هناك أمر مطبوع في جميع البشر منذ ولادتهم و هو الميل للحرية لأن الله خلقنا لعبادته وحده فلا يريدنا عبيدا لسواه من بشر أو مادة أو شهوات أو أهواء فالحر لا يتعلق تعلقاً زائداً بإنسان مثله أو مادة أو شهوة أو هوى أو حزب أو قبيلة أو تيار لأن التعلق الزائد يفقده استقلاليته و حياديته
وهناك أمر آخر مطبوع في البشر هو حب السلطة و التسلط و هو نابع من الأنانية و حب التملك
و هذه الصفة وهبها الله للإنسان ليقوم بعمارة الأرض
و لذلك نرى أن من تحقق بإحدى هاتين الغايتين و هما عبادة الله وحده ثم عمارة الأرض يخلده التاريخ و من تحقق بكلتيهما ينال عز الدنيا و الآخرة
فالأنبياء و الرسل عليهم السلام خلدهم التاريخ و وعدهم ربهم بجنة عرضها السموات و الأرض في الآخرة لأنهم تحققوا بعبودية الله و وضعوا الأساس السليم لعمارة الأرض و ذلك بغرسهم مخافة الله في قلوب الناس فعندما تسود مخافة الله يسود العدل و الأمن و ينتفي الظلم و الفوضى
و الأمن هو أساس بناء الحضارة فبدون امن لا تبنى حضارة لأنه تتعطل العقول و تهدر الطاقات و خاصة عندما يمارس الرعب و الإرهاب من قبل رجال الأمن كما يقال حاميها حراميها.
و العدل هو أساس دوام الملك فلا يدوم ملك مع ظلم فالتمادي في الظلم مشكلة و المبالغة في طلب العدل لحد المثالية مشكلة أيضا لأنها غير موجودة على سطح الأرض فالاعتدال في كل شئ مطلوب.
و كذلك من قاموا بعمارة الأرض وتركوا هذه الآثار المعمارية و الاختراعات خلدهم التاريخ أيضا
و أما من يقومون بسفك الدماء و نشر الخوف و الرعب و يسيئون استخدام القوة ويعينون الظالمين على ظلمهم و ذلك بإيجاد الذرائع لهم حتى ينتقموا و يهدموا ما بنته الأجيال بدافع الحقد الدفين فسوف يلعنهم التاريخ لأنهم هدموا ما أمرهم الله ببنائه.
و العجب ممن يهدم أو يحاول أن يهدم أو يوجد الذرائع لمن يريد أن يهدم ما أمر الله ببنائه من الحضارة بحجة تنفيذ أوامر الله بل و يرمي بأقسى أنواع التهم من يخالفه الرأي .
و العاقل و الحكيم من يوازن في أفعاله بين المنافع و المفاسد المترتبة على أفعاله
و درء المفاسد يقدم على جلب المصالح
فالعز الحقيقي و الخلود في الدنيا و الآخرة هو بالجمع بين عبودية الله ثم عمارة الأرض