المجتمع المدني « .. الجميع يرددها ، ويُنظّر بها ، ويبشر فيها . من أين أتت ؟ وكيف هبطت فجأة ؟ .. وكيف تم « تعريبها « : حسب أي لهجة وأي توجه ؟!
الأفكار لا تهبط فجأة !
الأفكار ليست لبساً جديداً قررت أن أرتديه بدلاً من ثوبي القديم .
الأفكار ليست لحية قررت أن تشذبها بعد اكتشاف نص يجيز لك هذا الفعل .
الأفكار الكبرى أتت بعد تراكم كبير وتجربة طويلة ، وجهد وصراعات فكرية وتحولات ، وهي في الأصل تشبه المجتمع الذي أتت منه .
المجتمع المدني : نتيجة .. وليس سبباً .
وقبل أن تثرثر حوله وفيه ، اسأل نفسك : هل تمتلك شروطه ؟.. هل مررت بالأشياء التي تؤدي إليه ؟.. هل تساقطت كل أفكارك القديمة التي شكلتك وأصبحت جاهزاً لاستقبال الفكرة الجديدة ؟
هل تمتلك اهم صفتين : ( مواطن ) و ( حر ) ؟!
أيها الأصدقاء :
من الغباء بناء الدور الثاني قبل حفر القواعد !
___________________
للكاتب ::
محمد الرطيان
المصدر ؛؛
صحيفة المدينة