جاري أبو محسن متقاعد منذ سنوات ..
يستأجر بيتاً يبدو كـ جسده المتهالك للوهلة الأولى ..
دلفت لمجلسه الصغير .. كان مزدحماً .. بصغار السن .. الذي اصطفوا جلوساً ..
متحلقين حوله .. ثياب رثة بلونها القاتم ..
وعيون متشابهة يملؤها الجوع المدقع وبقايا سعادة ..
كان أبو محسن مستلقياً على ظهره يلف رأسه شماغ ٌعتيق ..
ويتلحف بطانية بالية تحجب جسده
انحنيت قبلت رأسه .. ودعيت له بالسلامة ..
أردف: يسلمك .. ماسلمت على عيالي ..
قلت: سمّ !
قال: عيالي .. الله يصلحهم .. تعال يابوك يافهد ..تعال
قلت: ماشاء الله .. ونعم .. توالت علي الكثير من الأجساد البشرية النحيلة
وخلال ذلك المسلسل المكسيكي من السلامات كنت أتساءل : عن جدية هذا ..!
هل هؤلاء" الدرزن " هم عياله فعلاً .. سرعان ماجاوبني عقلي : يعني عيال " فائض اكتتاب " ..!
تم الأمر على خير .. بعد أن أنُهك خدي جراء تلك الارتطامات ..
وبينما أنا كذلك صرخ بأحدهم : أيمن .. ورى ماسلمت على عمّك ..!
خرج أيمن من بين تلك الوجوه السمراء .. وكأنه براد بيت بنسخته السعودية ..
بشعر أشقر .. وبهيئة التي تبدو أقل تعاسة منهم ..
قفز سؤال لعين برأسي : من ذا .. شكله غلطان ببيت أهله .. وإلا أنه طفرة جينية من هالشايب ..
كان الفضول يزاحمني لأسأله : كيف جبته .. ومش مسوي أنت ..!
ربما قرأ شيئا من ذلك بعيني فقال :
هالصغيّر من مرتي الأخيرة السورية ..
قلت بنفسي : إني داري ..!
و الباقين من حريمي الأولات .. طلقت ثنتين وباقي عندي أم محسن..
قلت : بس ياعمّ .. سكت قليلاً .. وابتسمت : الله يصلحهم ..عسى بس يدرسون ..
قال : الحمد لله ..
بأي مرحلة - سألته -
صمت .. ثم قال : فهد برابع
قاطعه فهد : بسادس يبه ..
سألت فهد عن الباقين .. ثلاثة بخامس واثنين برابع .. واثنين بثاني .. وماتبقى من هذا المنتخب لم يلتحقوا بالمدرسة بعد ..
تشكلت برأسي عشرات الأسئلة :
من سيربي هؤلاء .. من سيعولهم ..
كيف يستطيع كهل أن يطعم تلك الأفواه الجائعة ..
كيف وأنت لاتستطيع إعالة نفسك .. هل ستنثرهم بالشوارع ..
ليقتاتوا على الجريمة .. أم ستسرحهم معتمدين على حظوظهم المظلمة ..
من الذي أعطاك الحق لترتكب كل تلك الزيجات ..
مخلفاً كل هذا الحشد من التائهين ..
لست الأول ولن تكون الأخير من المؤمنين بجدوى التفريخ ..
والمنساقين خلف إثبات الفحولة
والذين لايملون من ترديد : بيجيه رزقه معه ..
عند بداية طرح كل طفل جديد لهذا العالم ..
خلها على ربك بس ..
قاطع حبل تفكيري قائلاً :
إيوالله خلها على ربك ياوليدي ..
قلت : نعم !
قال .. خلها على ربك وأنا عمك ..!
ذهلت .. ورددت مولياً شطر الباب :
ماتشوف شر .. ماتشوف شر .. فمان الله ..!
* فيصل العامر من كتاب شغب