[align=center]كل منّا ينغمس احياناً في نوع من الخداع الخفيف يعرف بالمخاتلة ـ بالتعبير العامي ـ الى درجة معينة.
من اكثر انواع الخداع شيوعاً الادعاء بالمعرفة فوق حدود معرفتك الحقيقية من اجل كسب افضلية لدى الطرف الاخر، وربما يتوقع منك تقريباً ان تبالغ بالحديث عن انجازاتك خلال مقابلة للحصول على وظيفة مثلاً. ويمكن للخداع ان يكون ايضاً شكلاً لطيفاً من اشكال الترفيه مثل حيل السحر .
ويوضح الدكتور مارتن سكينر، محاضر مادة علم النفس بجامعة وارويك البريطانية قائلاً:
«تنطوي المخاتلة في الغالب على المبالغة والايماء وليس الكذب التام، ويلعب هذا النمط السلوكي دوراً كبيراً في تقديم الذات للآخرين».
لكن مهما كان المخادع او «المخاتل» بارعاً ومتمرساً فإن الخداع يسبب دائماً درجة من الضغط النفسي الذي يعبر عن نفسه في لغة الجسد.
قال تشارلز داروين
الذي كان من بين اوائل العلماء الذين درسوا المشاعر، ان ذلك النوع من الصراع الداخلي يطفو عادة الى السطح متمثلاً في لغة الجسد،
وهي العنصر المكون من غير الشفهي للسلوك البشري وتتضمن
تعابير الوجه، ووضعية الجسم وعلامات اخرى
يقول الدكتور غلين ويلسون
من معهد طب النفس في لندن:
«لغة الجسد هامة جداً. فمن الصعب على المرء ان يكتب لغة جسده ويتحكم فيها بقوله في ذات الوقت. ولذلك فإن الاشارات غير الكلامية، التي تعرف بالتسريب، تفضح امر المخاتل عادة».
وعلى سبيل المثال عندما يكذب المرء فهو لا ينظر في عينيك مباشرة خشية ان ترى ما وراءهما.
لكن بعض المخاتلين المتطورين ربما يجربون معك اسلوب الخداع المزدوج وذلك بالنظر الى عينيك اكثر من العادة، وربما يبتسمون لتشتيت انتباهك او استرضائك،
لكن الابتسامة الحقيقية الصادقة تتضمن تقلص العضلات حول العينين بخلاف الابتسامة المزيفة التي يقصد منها التغطية على الكذب.
معظم الناس يستخدمون أيديهم عندما يتكلمون وهم يدركون ان هذه الايماءات تنقل جزءاً من المعنى.
وعلى الاغلب فإن المخاتل اقل استخداماً لايماءات اليدين والذراعين من الصادق.
ولذلك فإن من العلامات التي قد تدلك على المخادع وضع اليدين في الجيبين وتشبيك الكفين وضم اصابع اليدّ الى الداخل بدلاً من فردها.
والايماءات الوحيدة التي يزداد تكرارها عند الكذب هي هز الكتفين تعبيراً عن الاستهجان او اللامبالاة، وكأن اليدين تريدان انكار ما يقوله الفم.
واذا كنت حاذقاً ودقيق الملاحظة، وفربما يمكنك ايضاً الانتباه الى توتر الكاذب، من خلال قراءة اضطراب حركات جسمه الاجمالية، كالحركات الالتوائية الخفيفة وتغيير وضعية الجلوس بين الفينة والاخرى.
ولقد اظهرت الابحاث التي اجراها عالم الانثروبولوجيا الاميركي بو ل
انه من الاسهل اكتشاف امر الكاذب بمراقبة قدميه بدلاً من مراقبة وجهه. ومن المهم ايضاً كيف يلمس المخاتل وجهه وهو يلفق قصة لا تصدق،
ويورد عالم السلوك ديموند مدريس
هذه القائمة بأمارات الخداع:
التمسيد على الذقن،
الضغط على الشفتين،
تغطية الفم باليد،
لمس الانف،
فرك الوجنة،
حكة الحاجب،
لمس حلمة الاذن وتوضيب الشعر.
وتعتبر حركة تغطية الفم باليد اشارة تعكس صراعاً بداخل الدماغ،
اذ تقوم المنطقة الدماغية التي تلفق الكذب باجبار الفم على مواصلة الحديث، لكن الجزء الدماغي الذي يدرك بصورة غريزية ان الكلام غير صحيح يحاول التغطية وهكذا ترتفع اليد نحو الفم.
اما لمس الانف هو نسخة معدلة من الحركة السابقة لأنه يتضمن تغطية الفم جزئياً.
وهناك سبب هام اخر للمس الانف، فالكذب يبعث على التوتر ويسبب تغيرات في تدفق الدم الى الوجه، تتجسد على شكل احمرار في الوجه عند الاشخاص الحساسين، وتسبب هذه التغيرات ايضاً ببعض الاحتقان في انسجة الأنف الداخلية مما يدفع الكاذب او المخادع الى لمس او فرك انفه. وخلال ادلاء الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بشهادته امام هيئة المحلفين في قضية مونيكا لوينسكي، لمس انفه حوالي 26 مرة وهو يردّ على اسئلة المحكمة.
ومن الملاحظ ايضاً ان المخاتل يحاول عادة تجنب التماس المباشر مع الشخص الاخر الذي يصغي للاكاذيب وذلك ابقاء مسافة فاصلة بينهما يقلص الاحساس بالذنب من جانب الكاذب. ولذلك فإن المخادعين يجدون من الافضل لهم تلفيق الاكاذيب على الهاتف او بينما يقومون بأعمال ثانوية اخرى خلال الكلام من اجل كبح تسرّب علامات الكذب اللا ارادية من لغة جسدهم.
كما ان اختيار الكلمات يلعب دوراً مهماً ايضاً، فعندما يكذب المرء، يحاول جهده ان لا ينسب الكلمات لنفسه، ولذلك فإنه يتجنب استخدام
الضمير «انا» او «نحن»، ويقول مثلاً «نعم» بدلاً من «نعم، انا فعلت كذا» او «نعم، انا اتقن كذا»
خلال مقابلات العمل. لكن اذا اردت ان تكتشف المتكلم عن حقيقته عليك ان توجه له اسئلة حول شعوره حيال الاشياء التي يتحدث عنها، او يقول الدكتور سكنير
«من السهل على المرء تلفيق احداث لم تحدث، لكن من الصعب جداً عليه ان يكذب بشأن مشاعره».[/align]