بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... قال : و أما علي فأقام بمكة ريثما أدى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الودائع التي كانت عنده و غير ذلك ثم لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم . و غير ذلك أي : من الأعمال التي تخصه أو التي وُكِل اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم القيام بها .
و هنا تأمل فائدة عظيمة جدا النبي عليه الصلاة و السلام أُخرج من مكة و أُوذي فيها أذى شديدا ، و الليلة التي خرج فيها كان كفار قريش متربصين به صلى الله عليه و سلم محيطين ببيته لقتله عليه الصلاة و السلام ، لقتله ، فتأمل هذا جيدا ، يعني أُوذي في هذا البلد أذى عظيما ، و الليلة التي خرج فيها من ذلك البلد كان كفار قريش محيطين ببيته بغية و قصد قتله صلوات الله و سلامه عليه ، و تعرض الى صنوف و أنواع من الأذى و السب و الشتم ، ومع ذلك يُـبقي عليا لإعادة الودائع ، كل وديعة لأنهم كانوا يأتمنونه ، و معروفا بالأمين و إذا كان أحدهم لديه شيء يريد أن يحفظه لا يجد أمثل من النبي عليه الصلاة و السلام ، معروفا عندهم بالأمانة ، و لهذا كان عنده ودائع كثيرة للناس ، فأبقى عليا رضي الله عنه يعيد الودائع وديعة وديعة الى أصحابها .
في مثل هذه الحال بعض الناس قد يترخص لنفسه و يقول : طالما أنهم آذوني و أخرجوني و أرغموني على الخروج و فعلوا و فعلوا أُضيع عليهم ودائعهم عقابا لهم و نكالا و نحو ذلك من الـتأويلات.
لكن تأمل أمانة النبي عليه الصلاة و السلام العظيمة و هذه مدرسة حقيقه عظيمة جدا في حفظ الأمانة و رعايتها و لو كانت في أحلك الظروف ، و لو كان في أشد الأحوال ، فأبقى النبي عليه الصلاة و السلام عليا رضي الله عنه لهذا الغرض ، من أجل اعادة هذه الودائع الى أهلها ، كل وديعة تُعاد لصاحبها ، ثم لحق بعد أن أدى هذه المهمة رضي الله عنه و أرضاه برسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة ....
مقطع من كتاب الفصول في سيره الرسول لــ ابن كثير