بعثت إلي إحدى الأخوات بمجموعة رسائل يظهر فيها الجزع والتشكي بسبب مصابها بموت خطيبها رحمه الله ، فأجبتها بهذه الرسالة ورأيت نشرها لتعم الفائدة . والله الموفق للخير والسداد .
أخوكم
عبدالله العسكر
7/7/1432هـ
===
أختي الكريمة أشكرك على ثقتك بأخيك وأرجو أن أوفَّق لكتابة ما ينفعك .
فهمت من رسالتك أن خطيبك قد اختاره الله إليه وأنك تعيشين في حزن أفسد عليك حياتك ونغص عليك عَيشك .
واسمحي لي فسأكون صريحا ومباشرا ، فعندي شعور أنك حساسة وعاطفية إلى درجة تجاوزت فيها الحد الطبيعي!
أنا لا أقول إن المصاب سهل لكنني أجزم أن التعامل مع المصيبة بهذا الشكل ليس مما يحبه الله ويرضاه .
لقد وصل بك الحد أن قلت في إحدى رسائلك :" ليش يارب يحصل لي كذا !! " سبحان الله.. واللهِ إنها لكلمة يقشعر لها البدن . كيف يقال هذا لله الكبير المتعال الذي ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) ؟!
لا تظني أن العاصي هو مَن يعيش في بحر من الملهيات فقط كما ذكرت في إحدى رسائلك ؛ بل إن مَن يعترض على قضاء الله عاص أيضا . يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تبعث يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " وهذا لأنها تعترض على قضاء الله ، وما قلتيه اعتراض صريح على رب السماوات العلى .
أجل لقد مات خطيبك ، ثم ماذا ؟! هل انتهت الحياة ؟! هل فسد كل جميل فيها ؟! إذا كان الحزن وصل بك إلى هذه الدرجة وهو خطيبك فماذا نقول لمن فقدت زوجها ؟ بل ماذا نقول لمن فقدت أبناءها وبناتها جميعا في ساعة من ليل أو نهار ؟!
رجل سافر أولاده وزوجته وفي طريق رجوعهم إليه وقد كان ينتظرهم على أحرَّ من الجمر ، فلما استبطأهم إذا بالخبر يأتيه بأنهم قد أصيبوا بحادث مروّع فماتوا جميعا !! تسعةٌ ذهبوا في ساعة واحدة !
يقول مَنْ حضر تغسيلهم : فلقد رأيت هذا الأب المفجوع وإنه ليغسِّل هذا ويكفن ذاك ويحمل تلك ويضع الأخرى ، والناس حوله ما بين باكٍ وأشبه بالمنهار من هول الصدمة وأما هو فما كان يزيد على الاسترجاع والحوقلة !
الله أكبر.. إنه الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب . إنه اليقين بأن ما عند الله خير وأبقى .
أيتها الأخت الفاضلة : الدنيا بطبيعتها مليئة بالأكدار والأحزان وليست هي منتهى الآمال ، ومَن مِنَّا لم يمسَّه الضر ؟! ولكن مما يخفف به المصاب أن ما ينتظر أهل البلاء من الأجور والنعيم المقيم فوق ما يتخيله المرء ، فاحتسبي أحزانك فأنت مثابة عليها ( ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بذلك من خطاياه ) . ومع أن المصاب الذي ذكرت أليم لكن ينبغي أن لا يصرفك هذا الحزن إلى أن تنقلب حياتك كلها إلى أحزان ، هذا ليس بصحيح البتة ، فالحياة فيها فرص جميلة يمكن أن تكون بابا من أبواب السعادة والترويح عن النفس . وأما الحزن فإنه إذا لم يتجاوز حده فهو أمر طبيعي لا يؤاخذ عليه المرء . أما أن تستولي أحزاننا علينا في كل شؤننا فلا نفرح بما آتانا الله من نعم فهذا ولا شك مسلك خاطئ يجب أن نتجنبه ونحذره .
أكثري من الاستغفار ، وليكن لك مشاركات في الخير وإيصاله للغير ، وعودي نفسك على التأقلم مع الحياة بشكل طبيعي . واعلمي أن ما اختاره الله لك هو الخير كله ، وربما لو بقي خطيبك وتزوجت به لكانت الحياة بينكما على غير ما تؤملين . ليس هذا تشاؤماً لكنه تأكيد لمبدأ لا ينبغي أن يغيب عن كل مسلم أن الخيرة فيما اختاره الله .
الفرص التي تحمل في طياتها فرص النجاح والأفراح قادمة بإذن الله فأمِّلي خيرا ، وتفاءلي بمستقبل مشرق واعد . وما فاتك من خير فالعوض قادم بحول الله متى ما كنتِ على ما يريد الله . رددي دائما : " اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها " . وكأني أرى ومضات الفجر تبدو على الأفق لتبدد ظلمة الليل الحالك ، فيشرق الصباح وتنجلي الأتراح ، ونستقبل يوما جديداً نعمره بذكر الله ونستحضر فيه نعم الله علينا وما أسبغه من خير وفضائل . فنردد بألسنتنا وقلوبنا : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
--
أسعد بزيارتك :
-على الفيس بوك
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001033176611
- على اليوتيوب
http://www.youtube.com/user/alaskrChannel#p/a