إلى كل سعودي يقول إنه ليبرالي !
محمد بن عيسى الكنعان
بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م ، بدأ الغرب بمؤسساته السياسية، ونخبه الثقافية، ووسائله الإعلامية في محاكمة (الظاهرة الإسلامية) على مستوى العالم ، سعياً إلى إيجاد قاسم مشترك بين الإسلام والإرهاب ، لأن تحقيق ذلك يشكل إدانة للإسلام في أصول معتقداته ، ما ينعكس سلباً على جانبه الحضاري بمبادئ السامية وقيمه الإنسانية ، التي صارت تؤثر في أوساط الحياة الغربية ، من خلال تلك الظاهرة العالمية ، وتشكل تهديداً ثقافياً وتحدياً حضارياً للقيم الليبرالية الغربية ، خاصة ً أن الإسلام يُقدم حلولاً حقيقية لأزمات الحياة الغربية المادية .
استغل الليبراليون العرب ـ الليبراليون الجدد ـ هذه الأجواء المفتعلة ، وركبوا موجة الحرب الدولية على الإرهاب ، وصاروا أبواقاً إعلامية لمؤسسات الغرب السياسية ، بل ظهر بينهم من أُطلق عليهم (كُتاب المارينز) أو (الكُتاب المتأمركون) ، الذين هللوا لآلة القتل الأميركية المدعومة أوروبياً وهي تجتاح الأمة بداية ً من أفغانستان وباكستان إلى العراق ، وبرروا كل مشاريع الإدارة الأميركية بدعوى نشر الحرية ، وتحقيق الديمقراطية ، وتكريس القيم الإنسانية ، كما جعلوا تاريخ الحادي عشر من سبتمبر من كل عام موعداً للبكاء ومأتماً للنياحة .
والمثقف السعودي الذي يزعم أنه ليبرالي ، أو يؤيد الفكرة الليبرالية ، أو على الأقل يتعاطف معها ، لم يكن بمعزل عن المجال المغناطيسي للفكر الليبرالي العربي ، بدلالة الهجوم الإعلامي السلبي وغلو النقد الفكري على كل الأنشطة الدينية والمظاهر الإسلامية ، ووضعها في بوتقة التشويه الكامل للظاهرة الإسلامية ، وبذلك يكون من السهل تمرير الأفكار الليبرالية داخل المجتمع وخلخلة منظومة قيمه. خاصة في ظل انشغال علماء الدين ، والمفكرين الإسلاميين ، وطلبة العلم الشرعي في التفريق بين الثقافة الإسلامية والمصادر الدينية وبين الممارسات المتطرفة والأعمال الإرهابية ، التي تقوم بها جماعات وأفراد لا يمثلون التيار الإسلامي المعتدل والعريض في الأمة ، رغم كل ذلك لم تفقد الأمة ثقتها بالتيار الديني من واقع صناديق الانتخابات في أكثر من بلد عربي استنشق الحرية بعد أنظمة الاستبداد ، لأن هذه الأمة الخيرة تفرق بين الفكر السائد الذي يستمد قيمه ومبادئه من ثقافتها الإسلامية ، وبين الفكر الوافد الذي يعبر عن ثقافة غربية مادية ، والليبرالي العربي يعي هذا الفرق منذ قرن أو أكثر . لكن الإشكالية في المثقف السعودي الذي يزعم أو يقول إنه ليبرالي ، كونه لا يعي ذلك ـ إلا ما ندر ـ ، إنما يقتفي أثر أخيه العربي بجهل في قراءة التاريخ وبلادة في استيعاب الواقع ، بدلالة اختلاف الليبراليين السعوديين حول مفهوم الليبرالية ، ووعيهم بموقفها من الإسلام ، ومتطلبات وجودها الفعلي ، ومدى تحققها في مجتمعنا ، والمؤشرات التي تعبر عنها إلى غير ذلك .
من هنا أقول لكل مثقف سعودي يقول إنه (ليبرالي) : هل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ما لم تكن رأسمالياً ، يؤمن بنظرية الرأسمالية باعتبارها حاكمة على كل النظام الاقتصادي.! وهل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ، ما لم تكن علمانياً ، يؤمن بالعلمانية ويطبقها في فصل الدين عن الحياة ! وهل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ، ما لم تكن ديمقراطياً يؤمن بالتعددية والانتخابات ويقبل نتائجها ! وهل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ، ما لم تكن عقلانياً يؤمن بالمسألة النسبية في نظرتها للمسائل والحقائق والأشياء .. أي أنه لا توجد حقائق مطلقة ، وكل شيء قابل للنقد والشك والنقض والرفض حتى النص المقدس ، والشخصيات المعتبرة في الإجلال والتكريم كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام !وهل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ، ما لم تكن متحرراً يعتقد بـفلسفة (الحرية الفردية) التي تقول إن الفرد حر مستقل وفق قانون وتشريعات وضعية لا تضع أدنى اعتبار لنصوص دينية ، أو خصوصيات ثقافية ، ما يعني رفض الهيمنة الدينية وسلطة القبيلة . ببساطة : هل تعلم أنك لن تكون ليبرالياً ما لم تُحقق الليبرالية فكراً ومنهجاً وممارسة . لأن الليبرالية عقيدة فكرية (ايدولوجيا) بمنظومة حرية متكاملة لا تتجزأ ، لا تقبل أن نمارسها في مجال وندعها أو نمارس بعض منها في مجال آخر ـ كما يريد ذلك الليبراليون اليوم ـ ، وتجربة الغرب التاريخية تثبت ذلك ، أما الإدعاء بـ(الليبرالية) من خلال مقال صحافي ولقاء تلفزيوني أو حديث مجالس .. فهذا كلام في الهواء ، وهنا مكمن فشل الليبراليين .
المصدر : مجموعة عبد العزيز قاسم