عندما يعجز الإنسان عن التكيف مع ظروف الحياة وآمالها والأمها يلجأ للخيال ويعزف على حلم الحرية . ويهرب عن الواقع إلى أحلام اليقظة التي تحاول أن تتغلب على إحساس المرء بالعجز . ومن رحمِ الخيال وأحلام اليقظة والشعور العاجز ولد مولداً سمي الشعر . يلجأ إليه الشعراء ليكون سجلاً وديواناً للأحداث 0حتى صار الشعر متنفساً وتعبيراً للضعفاء والأقوياء على حد سواء , ومواويل لطرد الأحزان والهموم 0 جعل الشعراء شعرهم يتخطى حدود الزمان والمكان والأعراف إلى حيث لا أفق يسدُ الطريق فصاحبوا الطير في وكناتها , والنجوم في مجراتها , والمها في صحرائها
والشعر حالة نادرة جداً تحتجب فيها الفواصل بين الكينونة والعدم 0فيجعل الخيال الشعري الغير ممكن ممكناً , والمستحيلَ واقعاً والواقعُ مستحيلاً يمتطي الخيالَ , ويثير العواطف ويستفزّ المشاعر لتتداعى أمام ترانيمه فكان ملجأ المحبين وموقد الحماسة عند المقاتلين 0
ولكن روْحَ الشعر بدأتْ تحتضر , وبقى جسَداً بدون روح , ففقد يريقه , وكسدت تجارته , وضعفت قواه , ودبّ الوهن في مفاصله 0 ترى هل السبب ضعف الشعر وكونه غير صالح في حياة المدنية الحديثة أم فقدان الشهية عند المتلقي فتجد دواوين لكبار الشعراء لم ينفض عنها الغبار منذ ُسنين 0 بحيث أصبح حضور أمسية شعرية قليل جداً أمام حضور مسرحية أو حفلة فنية صاخبة 0
,