تحذير السلف من مخالفة السنة والابتداع في الدين
للشيخ عبد الله بن محمد العسكر
لقد كان حرص السلف رحمة الله عليهم على لزوم السنة ومحاربة البدعة كبيرا فقد روى الدارمي في سننه عن عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ .
يقول الإمام مالك رحمه الله : (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة ؛ لأن الله يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً )
وفي الجامع لأبي بكر الخلال أن رجلاً جاء إلى مالك بن أنس فقال : من أين أحرم؟ قال : من الميقات الذي وقت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأحرم منه. فقال الـرجل : فـإن أحرمت مـن أبعد منه؟ فقال مالك : لا أرى ذلك . فقال الرجل :ما تكره مـن ذلك؟ قـال : أكـره عليـك الفتنة. قال : وأي فتنة من ازديـاد الخير؟ فقـال مـالك : فإن الله تعالى يقول : ((فَلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))؟ وأي فتنة أكبر من أنك خُصِصت بفضل لم يخص به رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وفي رواية : وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خيرٌ من اختيار الله واختيار رسوله؟!
وكتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز : (أوصيك بترك ما أحدث المحدثون ، وعليك بلزوم السنة ؛ فإن السنة إنما سنّها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق) ، ويقول ابن القيم : (واشتد نكير السلف والأئمة للبدع ، وحذروا منها أشد التحذير ؛ إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد من عامة الفواحش والظلم والعدوان "
إنه لمن أعظم الخسارة والبوار أن يكدح المرء وينصَب في حياته الدنيا ولكن على غير هدى من الله وبصيرة فيكونَ عمله عليه وبالا وخسرانا مبينا {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا لَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
يا الله كم هي الخسارة العظيمة حين يبعثر العمل ويضيع الكدح والتعب{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} .{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج الذين لم يكونوا على جادة السنة مع عظم عبادتهم وصلاتهم : ( قوم يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )
فاللهم دلنا على الحق ، وأعنا على اتباعه ، وثبتنا عليه حتى نلقاك .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .
الصفحة الرسمية للشيخ عبد الله العسكر على الفيس بوك
http://www.facebook.com/pages/alshyk...13516892016182
صفحة اليوتيوب
http://www.youtube.com/user/alaskrChannel#p/a