طبُّ القلوبِ بتركِ الذنوبِ
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذعِنِينَ {49} أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَم ِارْتَابُوا أَمْ يَخَافـُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولـُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولـَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {52} ) النور .
ويقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ( ما أنزلَ اللهُ الدَّاءَ إلاَّ وأنزلَ مَعَهُ الدواءَ ) .
أيها الإخوة ُالأكارمُ :
عندما يعودُ الطبيبُ إنساناً مريضاً , فإنهُ ينظرُ إلى الأعراض ِالتي تظهرُ على المريض ِ, ومن خلال ِنظرتِهِ إليها يَتـَوصلُ إلى الأمرِ الذي كان سبباً أوجدَ هذهِ الأعراضَ , ومن ثـَمَّ , فإنهُ يَصفُ العلاجَ للمريض ِ, هذا هوَ واقعُ التطبيبِ , وهكذا تكونُ المعالجة ُالطبية ُللأمراض ِالتي يتعرضُ لها الإنسانُ , وهو أمرٌ معلومٌ , نعم هذا صحيحٌ , ومن المعلوم ِكذلكَ أن منَ الأمراض ِأمراضاً مُعدية ًتنتشرُ في سائرِ أعضاءِ الجسم ِ, مما يَستدعي سرعة َالعلاج ِوصحتـَهُ خشية َاستفحال ِالمرض ِ, والذي قد يؤديْ إلى استئصال ِعضو ٍ فعـَّال ٍلا قدَّر اللهُ , أو يقضيَ على المريض ِنفسِهِ. وصدقَ من قال : درهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ علاج .
إذن فلا بُد من العلاج ِقبلَ فواتِ الأوان ِ.
ونحنُ اليومَ أيها الإخوة ُالكرامُ :
أمامَ أعراض ٍخطيرةٍ فتاكةٍ , وهيَ وإن كانت لا تـَظهرُ على الأفرادِ , فإنها تظهرُ في المجتمعاتِ , أي تظهرُ على الناس ِ, وقد بدأت هذهِ الأعراضُ تظهرُ على أهل ِفلسطينَ ! وتظهرُ على أهل ِالعراق ِ, كما وتظهرُ هذهِ الأعراضُ بشكل ٍعامٍّ على كثيرٍ من بلادِ المسلمينَ , إن لم نقلْ كلـِّها ! وصدقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إذ يقولُ محذراً : ( ما من قوم ٍيكونُ بينَ أظهرِهِم من يَعملُ من المعاصي هُم أعزَّ منهُ وأمنعَ مِن أن يُغيروا إلاَّ أصابَهُمُ اللهُ منهُ بعذابٍ ) .
فلماذا أيها الإخوة ُالأفاضلُ :
تنتشرُ هذهِ الأعراضُ وتتفشى ؟ والجوابُ: أن الأمراضَ تعمُّ وتطمُّ بسببِ الفتن ِ, والمعاصي التي تنتشرُ أيضاً مثلَ الأمراض ِ, تماماً كما تنتشرُ الأفعالُ الحسنة ُ, والعاداتُ الحسنة ُ, التي حَسَّنـَها شرع ُاللهِ سبحانهُ وتعالى وما جاءتْ بهِ سُنة ُرسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ .
إخوتي في اللهِ وأحبتي :
هلمُّوا بنا نطببُ لأنفسِنا , ونطببُ لأهلِنا , تعالوْا بنا نطببُ لأهل ِفلسطينَ , فنرى أعراضَ المرض ِ, ونبينُ أسبابَهُ التي أدتْ إلى ظهورِ أعراضِهِ , ثم نحاولُ جاهدينَ أن نجدَ العلاجَ .
لأن الأعراضَ التي تـُصيبُنا اليومَ هي أعراضٌ رئيسية ٌ, مما يستوجبُ علينا أن نتكلمَ عن هذهِ الأعراض ِ الرئيسيةِ التي تظهرُ على حالتِنا .
والعارضُ الأولُ منها أيها الإخوة ُالعقلاءُ :
أن سُلط َعلينا شعبٌ من أرذل ِشعوبِ الدنيا قاطبة ً! إنهم اليهودُ : أصلُ كلِّ شرٍ, وأسُّ كلِّ قهرٍ, إذن فالتسليط ُهو العارضُ الأولُ , تسليط ُشعبٍ آخرَ علينا , يَسومُنا سوءَ العذابِ ويأخذ ُبعضَ ما في أيدينا !
والعارضُ الثاني :
خيانة ُحكام ِالعربِ والمسلمينَ , ونذالة ُزعماءِ فلسطينَ ,
الذينَ فرَّطوا بالأرض ِالطهورِ التي باركها اللهُ وباركَ ما حولـَها .
وأمَّا العارضُ الثالثُ :
فأنهُ وفي بعض ِالأحيان ِ, ولا أريدُ أن أُعمِّمَ أو أشملَ أقولُ في بعض ِالأحيان ِيكونُ بأسُنا بينـَنا شديدٌ وليس ذلكَ إلاَّ لعارض ٍألمَّ بنا , وكادَ أن يُصيبنا بمقتل ٍ.
هذهِ إخوتي في اللهِ وأحبتي هي الأعراضُ الرئيسية ُ.
والآنَ ما هيَ الأمراضُ التي حلتْ بنا بسببِ هذهِ الجرثومةِ المُعدية ؟ :
وما هو الفايروسْ الذي يسببُ ظهورَ هذهِ الأعراض ِ؟
وما هو المرضُ الذي أصابَ الناسَ حتى ظهرتْ عليهم هذهِ الأعراضُ الخطيرة ُالفتاكة ُ؟
والمتمثلة ُبتسليطِ الأراذل ِمن شرارِ الناس ِعلينا , وأن يكونَ بأسُ الناس ِشديداً بينهم , لا بُدَّ وأن يكونَ هناكَ ــ مثلُ الطبِّ ـ ولكن الفرقَ بينَ جسم ِالإنسان ِالفردِ أن فيهِ فايروس , أو كائن ٍجرثوميٍّ أو مايكروبيٍّ أو ما شاكلَ ذلك ,
وأما في حالةِ الشعوبِ والأمم ِوالناس ِوالمجتمعاتِ فهناكَ مرضٌ ما لا يَكونُ سَبَبهُ جُرثومة ًميكروبية ًوإنما أمرٌ آخرُ سببَ هذا المرض ِِ.
والسؤالُ الآنَ : ما الذي يُسببُ هذهِ الأمراضَ ؟
نقولُ وباللهِ التوفيقُ , يجبُ أن نعلمَ أيها الإخوة ُالكرامُ :
أن هذهِ العوارضَ التي تظهرُ على المسلمينَ بهذا الشكل ِقد جاءتْ أدلة ٌمنَ الكتابِ والسنةِ تـُبينُ أنها بسببِ معاص ٍيَرتكبها الناسُ , وأن ذلكَ المرضَ الذي أصابنا ما هو إلاَّ بسببِ هاتيكَ المعاصي .
وأريدُ أن أضربَ أمثلة ًفي عُجالةٍ حتى نبحثَ بمعيتِكـُم ونحاولُ أن نـُطببَ لأنفسِنا العلاجَ الناجعَ , ففي غزوةِ أُحُدَ ــ أُخذ َأهلُ أُحُدٍ رضيَ اللهُ تعالى عنهم وأرضاهُم أجمعين , نعم , أُخِذوا لمَّا خالفوا أمرَ الرسول ِصلى اللهُ عليهِ وسلمَ , وهذا أمرٌ واضحٌ ومعروفٌ لنا جميعاً .
أُممٌ سابقة ٌقبلَ بَعثةِ النبيَّ الهادي عليهِ السلامُ وقبلَ رسالةِ الإسلام ِ, أُخذت عن بَكرةِ أبيها بذنوبها , وهذا واردٌ في القرآن ِالكريم ِوهو مليءٌ بأخبارِ وقـَصص ِالأمم ِالسابقةِ ممن أُخذوا بذنوبهم ومعاصيهم , وقد حَذرنا ربُّنا من أن نسلـُك مَسلكهم فيَعُمَّـنا العذابُ بسببِ معاصي كـُبرائِنا وسُكوتنا عليهم كما في قولِهِ تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {102} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ {103} ) هود .
نعم , يُأخذ ُالناسُ بذنوبـِهم , هذا بشكل ٍعامٍّ , حتى أن الشافعيَّ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ وأرضاهُ قد شكى لأستاذِهِ وكيع ٍسُوءَ حفظِهِ فقالَ :
شكوتُ إلى وكيع ٍسوءَ حِفظي **** فأرشدني إلى تركِ المعاصي
وأخبرني بأنَّ العلمَ نورٌ **** ونورُ الله لا يُهدى لعاصي
نعم , فالمعاصي والذنوبُ والمخالفاتُ الشرعية ُلها نتائجُ سلبية ٌكامِنة ٌفي الأعراض ِالتي نتعرضُ لها اليومَ .
وصدقَ اللهُ سبحانـَهُ وتعالى إذ يقول : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {41} ) الروم .
منقوووول