هل ابن صياد هو الدجال الأكبر ؟
مضى في الكلام على أحوال ابن صياد وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمر ابن صياد ، لأنه لم يوحَ إليه أنه الدجال ولا غيره .
وكان عمر رضي الله عنه يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال ، ولم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يرى رأي عمر ، ويحلف أن ابن صياد هو الدجال ، كما ثبت ذلك عن جابر ، وابن عمر ، وأبي ذر .
ففي الحديث عن محمد بن المكندر قال : ( رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله إن ابن صياد هو الدجال . قلت : تحلف بالله ؟! قال : إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري .
وعن نافع قال : ( كان ابن عمر يقول : والله ما أشكُّ أن المسيح الدجال ابن صياد ) رواه أبو داوود .
وعن زيد بن وهب قال : ( قال أبو ذر رضي الله عنه : لأن أحلف عشر مرات أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به ) رواه الإمام أحمد .
وعن نافع قال : لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة ، فقال له قولاً أغضبه ، فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها ، فقالت له : رحمك الله ! ما أردت من ابن صائد ؟! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما يخرُجُ من غضبةٍ يغضبها ؟! ) رواه مسلم .
وفي رواية عن نافع قال : قال ابن عمر : لقيته مرتين ، قال : فلقيته ، فقلت لبعضهم : هل تَحَدَّثون أنه هو ؟ قال : لا والله . قال : قلت : كذبتني ، والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالاً وولداً ، فكذلك هو زعموا اليوم . قال : فتحدَّثنا ، ثم فارقته . قال : فلقيته مرة أخرى وقد نفرت عينيه . قال : فقلت : متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري . قلت : لا تدري وهي في رأسك ؟! قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه . قال : فنخر كأشد نخير حمار سمعت . قال : فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت ، وأما أنا فوالله ما شعرتُ . قال : وجاء حتى دخل على أم المؤمنين ، فحدَّثها ، فقالت : ما تريد إليه ؟! ألم تعلم أن صلى الله عليه وسلم قد قال : ( إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه ) رواه مسلم .
وكان ابن صياد يسمع ما يقوله الناس فيه ، فيتأذى من ذلك كثيراً ، ويدافع عن نفسه بأنه ليس الدجال ، ويحتج على ذلك بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الدجال لا تنطبق عليه .
ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( خرجنا حجاجاً أو عُماراً ومعنا ابن صائد . قال : فنزلنا منزلاً ، فتفرق الناس ، وبقيتُ أنا وهو ، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يُقال عليه . قال : وجاء بمتاعه ، فوضعه مع متاعي . فقلت : إن الحر شديد ، فلو وضعته تحت تلك الشجرة . قال : ففعل . قال : فرُفِعت لنا غنم ، فانطلق ، فجاء بعس [ وهو القدح الكبير ] فقال : اشرب أبا سعيد ! فقلت : إن الحر شديد ، واللبن حار . ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده ، أو قال : آخذ عن يده . فقال : أبا سعيد ! لقد هممت أن آخذ حبلاً ، فأعلقه بشجرة ، ثم أختنق مما يقول لي الناس . يا أبا سعيد ! من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما خفي عليكم معشر الأنصار . ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو كافر ؟ وأنا مسلم . أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو عقيم لا يولد له ؟ وقد تركت ولدي بالمدينة . أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل المدينة ولا مكة ؟ وقد أقبلتُ من المدينة ، وأنا أُريد مكة . قال أبو سعيد الخدري : حتى كدت أن أعذره . ثم قال : أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده ، وأين هو الآن . قال : قلت له : تباً لك سائر اليوم ) رواه مسلم .
وقال ابن صياد في رواية : ( أما والله إني لأعلم الآن حيث هو ، وأعرف أباه وأمه . قال : وقيل له : أيسرك أنك ذاك الرجل ؟ فقال : لو عُرض علي ما كرهت ) رواه مسلم .
وقد التبس على العلماء ما جاء في ابن صياد ، وأشكل عليهم أمره
فمن قائل : إنه الدجال . ويحتج على ذلك بما سبق ذكره من حلف بعض الصحابة رضي الله عنهم على أنه الدجال ، وبما كان من أمره مع ابن عمر وأبي سعيد رضي الله عنهم .
وذهب بعض العلماء إلى أن ابن صياد ليس هو الدجال ، ويحتج على ذلك بحديث تميم الداري رضي الله عنه .