المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد وفاة حاكم الكويت والإمارات والأردن وسوريا والمغرب ...هل نسمع بهذا القرار قريبا ؟؟


البارق
01-17-2006, 05:50 PM
كم نتمنى أن نسمع بتطبيق شرع الله عز وجل ورمي أحكام القونيين
الوضعية التي استجلبت البلاء واستنزلت العقوبة من الله عز وجل

لا شك أن تنحية شرع الله تعالى، وعدم التحاكم إليه في شئون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في مجتمعات المسلمين، ولقد كانت عواقب الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حل بهم من أنواع الفساد، وصنوف الظلم، والذل والمحق. ونظرًا لأهمية وخطورة هذه المسألة من جانب، وكثرة اللبس فيها من جانب آخر، فسوف نتناول منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين، وضرورة التحاكم إلى شرع الله.


منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين، وضرورة التحاكم إلى شرع الله:

1- فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب: قال تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ...[105]} [سورة النساء].

2- اختصاصه سبحانه وتفرده بالحكم: قال تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ...[40]} [سورة يوسف]، وقال عز وجل:{ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[70]} [سورة القصص]، وقال سبحانه:{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[10]} [سورة الشورى].

3- التأكيد على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله -وهو حكم الطاغوت والجاهلية- من صفات المنافقين: قال سبحانه:{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ[47]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ[48]وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُالْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ[49]أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[50] إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[51]} [سورة النور].

وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[59]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[60] وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[61]فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا[62]} [سورة النساء].

يقول ابن تيمية عن هذه الآيات:'ذم الله عز وجل المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيرًا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك- يقصد رحمه الله التتر- وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضًا، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات'[الفتاوى 12/339-340، بتصرف يسير].

ويقول أيضا:'ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء أن لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما حكم ويسلموا تسليمًا'[الفتاوى 7/37-38].

أهمية إفراد الله تعالى بالحكم، وبيان منزلة الحكم بما أنزل الله:

1- منزلته من توحيد العبادة: إن الحكم بما أنزل الله وحده هو إفراد الله بالطاعة، والطاعة نوع من أنواع العبادة، فلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، قال تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ...[40]} [سورة يوسف]، فعبادة الله تقتضي إفراده بالتحليل والتحريم، حيث قال سبحانه:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[31]} [سورة التوبة].

وتحقيق هذه الطاعة، وإفراد الله تعالى بالحكم والانقياد لشرعه هو حقيقة الإسلام، وكما قال ابن تيمية:'فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته دونه' [الفتاوى 3/ 91، وانظر النبوات ص 69- 70].

ويقول ابن القيم:'وأما الرضا بدينه، فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى، رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه، أو هواه، أو قول مقلده وشيخه وطائفته' [مدارج السالكين 2/118].

وفي المقابل فإن من أشرك مع الله في حكمه، فهو كالمشرك في عبادته، لا فرق بينهما، كما قال الشنقيطي رحمه الله:'الإشراك بالله في حكمه، والإشراك في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظامًا غير نظام الله، وتشريعًا غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله' [الحاكمية في تفسير أضواء البيان، لعبد الرحمن السديس، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 7/162].

ويقول أيضًا:'ويفهم من هذه الآية:{...وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[26]}[سورة الكهف] . أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبينًا في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله:{ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[121]}[سورة الأنعام].

فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى، هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[60]وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[61]}[سورة يس]. وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم:{ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا[44]}[سورة مريم]'[ أضواء البيان 4/83 و 3/440].

ولتحقيق نفي الإلهية عما سوى الله، وإثباتها لله وحده؛ فإنه يجب الكفر بالطاغوت، كما قال تعالى: {...فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[256]} [سورة البقرة] .

وقد سمى الله تعالى الحكم بغير شرعه طاغوتًا، حيث قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[60]} [سورة النساء]. والطاغوت عام، فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت [انظر أعلام الموقعين 1/49 - 50، وانظر رسالة معنى الطاغوت لمحمد بن عبد الوهاب 'مجموعة التوحيد' ص 260].

2- منزلته من التوحيد العلمي الخبري:الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله المتبوعين في غير ما أنزل الله أربابًا لمتبعيهم، فقال سبحانه:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[31]} [سورة التوبة][ انظر المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 1/33].

ويقول ابن حزم - عن قوله تعالى:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا...} -:'لما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم، ويحلون ما أحلوا، كانت هذه ربوبية صحيحة، وعبادة صحيحة، قد دانوا بها، وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة، وهذا هو الشرك بلا خلاف' [الفِصَل 3/266].

ويقول ابن تيمية - في هذا الشأن -:'قد قال تعالى:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا...}. وفي حديث عدي بن حاتم -وهو حديث حسن- وكان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصراني، فسمعه يقرأ هذه الآية... بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، لا أنهم صلوا لهم، وصاموا لهم، ودعوهم من دون الله، فهذه عبادة الرجال، وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الفتاوى 7 / 67].

إضافة إلى ذلك: فإن ' الحَكَم ' من أسماء الله تعالى الحسنى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: [...إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ...]رواه أبوداود والنسائي. وقال تعالى:{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا...[114]} [سورة الأنعام]. والإيمان بهذا الاسم يوجب التحاكم إلى شرع الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {...وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[26]}[سورة الكهف] .

وقد بين الله تعالى صفات من يستحق أن يكون الحكم له: قال الشنقيطي رحمه الله مبينًا ذلك:'فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع، قوله تعالى:{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ...}، ثم قال مبينًا صفات من له الحكم:{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[10]فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[11]لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[12]} [سورة الشورى].

فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجا..؟ فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقبلوا تشريعًا من كافر خسيس حقير جاهل.

ومن الآيات الدالة على ذلك: قوله تعالى:{...لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا[26]} [الكهف:26]، فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأنه الإله الواحد؟ وأن كل شيء هالك إلا وجهه؟ وأن الخلائق يرجعون إليه؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته.

ومنها قوله تعالى:{...إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ[57]}[سورة الأنعام]، فهل فيهم من يستحق أن يوصف بأنه يقص الحق، وأنه خير الفاصلين؟

ومنها قوله تعالى:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ[59]} [يونس:59]، فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي ينزل الرزق للخلائق، وأنه لا يمكن أن يكون تحليل ولا تحريم إلا بإذنه؛ لأن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحريم؟ سبحانه جل وعلا أن يكون له شريك في التحليل والتحريم] [أضواء البيان 7/173 -168، باختصار].

3 - منزلته من توحيد الاتباع: والمقصود بتوحيد الاتباع: تحقيق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتوحيد الاتباع هو توحيد الرسول بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان [انظر شرح العقيدة الطحاوية 1/228]، وإذا كان الأمر كذلك، فلا شك أن الحكم بما أنزل الله هو توحيد الاتباع.

قال الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[65]} [سورة النساء]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية:'يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرًا وباطنًا'.

ويقول ابن القيم عن هذه الآية:'أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسمًا مؤكدًا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض...' [البيان في أقسام القرآن ص 270].

كما أن الحكم بما أنزل الله هو تحقيق للرضى بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيًا: ولذا يقول ابن القيم:'وأما الرضى بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه' [مدارج السالكين 2/172-173].

بل إن الحكم بما أنزل الله تعالى هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله: وكما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:'ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وأن لا يعبد إلا بما شرع' [مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/190، وانظر تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله ص 554-555].

ولذا يقرر الشيخ محمد بن إبراهيم أن تحكيم شرع الله تعالى وحده هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله بقوله:'وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الْمُتَّبَعَ الْمُحَكَّمَ ما جاء به فقط، ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلًا وتركًا وتحكيمًا عند النزاع' [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 12/251، 'رسالة تحكيم القوانين'].

4- منزلته من الإيمان: يقول الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[59]} [سورة النساء]. فعد الشارع هذا التحكيم إيمانًا، يقول ابن حزم:'فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم إيمانًا، وأخبر الله تعالى أنه لا إيمان إلا ذلك، مع أنه لا يوجد في الصدر حرج مما قضى، فصح يقينًا أن الإيمان عمل وعقد وقول ؛ لأن التحكيم عمل، ولا يكون إلا مع القول، ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد' [الدرة ص 238].

ويقول ابن تيمية:'فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة، أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين، أو الدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه' [الفتاوى 28/471، و35/336،407].

وتحكيم شرع الله، ورد النزاع إلى نصوص الوحيين شرط في الإيمان: كما قال الله تعالى:{...فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[59]} [سورة النساء].

ولذا يقول ابن القيم: 'إن قوله:{...فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ...} نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين: دقه وجله، جليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله وبيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيًا لم يأمر بالرد إليه؛ إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع. ومنها أن جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سميا التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم، وأن عاقبته أحسن عاقبة' [أعلام الموقعين 1/49-50].

ويقول ابن كثير:'فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله، وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى:{ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر' [تفسير ابن كثير 3/209].

فالتحاكم إلى غير الشرع - وهو حكم الطاغوت والجاهلية - ينافي الإيمان، وهو من علامات النفاق : يقول الشيخ السعدي في هذا الصدد:'الرد إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان. فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت كما جاء في الآية:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا...[60]}[سورة النساء]. فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه، في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في ذلك...' [تفسير السعدي 2/90، باختصار].

ومما كتبه الشيخ محمد بن إبراهيم في هذا المقام قوله: [إن قوله تعالى :{...يَزْعُمُونَ...[60]}[سورة النساء]. تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلًا، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه] [رسالة تحكيم القوانين].

ولا شك أن تحكيم الشريعة انقياد وخضوع لدين الله تعالى، وإذا كان كذلك فإن عدم تحكيم هذه الشريعة كفر إباء ورد امتناع، وإن كان مصدقا بها، فالكفر لا يختص بالتكذيب فحسب كما زعمت المرجئة:

يقول ابن تيمية:'فمن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار، كقوله تعالى:{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ[42]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ[43]} [سورة القلم] ' [الفتاوى 7/611، وانظر كتاب الصلاة لابن القيم ص 54].

ويقول ابن عبد البر:'قد أجمع العلماء أن من دفع شيئا أنزله الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر] [التمهيد 4 /226].

تحكيم الشريعة استجابة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيه الحياة والصلاح: كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...[24]} [سورة الأنفال].

ورفض هذه الشريعة وعدم الاستجابة لها اتباع للهوى، فهو ضلال في الدنيا، وعذاب في الأخرى: ويقول تعالى:{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ...[50]} [سورة القصص].

ويحكي ابن القيم شيئا من عواقب تنحية حكم الله تعالى فقال:'لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليها، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان، وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير...' [الفوائد ص 42 -43].

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ-وذكر منها:- وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إَلَّا جَعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ] [رواه البيهقي وصححه الألباني، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/321]، وفي رواية: [وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ الله إَلَّا فَشَا فِيهُمُ الْفَقْرُ] [رواه الطبراني فى الكبير وحسنه الألباني، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/321].

وصدق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر إلى واقع بلاد المسلمين - الآن - يرى ما وقع في تلك البلاد من المصائب، وأنواع الفرقة والعداوة بينهم، وكذا التقاتل والتناحر، كما ظهر الفقر والتدهور الاقتصادي، مع أن في بلاد المسلمين - كما هو معلوم - أعظم الثروات وبمختلف الأنواع، وأعظم سبب في ذلك هو تنحية شرع الله، والتحاكم إلى الطاغوت والله المستعان.

ملخص من كتاب الشيخ عبد الرحمن المحمود

اخو من طاع الله
01-17-2006, 06:10 PM
الله يهدي الدوله الاسلاميه لتحكيم الشرع الحنيف

الله يجزاك خير