صفة الدجال والأحاديث الواردة في ذلك
الدجال رجل من بني آدم ، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث ، لتعريف الناس به ، وتحذيرهم من شره ، حتى إذا خرج ، عرفه المؤمنون ، فلا يفتنون به ، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم .
وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس ، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة ، نسأل الله العافية .
ومن هذه الصفات أنه رجل ، شاب ، أحمر ، قصير ، أفحج ، جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بنائتة ، ولا جحراء ، كأنها عنبة طافئة ، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة ، ومكتوب بين عينيه [ ك ف ر ] بالحروف المقطعة ، أو [ كافر ] بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب ، ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له .
[ نائتة ] : مأخوذة من النتوء ، وهو الارتفاع والانتفاخ ، أي أن عينه ليست بارزة .
[ جحراء ] : أي ليست غائرة منجحرة في نقرتها .
[ ظفرة ] : لحمة تنبت عند المآقي ، وقد تمتد إلى السواد فتغشاه .
و [ المآقي ] : هو مقدمة العين .
وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي جاء فيها ذكر صفاته السابقة ، وهي من الأدلة على ظهور الدجال :
1 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما أنا نائم أطوف بالبيت ... ( فذكر أنه رأى عيسى بن مريم عليه السلام ، ثم رأى الدجال ، فوصفه ، فقال : ) فإذا رجل جسيم ، أحمر ، جعدُ الرأس ، أعور العين ، كأن عينه عنبة طافئة ، قالوا : هذا الدجال أقرب الناس به شبهاً ابن قطن ) . رواه البخاري .
[ ابن قطن ] : اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو الخزاعي ، وقيل من بني المصطلق من خزاعة ، وأمه هالة بنت خويلد ، وليس له صحبة ، فقد هلك في الجاهلية .
2 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس ، فقال : ( إن الله تعالى ليس بأعور ، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ) . رواه البخاري .
3 ـ وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه : قال صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال : ( إنه شاب ، قطط ، عينه طافية ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ) . رواه مسلم .
[ قطط ] : شديد جعودة الشعر .
4 ـ وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مسيح الدجال رجل ، قصير ، أفجع ، جعد ، أعور ، مطموس العين ، ليس بنائتة ولا جحراء ، فإن ألبس عليكم ، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور ) . رواه أبو داوود .
5 ـ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأما مسيح الضلالة ، فإنه أعور العين ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، فيه دفأ ) رواه أحمد .
[ دفأ ] : رجل أدفى أي فيه انحناء .
6 ـ وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( الدجال أعور العين اليسرى ، جفال الشعر ) . رواه مسلم .
[ جفال الشعر ] : أي كثيره .
7 ـ وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( وإن بين عينيه مكتوب كافر ) . رواه البخاري .
وفي رواية : ( ثم تهجاها ( ك ف ر ) ، يقرؤه كل مسلم ) . رواه مسلم .
وفي رواية عن حذيفة : ( يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ) رواه مسلم .
وهذه الكتابة حقيقية على ظاهرها ـ خلافاً لمن قال : إنها مجاز عن سمة الحدوث ، فإنه مذهب ضعيف ـ ، ولا يشكل رؤية بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض ، وقراءة الأمي لها ، (( وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء ، فهذا يراه المؤمن بعين بصره ، وإن كان لا يعرف الكتابة ، ولا يراه الكافر ، ولو كان يعرف الكتابة ، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ، ولا يراه الكافر ، فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم ، لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات )
قال النووي : [ الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية ، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ، يظهرها الله تعالى لكل مسلم ، كاتب وغير كاتب ، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ، ولا امتناع في ذلك ) .
8 ـ ومن صفاته أيضاً ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في قصة الجساسة ، وفيه قال تميم رضي الله عنه : ( فانطلقنا سراعاً ، حتى دخلنا الدِّير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط ، وأشده وثاقاً ) . رواه مسلم .
9 ـ وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ) . رواه مسلم .
10 ـ وأما أن الدجال لا يولد له ، فلما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصته مع ابن صياد ، فقد قال لأبي سعيد : ( ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه لا يولد له ؟ قال : قلت : بلى ) . رواه مسلم .
والملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور ، وفي بعضها وصف عينه اليسرى بالعور ، وكل الروايات صحيحة ، وهذا فيه إشكال .
فذهب الحافظ ابن حجر إلى أن حديث ابن عمر الوارد في الصحيحين والذي جاء فيه وصف عينه اليمنى بالعور أرجح من رواية مسلم التي جاء فيها وصف عينه اليسرى بالعور ، لأنه المتفق على صحته أقوى من غيره .
وذهب القاضي عياض إلى أن عيني الدجال كلتيهما معيبة ، لأن الروايات كلها صحيحة ، وتكون العين المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة ـ بالهمز ـ أي : التي ذهب ضوؤها ، وهي العين اليمنى ، كما في حديث ابن عمر . وتكون العين اليسرى التي عليها ظفرة غليظة ، وهي الطافية ـ بلا همز ـ معيبة أيضاً ، فهو أعور العين اليمنى واليسرى معاً ، فكل واحدة منهما عوراء ، أي : معيبة ، فإن الأعور من كل شيء : المعيب ، لا سيما ما يختص بالعين ، فكلا عيني الدجال معيبة عوراء ، إحداهما بذهابها ، والأخرى بعيبها .
قال النووي في هذا الجمع : [ هو في نهاية من الحسن ] .
ورجحه أبو عبد الله القرطبي .