السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عجبت لنا كيف نرد البحر لنروي العطش، والماء الزلال بين أيدينا.
عجبت لنا كيف يقتلنا العطش، والماء الزلال في متناولنا.
عجبت لنا كيف نتناول المرطبات، و نشرب المنبهات، وإن كانت تحوي شيئاً منه لكنها لا تغني عنه.
عجبت لمن يطلب المياه العكرة، ليروي بها ظمأه، وبين يديه الماء الزلال.
عجبت لمن يبحث عن الري، ويسعى لدفع العطش بمشروبات مصنعة، وبين يديه الماء الزلال، من منبعه الصافي.
عجباً لمن يحيد عن هذا النبع الصافي، والمورد الشافي، وهو بين يديه، منفرد به.
ولقد بلغني أن في بعض البلاد يجتمع الاثنين والثلاثة على المورد الواحد، كل يأخذ منه نصيبا، ويصيب منه ما يصيب.
كيف أولئك تشبثوا به، وتسابقوا إليه، وكانوا أشد حرصاً على الري منه، ونحن لكل واد منا مورد ومع هذا يعرض عن مورده، ويطلب الري من غيره، ويبحث عن إرواء العطش بسواه. أما هذا عجيب؟
والله لو وردنا هذا المورد بصدق، واحتسينا منه كوباً بشوق، لارتوت منه عروقنا، ولشفينا به أوجاعنا، ولأذهبنا به همومنا، ولداوينا به أمراضنا.
لكننا صددنا عنه، وتسابقنا على غيره، نبحث عن الري في ماء البحار، ونطلب الشفاء بألفاظ السحّار(1)، وبين أيدينا النبع الذي من ورده هدي، ومن شرب منه روي، ومن استشفى به شفي، ومن غاص في أعماقه وجد ما يذهل أولي الألباب، ويقطع كل خطاب، ويغني عن كل مقال.
عجباً لنا كم هجرنا القرآن وتسابقنا إلى غيره من الكلام؟
عجباً لنا كم تركنا هذا المورد العذب ووردنا غيره من الموارد؟
متى كان آخر عهدك به؟
ومتى آخر ما ارتشفت رحيقه؟
ومتى كان آخر ما تدبرت آياته؟
ونظرت في بيانه؟
وتأملت خطابه؟
وفتشت في مكنونه؟
واستشفيت بشفائه؟
وتحصنت بتحصينه؟
وتمسكت بحبله؟
لِمَ هذا الإعراض وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
لِمَ نتسابق إلى الروايات وما تلذذنا منه بالقصص الباهرات؟
لِمَ نعكف على قراءة الأدبيات وقد فاق كل أصحاب الأدبيات؟
لِمَ نستلذ بشعر الشعراء، وفيه ما هو أسمى من شعر الشعراء، وإن أردت فاقرأ الشعراء؟
كيف نستلذ بالقصص، وفيه ما أغنى عن القصص، ومن لم يصدق فليقرأ القصص؟
لماذا نتباكى عندما نقرأ قصص الأسف، وقد يصيبنا منها الأسف، مع أنه قد يوجد بها من العجز والركاكة ما يؤسف، ولا نقرأ سورة يوسف،
التي فاقت كل وصف، وأفتخر بها كل منصف؟
يا أهل القرآن عليكم بالقرآن،
استلذوا بما فيه عن البيان،
وفتشوا في مكنونه عما تدمع منه العينان،
واحتسوا منه ما يروي الظمآن،
وتغنوا منه بسورة الرحمن،
لتصور لكم تلك الجنان،
وما فيها من عطايا المنان.
اجعلوا لكم كل يوم رشفة من رحيقه،
وكوباً من معينه، وورداً من بيانه،
وجلسة مع إعجازه،
تريحوا أنفسكم، وتجدوا بغيتكم، وتحصنوا أنفسكم وبيوتكم، وتشفوا أمراضكم وأوجاعكم.
جعلني الله وإياكم من أهله، المتدبرين له، المرتوين من معينه.
ــــــــــــــــــ
(1) السحار: الفائق في معرفة السحر وصنعته. انظر فتح القدير.
منقول