ضاق صدري ذات ليلة فجلست بمفردي أقلب صفحات أيامي السابقة من أين دُهيت .... ثم أخذت استعرض تاريخ بعض الأمم السابقة حتى عصرنا الحاضر , وفي أثناء ذلك استلهم العبر وأبحث عن سبب ما أعانيه ....
تذكرت عندما ضاقت الأمور بلوط عليه السلام .. بعد أن آذاه قومه وأرادوا أن يخزوه في ضيفه بفهمهم المنتكس, وبلغ به اليأس مبلغه قال لقومه :
( َ لَوْ أَنَّ لِـي بِكُمْ قُـوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَـدِيد)
.. فحضر نصر الله عاجلا . (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ). . حمل جبريل على قريتهم فقلعها من أركانها بجناحه .. وصعد بها حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها كما كانوا يقلبون الأمور ويعكسونها .. ( فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ) ..
إن في قصة قوم لوط الكثير من العبر , [ فللحاكم أن يُحد اللائط بضربة بالسيف أو يحرقه بالنار ، أو يلقيه من شاهق مكتوف اليدين و الرجلين ، أو يهدم عليه جداراً ... وقيل أن لهُ أن يجمع عليه عقوبة الحرق و القتل أو الهدم و الإلقاء من شاهق ].. والمتأمل لقصة قوم لوط يجد أن الله تعالى جمع عليهم تلك العقوبات حيث ألقاهم من شاهق ورجمهم بحجارة تحترق نارا (من سجيل منضود ) ... ومن العجيب أن طريقة دفن مرضى الإيدز في أنظمة بعض دول العالم تشابه كثيرا طريقة دفن قوم لوط في أعماق الأرض وردمهم بالحصى المحترقة , فمن يقوم بدفن موتى الإيدز ليسوا أهل الميت , بل الدوائر الصحية والوقائية , وكما تم دفن قوم لوط في أعماق الأرض , فإن من يموت بالإيدز يزيدون عمق قبره عن الموتى الآخرين تحسبا لمنع أي تسرب , وكما أن قوم لوط تم إمطارهم بحجارة تحترق نارا فأن موتى الإيدز يتم إحراق بعضهم قبل دفنهم , وبعضهم يوضع في تابوت معدني أسفله مواد فحمية ويتم إغلاقه بإحكام ويقومون بتلحيم جوانبه حتى لا يتسرب منه شيئا, مع رش القبر بمواد معقمة خشية حدوث تسربات ..
وتذكرت
نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ) .. لكن قلوبهم كانت أشد قسوة من الحجارة .. كلما أتاها من جهة بلين وموعظة ورفق وإرشاد, لم يجد منهم إلا الصد والنفور (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَار ) .. بل يرمونه بأبشع الأوصاف (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .. ( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر ) .. وكان كل جيل يوصي من بعده ألا يؤمنوا به (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا ) .. وقد قيل في أعلى نسبة وردت في الروايات أن من أسلم من قوم نوح بعد (950) سنة من الدعوة لم يجتازوا الثمانين فردا ؟؟
.. بعد هذا الزمن الطويل من الدعوة , وتعاقب الأجيال المكذبة له... ماذا حدث ؟؟ ...
( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ ) .. لجأ إلى الواحد الأحد.. الفرد الصمد ..
( فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) ..
..لقد نادى نوح ربه :
(أَنِّـي مَغْلـُوبٌ فَانتَصِـر )
فكانت إجابة الدعوة :
(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر ) ............
وعند تذكري لقصة نوح وقومه تبادر لذهني مباشرة بعض صور تسونامي .....
بعد قراءة الموضوع أدخل على هذا الرابط :
http://www.arab7.com/show/linkredirect.php?linkid=121
ومن تسونامي عادت بي الذاكرة إلى بلاد العرب .. حيث تنتقل عيوننا بين صور الذل والهوان الذي نراه كل يوم كفلق الصبح .. وكلما مرت صورة بذاكرتي تذكرت قول نوح وقول لوط عليهما السلام ...
( َ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد)
امرأة فلسطينية بين مجموعة من القردة والخنازير ( تصور أنها أمك )
(أَنِّي مَغْلُـوبٌ فَانتَصِـر )
عائلة فلسطينية فقدت العائل والمأوى ..
كل هذه المشاهد مرت بي وأنا أحاول جاهدا أن استنتج منها ما حل بي من ضيق , وكلما وجدت سببا , أسمع هاتفا يهتف بي : ما أكثر الأسباب الداعية لضيقة صدرك, و قد يكون هذا من ضمن الأسباب لكنك لم تصل بعد.. فابحث عن أسباب أخرى ؟؟؟
رسمت صورة ً للعالم في مخيلتي , فوجدت أن المحن والإحن تتخطف العالمَ من حولنا ... وبقينا نرفل في ثياب النعم والعافية .. لكنني لمحتُ سببا يسهم في ضيقة نفس كل مسلم عاقل ... قلت في نفسي : لعل هذا سبب همي وحزني .. إننا نعيش في عالم مضطرب , يموج بالفتن موج البحر.. في السوق فتنة ..في الطريق فتن .. وفي المستشفى فتن .. والبنوك فتن .. وفي التجارة والأسهم فتن.. والانترنت فتن ... والصحف فتن .. ومع أن هذا مما يؤلم نفس المسلم لكني لم أصل بعد إلى سبب ما ألمَ بي من ضيق في نفسي ...
ظللت أسرح بفكري هنا وهناك .. جعلتُ الفكرَ يذهب تارة ويجيء أخرى .. ظللت أسأل نفسي .. لماذا أشعر بضيق في صدري .. لماذا لم يعد هناك حلاوة لقراءة القرآن كما كنت أشعر به من قبل .. لماذا لم أعد مقبلا عليه كسالف أيامي ... لماذا أصبحتُ أكثر سرحانا في صلاتي متأخرا في الذهاب إلى المسجد..
تذكرت
نعم
تذكرت أني فتحت التلفاز مرتين متتاليتين من باب الاطلاع فقط لمشاهدة برنامج ذاك ( الساحر ) الذي يسمي سورة الأنعام بالإنعام وسورة القَصَص بالقِصص .. شاهدته في قنوات تبث السحر جهارا نهارا....
أقسم بالله الواحد الأحد أني أشعر بتغير في نفسي منذ أن شاهدت تلك القناة ...أصبحت أشعر أني أكثر حزنا .. أكثر سرحانا .. أكثر بعدا عن الله تعالى ..
إني ابتليت بأربع ما سُـلطوا .. إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى .. كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وأرى الهوى تدعوا إليه خواطري ..في ظلمة الشهوات والآراءِ
هنا أقف لمواجهة أعدائي الأربعة رافعا يدي إلى السماء مستعينا بربي قائلا كما قال نوح عليه السلام:
(أَنِّـي مَغْـلُوبٌ فَانتَصِـر )