صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أبي سعيد الخدري :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف . قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي ، فجبذت بثوبه فجبذني ، فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيرتم والله ، قال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم ، فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة " .
ابن عمر
ورأى ابن عمر رضي الله عنه فسطاطاً على قبر عبد الرحمن بن عوف فقال : " انزعه يا غلام ، فإنما يظله عمله .
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال : " كان أصحاب عبد الله- أي : ابن مسعود - يستقبلون الجواري معهن الدفوف في الطرق فيخرقونها " .
وعن محمد بن أبي هارون أن مثنى الأنباري حدثهم قال : سمع أحمد بن حنبل حسَّ طبل في جواره فقام إليهم من مجلسنا حتى أرسل إليهم فنهاهم .
أبو مسلم الخولاني :
أتى أبو مسلم الخولاني إلى معاوية بن أبي سفيان فقام بين السّماطين (أي الجماعة من الناس) فقال : السلام عليك أيها الأجير . فقال من عنده : أبا مسلم ، السلام عليك أيها الأمير . فقال أبو مسلم : السلام عليك أيها الأجير. فقال معاوية : دعوا أبا مسلم ، فإنه أعلم بما يريد . فقال : اعلم أنه ليس من أجير استرعي رعيّة إلا رب الرعية سائله عنها ، فإن داوى مرضاها وجبر كسراها ، وهنأ جرباها ، ورد أولاها على أخراها ، ووضعها في أنف من الكلأ وصفو من الماء ، وفاه أجره ، وإن كان لم يُداو مرضاها ، ولم يهنأ جرباها، ولم يجبر كسرها ، ولم يرد أولاها على أخراها ، ولم يضعها على أنف من الكلأ وصفو من الماء ، لم يؤته أجرها ، فانظر أين أنت يا معاوية من ذلك . فقال معاوية : يرحمك الله يا أبا مسلم .
وحبس معاوية بن أبي سفيان العطاء يوماً ( العطاء : مرتبات ثابتة لجميع أفراد الشعب تؤدى لهم من بيت المال ) فلما صعد المنبر ، قام إليه أبو مسلم الخولاني وقال : لم حبست العطاء يا معاوية ؟ إنه ليس من كدّك وكد أبيك ولا كد أمك حتى تحبس . فغضب معاوية غضباً شديداً ونزل عن المنبر ، وقال للناس : مكانكم . وغاب عن أعينهم ساعة ، ثم عاد إليهم فقال : إن أبا مسلم كلّمني بكلام أغضبني ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل " وإني دخلت فاغتسلت ، وصدق أبو مسلم ، إنه ليس من كدي ولا كد أبي فهلموا إلى عطائكم .
عطاء بن أبي رباح :
والتابعي الجليل عطاء بن أبي رباح رحمه الله دخل على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك : يا أبا محمد حاجتك ؟ قال : يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة ، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس ، واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين ، وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤول عنهم ، واتق الله فيمن يقف على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق دونهم الباب ، فقال له : أفعل ، ثم ]نهض وقام ..
سعيد بن المسيب :
قال رحمه الله : لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم ، لكيلا تحبط أعمالكم.
قال عبد الله بن جعفر : استعمل ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة ، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير ، فقال سعيد بن المسيّب : لا ، حتى يجتمع الناس ، فضربه ستين سوطاً ، فبلغ ذلك الزبير ، فكتب إلى جابر يلومه ويقول : ما لنا ولسعيد دعه .
سعيد بن جبير :
قالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: فَأَخْبَرَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:
أَتَيْنَا سَعِيْداً، فَإِذَا هُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ، وَبِنْتُهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَكَتْ، وَشَيَّعْنَاهُ إِلَى بَابِ الجِسْرِ، فَقَالَ الحَرَسُ لَهُ: أَعْطِنَا كَفِيْلاً، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ تُغْرِقَ نَفْسَكَ.
قَالَ: فَكُنْتُ فِيْمَنْ كَفَلَ بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ: ائْتُوْنِي بِسَيْفٍ عَرِيْضٍ.
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ ابْنُ جُبَيْرٍ لاَ يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ الحَجَّاجُ إِذَا أَتَى بِالرَّجُلِ -يَعْنِي: مِمَّنْ قَامَ عَلَيْهِ- قَالَ لَهُ: أَكَفَرْتَ بِخُرُوْجِكَ عَلَيَّ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، خَلَّى سَبِيْلَهُ. فَقَالَ لِسَعِيْدٍ: أَكَفَرْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: اخْتَرْ أَنْتَ، فَإِنَّ القِصَاصَ أَمَامَكَ.
ابن أبي ذئب
وهذه قصة الإمام محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب القرشي العامري : " لما حج أبو جعفر المنصور دعاه وقال له : نشدتك الله ألست أعمل بالحق ؟ أليس تراني أعدل ؟
فقال ابن ذئب رحمه الله : أما إذ أنشدتني بالله فأقول : ما أراك تعدل ، وإنك لجائر ، وإنك لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير .
فجزع أبو جعفر وقال له : قم فاخرج .
ولما دخل المنصورُ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قام الناس إلا ابن أبي ذئب فقيل له : قم ، قال : إنما يقوم الناس لرب العالمين .
سفيان الثوري :
قال يحيى بن يمان : سمعت سفيان ـ الثوري ـ يقول : إني لأرى المنكر ، فلا أتكلّم فأبول دماً .
قال القعقاع بن حكيم : كنت عند المهديّ وأُتي بسفيان الثوري كبير علماء المسلمين في عصره ، فلما دخل عليه سلّم ، ولم يسلّم بالخلافة ، والربيع قائم على رأسه متكئاً على سيفه يرقب أمره ، فأقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال له : يا سفيان تفرّ هنا وهاهنا ، تظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك ، فقد قدرنا عليك الآن ، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا ؟ قال سفيان : إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر ، يفرق بين الحقّ والباطل . فقال الربيع له : يا أمير المؤمنين ، ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا ؟ أتأذن لي أن أضرب عنقه .
فقال له المهدي : اسكت ، ويلك ، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى لسعادتهم ، اكتبوا عهده على قضاء الكوفة ، على أن لا يُعترض عليه في حُكم . فكتب عهده ودفعه إليه ، فأخذه وخرج ورمى به في دجلة وغاب عن أنظار الناس ، فطُلب في كلّ بلد فلم يُوجد ، فعُين مكانه شريك النخعي . صلاح الأمة 3128-129
الأوزاعي وعبد الله بن علي . السير 7/123 :
قال الأوزاعي : لما فرغ عبد الله بن علي من قتل بني أمية بعث إليّ وكان قتل يومئذ نيفا وسبعين منهم ، فدخلت عليه والناس صفان . فقال : ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه ؟ فتفكرت ثم قلت لأصدقنه واستبسلت للموت ، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث الأعمال بالنيات ، وبيده قضيب ينكت به ، ثم قال : ما تقول في قتل أهل هذا البيت [يعني بني أمية] قلت فرويت له قول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) . فقال : أخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك عليٌ رضي الله عنه أحداً يتقدمه . قال : فما تقول في أموال بني أمية ؟ قلت : إن كانت لهم حلالا فهي عليك حرام ، وإن كانت عليهم حراما فهي عليك أحرم . فأمرني فخرجت . فقمت فجعلت لا أخطو خطوة إلا قلت إن رأسي يقع عندها .
قال الذهبي : قلت : قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا سفاكا للدماء صعب المراس ومع هذا فالإمام الأزواعي يصدعه بمر الحق كما ترى لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف ويقلبون لهم الباطل حقا قاتلهم الله أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق اهـ
ابن النابلسي السير (16/148)
الإمام القدوة الشهيد أبو بكر ابن النابلسي
طلبه جوهر القائد - في دولة العبيديين - فقال له : " بلغنا أنك قلت : إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب عليه أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة ؟ قال رحمه الله : ما قلت هذا ، بل قلت : إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً ، فإنكم غيرتم الملة ، وقتلتم الصالحين وادعيتم نور الإلهية .
فأمر جوهر القائد بأن يُسلخ من جلده ، فطرح على وجهه بالأرض وشق السلاخون عرقوبيه ، ونفخ كما تنفخ الشاة ، ثم سلخ وهو في كل هذا يقرأ القرآن بصوت قوي ، ثم غشي عليه ، ومات رحمه الله .
قال أبو ذر الحافظ : سمعت الدراقطني يذكره ويبكي ويقول : " كان يقول وهو يُسلخ { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } . " سير أعلام النبلاء " ( 16 / 148 ، 149 ) .
الشيخ شمس الدين والسلطان بازيد
حضر السلطان بازيد بن محمد - أحد سلاطين العثمانيين - إلى المحكمة الشرعية بين يدي الشيخ شمس الدين محمد بن حمزة قاضي المحكمة القسطنطينة ليشهد أمامه في قضية من القضايا ، فما كان من الشيخ إلا أن ردّ شهادة السلطان ولم يقبلْها ، وسأل السلطانُ الشيخ عن أسباب رد شهادته ، فقال له الشيخ : إنك تارك للصلاة مع الجماعة .
فابتسم السلطان ، ثم أمر ببناء مسجدٍ أمام دارِه ، ولم يترك صلاة الجماعة بعد ذلك . ( أقباس روحانية لشيث خطاب )
اليونيني ، عبد الله بن عثمان بن جعفر :
جلس بين يديه المعظّم وطلب الدعاء منه . فقال : يا عيسى لا تكن نحساً مثل أبيك ، أظهر الزغل ـ العملة المغشوشة ـ وأفسد على الناس المعاملة .
أبو إسماعيل الأنصاري الهروي . السير (18/503)
شيخ الإسلام الإمام القدوة الحافظ مصنف كتاب ذم الكلام
وكان رحمه الله سيفا مسلولا على المتكلمين
وكان جبلاً راسياً في السنة لا يتزلزل ولا يلين
قال رحمه الله : عرضتُ على السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك ، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك . فأقول : لا أسكت .
القاضي المنذر بن سعيد البلوطي قاضي قرطبة . السير (16/177)
عمل أمير المؤمنين قبةً بالذهب والفضة وجلس فيها ودخل الأعيان فجاء منذر بن سعيد فقال له الخليفة كما قال لمن قبله هل رأيت أو سمعت أن أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا ؟ فأقبلت دموع القاضي تتحدر ثم قال : والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ أن أنزلك منازل الكفار . قال : لم ؟ فقال : قال الله عز وجل : (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) الزخرف . فنكس الخليفة رأسه طويلا ثم قال : جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين ، الذي قلت هو الحق ، وأمر بنقض سقف القبة