بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى مبينا عظيم قدرته وجليل نعمته: {إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 95-96].
من بديع التعبير أن الله يذكر لفظ "فالق" ويعبر عنه باسم الفاعل الدال على الدوام والثبوت، للدلالة على أنه سبحانه وتعالى هو الذي يفعل ذلك في كل صباح يتجدد على الدنيا، لا يشاركه في ذلك أحد، ولا يكل ذلك إلى أحد، ومن ثَمَّ كان مناسبا أن يأمرنا ربنا بتسبيحه عند كل صباح شكرا له على نعمته وتنزيها له عن كل نقص يلحقه به الكفار والقائلون بالصدفة والطبيعة.
والأبدع من ذلك أن الله يعبر بالفلق في الحب والنوى، وهذا أمر مشاهد محسوس، ويعبر به أيضا في الإصباح، وبينهما من التواصل في الروعة والجمال الشيء الكثير، فإن الله يفلق الحبة ليخرج منها النبات المستكن في باطن الحبة، والنواة فتخرج شجرا ونباتا يخرج حبا وثمرا يستفيد منه الناس ويتعيشون عليه، فإذا ما انتقلنا إلى فلق الإصباح نجد النور الذي يحيي الدنيا بعد النوم في الليل ويجلي الأشياء للناس.
ولو ربطنا بين الأمرين لرأينا أن الله يجعل النهار حياة بعد الموت بالليل الممثل في النوم، وأيضا ليظهر لنا أثر الضياء في إخراج النبات الذي عليه قوام الحياة، وهو ما كشف عنه العلم الحديث.
وكأن الله يقول لنا: إن الذي يفعل لكم ذلك لتعيشوا هو الذي أنزل عليكم القرآن لتحيوا به، ولتخرجوا من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الهدى والعلم، ولهذا وصف القرآن بأنه الروح، بل روح الروح، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52].
بقلم - عبد الرحمن البر
اسلام اونلاين