بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رقم الفتوى (13049)
موضوع الفتوى مضاعفة الصلاة و الأعمال الصالحة الأخرى في الحرم
السؤال س: مضاعفة الصلاة في الحرم بمائة ألف صلاة هل تشمل النوافل؟ وهل تشمل الأعمال الصالحة الأخرى كالصيام مثلًا والصدقة، وقراءة القرآن، ونحوها؟
الاجابـــة
نعم، فقد جاءت الأحاديث بأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في مساجد البلاد الأخرى إلا المسجد النبوي ومسجد بيت المقدس فالصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، والصلاة في مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة فيما سواه غير المسجدين الحرام والنبوي وهذه المضاعفة تختص بالمسجد المحاط حول الكعبة، وقد تشمل التوسيعات إذا اتصلت الصفوف، وامتلأ المسجد بأدواره كلها وصفوا في التوسيعات وفي الطرق، فلهم ذلك، وأما بقية منازل مكة ومساجدها فلا تشملها هذه المضاعفة، فإن إطلاق المسجد يختص بالمبنى الذي يصلى فيه في ذلك الوقت، وعليه يطلق لفظ المسجد الحرام في الآيات القرآنية كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ فإن المراد دخوله للنسك الذي بعده التحليق والتقصير، وليس المراد دخول مكة وهذا قوله تعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ يراد به المصلى حول الكعبة فهو الذي يستوي فيه الحاضر والبادي والعاكف وغيره، أي ليس لأحد أن يحتجز لنفسه مصلى يختص به.
وهذا لا يشمل بقية مكة وهكذا قوله تعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ المراد به المسجد الذي حول الكعبة، فإن أهله هم المسلمون الذين أخرجهم أهل مكة وطردوهم، وهم أولى بالمسجد حيث يعمرونه بالطواف، والاعتكاف، والركوع، والسجود، وهكذا قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فقد ثبت أنه قبل الإسراء مر على المسجد وغسل قلبه من ماء زمزم فابتدأ الإسراء من المسجد نفسه، وأما قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فحيث عبر بقوله فلا يقربوا احتاط أهل العلم ومنعوهم أن يقربوا البلد وألا يدخلوا حدود الحرم فإن القرب يعبر به عما كان قريبًا كمسيرة ساعة، أو نحوها حيث إنه لم يقل فلا يدخلوا المسجد الحرام وفَرقٌ بين قوله: فَلَا يَقْرَبُوا وقوله "فلا يدخلوا"، فعلى هذا نقول: إن المضاعفة بهذا المقدار تختص بالمسجد المحاط حول الكعبة، ويدخل في ذلك زياداته القديمة والجديدة، فإن الزيادة لها حكم المَزيد، والذين قالوا إن مكة كلها تدخل في المسجد الحرام ترتب على قولهم تساهل الناس، فكثير منهم يصلون في شققهم وفي منازلهم معتقدين أن مكة كلها من المسجد الحرام فيتركون الصلاة مع أئمة الحرم جمعة وجماعة ويصلون أفرادًا، أو جماعات في المنازل، وتفوتهم الحكمة من الصلاة جماعة.
وأما احتجاجهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الفتح كان يصلي في الأبطح ولا يصلي في الحرم إلا قليلًا، فإن المسلمين معه عشرة آلاف، ومن المشقة أن يذهبوا كلهم للصلاة داخل المسجد الحرام حيث لا يتسع في ذلك الوقت لنصفهم ولا لربعهم، فإن حدوده كانت إلى زمزم وما يحاذيها، ولا شك أن الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مضاعفة في كل مكان في الحرمين وفي البراري وغيرها، فلم يكلفهم ولم يذهب بهم إلى المسجد الحرام وهكذا فعل في حجة الوداع في صلاته قبل التروية في الأبطح بمَن معه، وفي مِنى في مسجد الخَيف فإن في ذهابهم كل وقت صعوبة ومشقة، حيث إنه يكلفهم المسير على الأقدام كل وقت ثم الرجوع إلى مخيماتهم، ثم إن هذه المضاعفة تشمل النوافل من الصلوات كالرواتب القبلية، والبعدية، والتراويح، وقيام رمضان، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وأما الصيام فقد ورد فيه حديثٌ أنه يضاعف في مكة، ذكره ابن رجب في لطائف المعارف لكنه ضعيف، وكذا الصدقة، والقراءة، والذكر لم يرد فيها دليل على أنها تضاعف كمضاعفة الصلاة، ولكن لشرف البقعة، وفضل المكان، ذهب كثير من العلماء إلى استحباب الصيام في مكة المكرمة وكذا كثرة الصدقات والأعمال الصالحة.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
=================================
لسؤال:
هل يصلي الإنسان النافلة في "المسجد الحرام" لمضاعفة الثواب، أو يصلي في المنزل لموافقة السُنة؟
المفتي: محمد بن صالح العثيمين
الإجابة:
المحافظة على السُنة أولى من فعل غير السُنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي النوافل في المسجد، إلا النوافل الخاصة بالمسجد فإنه كان يصليها في المسجد مثل (صلاة القدوم)، فالإنسان إذا قَدِمَ إلى بلده سَنَّ له أن يدخل المسجد فيصلي ركعتين قبل أن يدخل البيت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وأمر به أيضاً.
كما في قصة جابر في بيع الجمل المشهورة لما قدم المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل دخلت المسجد وصليت فيه؟" قال: لا، قال: "ادخل فصلِ فيه"، فالمشروع للإنسان إذا قدم بلده أول ما يقدم أن يذهب للمسجد ويصلي ركعتين.
فالأفضل المحافظة على السُنة، وأن يصلي الإنسان الرواتب في بيته، لأن الذي قال: "أفضل صلاة المَرء في بيته إلا المكتوبة"، وهو الذي قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام"، فأثبت الخيرية في مسجده، وبين أن الأفضل أن تصلي غير المكتوبة في البيت.
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن مضاعفة ثواب الصلاة في المسجد الحرام إلى أفضل من مائة ألف تختص بالمسجد الذي فيه الكعبة، ولا تشمل بقية مكة والحرم لما رواه مسلم عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة"، ولأن مسجد الكعبة هو المسجد الذي تشد إليه الرحال دون بقية مساجد مكة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
فأما قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} فقد ثبت في (صحيح البخاري) أنه أسري به صلى الله عليه وسلم من الحِجر حِجر الكعبة فيكون المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة لا عموم مكة، وأما ما ثبت من كونه صلى الله عليه وسلم حين أقام في الحديبية يدخل داخل حدود الحرم فيصلي وهو نازل في الحل، فهو دليل على أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل، ولا يستلزم ذلك حصول خصوصية التفضيل المذكور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الرابع عشر - باب صلاة التطوع.