عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ علَىَ الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَىَ الْعُمُرِ" رواه مسلم.
(يهرم ابن آدم) أي يكبر (وَتَشِبّ منه اثنتان) يعني تستحكم الخصلتان في قلب الشيخ كاستحكام قوة الشاب في شبابه . الحرص على المال والجاه , والعمر وطول الأمل . . . فالحرص فقره ولو ملك الدنيا , والأمل تعبه. . . وإنما لم تذهب هاتان الخصلتان لأن المرء جبل على حب الشهوات كما قال تعالى {زين للناس} الآية . . . وإنما تنال الدنيا بالمال والعمر . . . والنفس معدن الشهوات , وأمانيها لا تنقطع فهي أبداً فقيرة لتراكم الشهوات عليها , قد برح بها خوف الفوت وضيق عليها ، فهي مفتونة بذلك , وخلصت فتنتها إلى القلب فأصمته عن اللّه وأعمته , لأن الشهوة ظلمات ذات رياح هفافة , والريح إذا وقع في الأذن أصمت, والظلمة إذا حلت بالعين أعمت . . . فلما وصلت هذه الشهوة إلى القلب حجبت النور , فإذا أراد اللّه بعبد خيراً قذف في قلبه النور فتمزق الحجاب , فذلك تقواه به يتقي مساخط اللّه ويحفظ حدوده ويؤدي فرائضه , فإذا أشرق الصدر بذلك النور وصل إلى النفس فأضاء , ووجدت له النفس حلاوة وطلاوة ولذة تلهيه عن شهوات الدنيا وزخرفها , فيحيى قلبه ويصير غنياً باللّه الكريم في فعاله ، الحي في ديموميته ، القيوم في ملكه. . .
والله اعلم