هل الدجال حيُّ ؟ وهل كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وقبل الجواب عن هذين السؤالين لا بد من معرفة حال ابن صياد ، هل هو الدجال أو غيره ؟
وإذا كان الدجال غير ابن صياد ، فهل هو موجود قبل أن يظهر بفتنته أو لا ؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة نُعرِّف بابن صياد :
ابن صياد
اسمه هو صافي ـ وقيل : عبد الله ـ بن صياد أو صائد .
كان من يهود المدينة ، وقيل : من الأنصار ، وكان صغيراً عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
وذكر ابن كثير أنه أسلم ، وكان ابنه عمارة من سادات التابعين ، روى عنه الإمام مالك وغيره .
وترجم له الذهبي في كتابه [ تجريد أسماء الصحابة ] ، فقال : [ عبد الله بن صياد ، أورده ابن شاهين ، وقال : هو ابن صائد ، كان أبوه يهودياً ، فولد عبد الله أعور مختوناً ، وهو الذي قيل : إنه الدجال ، ثم أسلم ، فهو تابعي ، له رؤية ] .
وترجم له الحافظ ابن حجر في [ الإصابة ] ، فذكر ما قاله الذهبي ، ثم قال : [ ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد ، وكان من خيار المسلمين ، من أصحاب سعيد بن المسيب ، روى عنه مالك وغيره ] .
ثم ذكر جملة من الأحاديث في شأن ابن صياد ، كما سيأتي ذكرها فيما بعد .
ثم قال : [ وفي الجملة لا معنى لذكر ابن صياد في الصحابة ، لأنه إن كان الدجال ، فليس بصحابي قطعاً ، لأنه يموت كافراً ، وإن كان غيره ، فهو حال لُقيِّهُ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مسلماً ] .
لكن إن أسلم بعد ذلك ، فهو تابعي له رؤية ، كما قال الذهبي .
أحواله
كان ابن صياد دجالاً ، وكان يتكهن أحياناً فيصدق ويكذب ، فانتشر خبره بين الناس ، وشاع أنه الدجال .
امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له
لما شاع بين الناس أمر ابن صياد ، وأنه هو الدجال ، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطّلع على أمره ، ويتبين حاله ، فكان يذهب إليه مختفياً حتى لا يشعر به ابن صياد ، رجاء أن يسمع منه شيئاً ، وكان يوجه إليه بعض الأسئلة التي تكشف عن حقيقته .
ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قِبل ابن صياد ، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أُطُم بن مغالة ، وقد قارب ابن صياد الحلم ، فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم قال لابن صياد : ( أتشهد أني رسول الله ؟ ) فرفضه ، وقال : ( آمنت بالله ورسله ) . فقال له : ( ما ترى ؟ ) قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خلط عليك الأمر ) . ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني خبأت لكـ خبيئاً ؟ ) . فقال ابن صياد : هو الدُّخ . فقال : ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) . فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنقه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن يكنه ، فلن تسلط عليه ، وإن لم يكنه ، فلا خير لك في قتله ) . رواه البخاري .
[ أطم ] : بناء مرتفع كالحصن ، وجمعه آطام .
[ مغالة ] : بطن من الأنصار .
[ الدُّخ ] : يريد الدخان لكنه قطمها على طريقة الكهان ، كما سيأتي بيان ذلك .
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( ما ترى ؟ ) . قال : أرى عرشاً على الماء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ترى عرش إبليس على البحر ، وما ترى ؟ ) قال : أرى صادقين وكاذباً ، أو كاذبين وصادقاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لُبِّس عليه ، دعوه ) رواه مسلم .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد ، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع ـ يعني : في قطيفة له فيها رمزة أو زمرة ـ فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتَّقي بجذوع النخل ، فقالت لابن صياد : يا صافِ ـ وهو اسم ابن صياد ـ هذا محمد صلى الله عليه وسلم . فثار ابن صياد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو تركته بيَّن ) رواه البخاري .
[ رمزة أو زمرة ] : على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها ، ومعنى ( رمزة ) : فعلة من الرمز ، وهو الإشارة . وأما ( زمرة ) : من الزمر ، والمراد حكاية صوته .
وقال أبو ذر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى أمه ، قال : ( سلها كم حملت به ؟ ) . فأتيتها ، فسألتها ، فقالت : حملت به اثني عشر شهراً . قال : ثم أرسلني إليها ، فقال : ( سلها عن صيحته حين وقع ؟ ) قال : فرجعت إليها ، فسألتها ، فقالت : صاح صيحة الصبي ابن شهر . ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني قد خبأت لك خبئاً ) . قال : خبأت لي خطم شاة عفراء والدخان . قال : فأراد أن يقول الدخان ، فلم يستطع ، فقال : الدُّخ ، الدُّخ ) رواه أحمد .
فامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بـ ( الدخان ) ، ليتعرف على حقيقة أمره .
والمراد بالدخان هنا قوله تعالى : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " [ الدخان : 10 ] .
فقد وقع في رواية ابن عمر عند الإمام أحمد : ( إني قد خبأت لك خبيئاً ، وخبأ له : " يوم تأتي السماء بدخان مبين " ) رواه أحمد .
قال ابن كثير : [ إن ابن صياد كاشف على طريقة الكهان ، بلسان الجان ، وهم يقرطون ـ أي يقطعون ـ العبارة ، ولهذا قال : هو الدُّخ ، يعني : الدخان ، فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته ، وأنها شيطانية ، فقال له : ( اخسأ ، فلن تعدو قدرك ) ] .
وفاته
عن جابر رضي الله عنه قال : ( فقدنا ابن صياد يوم الحرة ) رواه أبو داوود .
وقد صحح ابن حجر هذه الرواية ، وضعَّف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة ، وأنهم كشفوا عن وجهه ، وصلوا عليه .