عمّن تبحث المرأة؟
(1)
حتّى أفلام هوليود، لم تتوقّف حتّى الآن عن تقديم صورة الفارس النبيل، سارق قلوب النساء!
وأكاد أجزم أنّه من المستحيل أن تجد فتاة لا يبهرها مشهد فارس يختطف حبيبته على جواده من براثن أعدائه، وينطلق بها نائيا عن الخطر..
ولكن.. هل يعني هذا أنّ نساء اليوم تحبّ الفرسان فعلا؟!
دعنا نختبر هذا:
هل لدى إحداهنّ الاستعداد ـ لو وجدت في البادية هذا الفارس الشاعر النبيل ـ أن تترك المدينة وتعيش معه، معتمدة على حمايته لها ضدّ كلّ الأخطار؟!
هنا أكاد أجزم أنّه من المستحيل أن تكون الإجابة بنعم!
والفكرة التي في ذهني أنّ المرأة خلقت لتنشئ بيتا وتربّي أطفالا.. وهكذا تستمرّ الحياة.. ولو خيّرت المرأة بين أحد أطفالها وزوجها فستختار طفلها.. ولو خيّرت بينه وبين نفسها فستختاره أيضا..
إنّ الحياة وجدت لتستمرّ.. لهذا فإنّ التضحية بالحاضر (الأبوين) في سبيل الغد (الأطفال) أمر شائع في كلّ المخلوقات..
ولكن أين دور الذكر في هذا؟
نفس الدور: على الذكر أن يموت في سبيل حماية صغاره، بل وفي سبيل حماية أنثاه أيضا، لأنّها الأهمّ في حفظ النوع.
لهذا فإنّ الذكر هو الأقوى.. وبالتالي فهو الأشجع بل والأكثر تهورا وحبّا للمغامرة.
من هنا استحقّ الرجل القيادة.. وكلما ازداد قوّة ازداد قيادة.. وازداد شغف المرأة به.
على النقيض، نجد المرأة أكثر حذرا، إلا إذا حاق الخطر بأبنائها..
ولعلّ هذا يجعلنا نفهم لماذا تكون النساء أكثر رفضا للتغيير وأكثر رعبا من الأفكار الثورية التي يمكن أن تودي بمملكتها.. ومن هذا خوف الأمهات المبالغ فيه من انتماء أبنائهنّ لأيّ اتجاه سياسي أو ديني (والدين والساسة في بلادنا من المحاذير).. فوظيفتها الفطرية أن تحمي وتجمع الشمل.. لا أن تترك الجميع عرضة للخطر (وهذا ليس مبررا ضد الدين والعقل، ما دام كلّ شعور وتصرف خاضعا لهما)
لكن.. دعنا من هذا الاسترسال.. إذ يبدو أنّني ما زلت إلى الآن أتكلّم عن عصور سحيقة: فرسان وأخطار و... و... !
فعلا: لم تعد الأخطار كما سبق، ولم تعد المرأة تحتاج لمثل ذلك الرجل الرهيب لحمايتها.. فكلّ شيء طالته المدنية تمّ تدجينه، ولم يعد صد الأخطار يعتمد على العضلات والمبارزة وصرع الوحوش!
إذن فلم يعد للفروسية مكان إلا في القصائد والأفلام!
لقد تحوّل الحصان إلى "بي إم دبليو"، وجراب السيف إلى حافظة متخمة، وكلمات العشق إلى شيكات ممهورة بالقبلات، وإحساس الأمان إلى رغبة طاغية في الامتلاك والاستهلاك، أمّا حماية الأولاد فهي في المدارس الخاصة ومدارس اللغات، لا في الكهوف والخيام!
فأين فارس البادية من كلّ هذا؟!
يكفيه أن يصول في الشعر والقصص والأفلام، أو أن يوضع تمثال له في الميادين، أو أن يطوف بخيال العذاري فيبتسمن.. لكن لا يتمنينه أبدا إلا لو كان قويا بلغة العصر!