كلمـــات للتأمـــل
كان فتى من طئ يجلس إلى الأحنف، وكان يعجبه، فقال له يوماً:
يافتى هل تزين جمالك بشئ؟ قال : نعم . إذا حدثت صدقت، وإذا حُدِّثت استمعت، وإذا عاهدت وفيت، وإذا وعدت أنجزت، وإذا أؤتمنت لم أخن.فقال الأحنف: هذه المروءة حقاً..
==============
مجنــــون الصـــدق
في البداية....اقنع نفسه.قال:
-لا شئ يهم..المهم أن اعرف تماماً أنني صادق .
كانت قناعته كاملة بنفسه أولاً، وبالقانون ثانياً..فهو لا يمكن أبداً أن يصدق
انه قد فعل ما اتهم بفعله، فتلك جناية لا يمكن لمثله أن يفعلها..بل أن أحداً
من كل العاملين لن يصدق التهمه الموجهة إليه.
كما أن القانون نفسه يحتاج إلى أدلة، ولا يوجد دليل واحد يدين موقفه..
- ولكنهم وجدوا في حقيبتك أدوات دقيقة، منتقاة بخبرة ومعرفة، تحاول
أن تخرج بها..فأنت موثوق بأمانتك، ولا يمكن الشك بأمرك.
- وماذا سرقت؟
- لا تكن ساذجاً..لا تدع نفسك تمثل أمامنا دور المغفل والبليد
والمبتلى بجناية لو يرتكبها.
حاور نفسه مرارا..سأل وأجاب وسأل ، وانتابه الشك في أمر نفسه..
- هل هي ساعة ضعف وتخاذل أمام إغراءات الربح..
هل هي دوافع الحاجة إلى الغنى السريع...
هل الأمر يتعلق بانقلاب جرى في مسيرة حياتك..بحيث تتخلى عن مبدأ الخطوة خطوة..
صعوداً إلى سلم النجاح والحياة الأفضل.. والانطلاق إلى عملية القفز سريعاً سريعاً ..بحيث لو تأخرت،
فسيستقبلك الآخرون!
أنت في سباق مع نفسك ومع الزمن..ومع منافسيك..ولكنه كان قد حسم كل هذه الأمور، لا لقناعة بما هو عليه،
ولا استسلام لواقع ما، ولكن لأنه لا يفكر بإتباع سبل غير شرعية وتخلو من الكرامة أحياناً وصولا إلى موقع ما
وإلى غنى سريع.
من قال أن سعيد بفقرك..؟
ولكن من قال أن كل الأغنياء سعداء..؟
ومن قال لك أن مثاليتك ستقودك إلى جنة عدن، وتحفظ لك سمعتك..
ابق إذن..كل واشرب ونم نوماً هنيئاً بالكرامة والقيم..ازرع نبلاً واحصد فقراً،
وليزرع الآخرون حنطة عفنه، ليحصدوا بيادر من ذهب..
انتابه القلق ..وراح يتهم نفسه، ويزجرها ويعنفها تارةً، ويعاتبها ويحنو عليها..يا أنت يا نفس..
يا محتوى الذل والكرامة معاً، يا أيتها القادرة على احتمالي...يا..
كان في حالة جزع من هذا الإرباك الذي تسبب به ذلك الحادث..فقد فوجئ، وفوجئ كل من كان يغالب
صبره ..أن الشك صار جزءاً من طبع لا يحتمل..
كان توازن نفسه يتأرجح وسلوكه في حالة تردد أمام المغريات وبغية الدفاع عن نفسه، راح يبعد كل شئ عنه، يتحدث به ،يدين من يمارسه..يفضح فاعليه.. ولا يسكت عن باطل استخدم صورة الحق، و لاحقٌ استخدم بصورة الباطل..وصار الكل يخشاه ويتأفف منه، حتى أصبح مكروهاً وغريباً.. بعد أن كان موطن الثقة
والمحبة، وبذل جهداً من اجل ان يسكت ...والقول أن الأمر لا يعينه وان السكوت عن كل ما هو باطل ..باطل بالنتيجة..
وازداد حرصه ، وازداد رفضه ، وازدادت مع الحرص والرفض سمات الكراهية والتوجس..
ثم ........راحت الأوراق تختفي، والأسئلة والشكوك تدور في أمر اختفائها يعود اليه..
راحت تحسب عليه أنفاسه . ودقة حضوره وخروجه .. وحاول بسعي حثيث ألا يترك ثغرة لإدانته..إلا أن ما جرى اليوم كان فوق الاعتبار..
فهل يحتمل نفسه حين يصل إلى الحقيقة كونه لصــاً؟
وهل بمقدور احد أن يعرف بخصائص الأدوات المسروقة سواه..وسواه هل يفعل، وسواه..هل يجرؤ على اتهامه أحد؟
شفرات حادة راحت تمزقه.
ولم تكن به حاجة إلا إلى براءة نفسه من نفسه..فقد زرع الشك في ذاته..وراح يحدق في أصابعه..ويسأل هل يمكن
لهذه الأصابع ان تتلوث كما تلوث الكثيرون من زملائه؟
ابعد عنه كل شئ..فجـــأة!
وفجـــأة رأى نفسه في عيون نفسه...
ذلك انه وصل إلى قناعه..بأن ما حدث ، بإهمال منه حين ترك حقيبته ولم يتحصن، ولم يحرص على الكيد الذي يلاحقه..
- ولكن هل كان لموسى اثبات حقيقية انه ليس قريناً بلص قتل معه..
- حقيقة موسى هي حقيقتك انت..فلتعدم لصاً مع اللصوص..وبعدك سيأتي طوفان من الحقائق ..حدد الصور، حدد حقيبته البريئة..و أحس بارتياح، ذلك انه أدرك جيداً أنه مجنـــــون الصدق..
==============
إضاءة
إذا كنت لا تقرأ إلا ما يعجبك ..فلن تتعلم أبداً!!