عبدالله عابد
02-28-2016, 05:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
= موقف السلف من أهل البدع
توضيح: أهل البدع هم المخالفون في أصول الدين كتوحيد الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات ويدخل في هذا:
الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والصوفية والإباضية والشيعة بقسميهم الرافضة والزيدية والقدرية والجبرية والمشبهة
أو من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة مما أمر الله به أو نهى عنه أو أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله.
أولا: بغض السلف لأهل البدع ونهيهم عن مجالسة المبتدعة (تحقيقا لعقيدة الولاء والبراء)
تنبيه: قوله "النهي عن مجالسة المبتدعة" أي طلب العلم على علماء أهل البدع
عن ابن عباس – رضي الله عنه - قال: "ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
[رواه الآجري في الشريعة ص:213]
وعن ابن عون – رحمه الله - قال: "لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا"
[رواه الآجري في الشريعة ص:219].
قال شعبة – رحمه الله -: "كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي"
[أخرجه نصر بن إبراهيم المقدسي في مختصر الحجة على تارك المحجة ص:460]
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة؛ فساق أهل السنة أولياء، وزهاد أهل البدعة أعداء الله"
[طبقات الحنابلة (1/184)]
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: "إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه"
[طبقات الحنابلة (1/196)]
وقال أيضاً: " أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم"
[الإبانة (2/475)]
وقال ابن المبارك – رحمه الله -: "اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي"
[رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140]
وقال الإمام الفضيل بن عياض – رحمه الله -: "لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة"
وقال: "من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه"
وقال: "آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد"
[الإبانة لابن بطة (2/460)]
وقال عبد الله بن داود: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة.
[انظر سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)]
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: " وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى"
[شرح السنة صـ 121]
وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -: "ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا … " ومما ذكره في هذا الشرح: " ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة"
[الشرح والإبانة ( ص 282)]
وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: "واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم"
[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123)]
وقال أيضاً: "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} "
[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 114-115)]
= منهج أهل السنة في معاملة كتب أهل البدع
قال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: سلام بن أبي مطيـع من الثقات، حدثنا عنه ابن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معايب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجـاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلام فأحرقه. قـال أبي: وكـان سلام من أصحاب أيوب وكان رجلاً صالحاً. (1)
وعن الفضل بن زياد أن رجلاً سأله عن فعل سلام بن أبي مطيع، فقال لأبي عبد الله: أرجو أن لا يضرّه ذاك شيئاً إن شاء الله؟ فقال أبو عبد الله: يضره!! بل يؤجر عليه إن شاء الله. (2)
وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن الكرابيسي وما أظهره؟ فكلح وجهه ثم قال: إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب. (3)
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. قال المروذي: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر منها أشد التحذير. (4)
وقال الإمام أحمد -أيضاً-: إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلاً ولا كثيراً، عليكم بأصحاب الآثار والسنن. (5)
وعن حرب بن إسماعيل قال: سألت إسحاق بن راهوية، قلت: رجل سرق كتاباً من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال: يرمي به. قلت: إنّه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه، قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة فاستعرته منه فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء. (6)
وقال الإمام مالك رحمه الله: لا تجوز الإجـارات في شيء من كتـب الأهـواء والبدع والتنجيم. (7)
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم: وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً. (8)
وقال الالكائي: ووجدت في كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي - رحمه الله - مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله rوأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، وترك النظر في موضع بدعهم (9) والتمسك بمذهب أهل الأثر.. وترك رأي الملبّسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين، وتـرك النظـر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه. (10)
وقال نعيم بن حماد: أنفقت على كتبه - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - خمسة دنانير ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها. (11)
وقد عقد الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد السِّجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت فصلاً في ذلك فقال: الفصل الحادي عشر في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب؛ لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.
ثم قال: اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه، أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء، وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت، والمعتمد فيهم قد عز، ومن يبيع دينه بعرض يسير، أو تحبباً إلى من يراه قد كثر، والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب على كل مسلم يحب الخلاص أن لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب، ولا يسلّم عنانه إلى من أظهر له الموافقة .. فمن رام النجاة من هؤلاء، والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب، والأثر - في كل ما يسمع ويرى؛ فإن كان عالماً بهما عرضه عليهما - واتباعه للسلف، ولا يقبل من أحد قولاً إلا طالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح .. وليحذر تصانيف من تغير حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذّر الترياق. (12)
وقال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي: شهدت أبا زرعة ـ وقد سئل عن الحارث المحاسـبي وكتبـه ـ فقال للسائل: إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليـس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم .. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البـدع. (13)
* تنبيه *
وهناك نوع ثالث من الجهمية نسيت أن أذكره وهم: المفوضة حيث يزعمون أن السلف الأوائل كانوا يفوضون معاني الصفات ولا تعتقد حقاً أن الجهمية وخصوصاً الاشاعرة يعتقدون أن السلف حقا مفوضة ! هم يعرفون أن السلف مثبتة للصفات على طريقة من يسمونهم بالمجسمة ! ولكن يجعلون دعوى السلف في التفويض حجة لصد الناس عن مذهب أهل السنة الذين يسمونهم هم المجسمة فيحشدون من كلام السلف - وهو قليل - المتشابه الذي قد يفهم منه أن السلف مفوضة وقد يفهم منه أن السلف مثبتة فيحتجون به على أن مراد السلف به هو التفويض ويتركون النصوص الكثيرة التي جائت عن السلف في إثبات الصفات استغلالا لجهل الناس وإحسان الظن بهم! فإذا مالوا معهم أدخلوا عليهم قاعدة أخرى وهي "مع اعتقاد أن ظاهر معاني الصفات غير مراد" وعندما يبتلع طعمهم الأخر سوف يرى هو بنفسه أنه بما أنه يجب اعتقاد أن الصفات على غير معانيها الظاهرة فليس له إلا أمران: - إما أن يجحد المعاني جملة وهو ما يريدونه - أو يضطر إلى التأويل الذي هو تحريف معاني الصفات إلى معاني لا تحتملها ولا تتعارض مع عقيدة الجهمية الأشاعرة في نفي الصفات! فانظر إلى خبث حيلهم ومكرهم بأهل الإسلام والسنة !!! فإذا تمككنت هذه البدعة من قلب من لم يرد الله به خيراً أصبح من شبه المستحيل أن يرجع عنها حتى لو عرف منهج السلف الحقيقي بل يصبح مثلهم محتالا خبيثاً والله المستعان
المراجع:
(1) العلل ومعرفة الرجال ( 1/253-254 ) .
(2) السنّة للخلال ( 3/511).
(3) المعرفة والتاريخ للفسوي ( 3/494 ) .
(4) هداية الأريب الأمجد لسليمان بن حمدان ( ص : 38 ) .
(5) السير (11/231).
(6) السنّة ( 3/511 ).
(7) جامع بيان العلم ( 2/942 ) .
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنّة للالكائي ( 1/197-202 ) .
(9) أي ترك النظر في المسائل التي ابتدعوها والعكوف على قراءة كتب الأثر وحسب.
(10) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ( 1/180 ) .
(11) الميزان ( 1/61 ) .
(12) (ص : 231-234 ).
(13) كتاب الضعفـاء لأبي زرعـة ،ضمـن كتـاب ( أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية ) ( 2 / 561-562 ) .
= موقف السلف من أهل البدع
توضيح: أهل البدع هم المخالفون في أصول الدين كتوحيد الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات ويدخل في هذا:
الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والصوفية والإباضية والشيعة بقسميهم الرافضة والزيدية والقدرية والجبرية والمشبهة
أو من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة مما أمر الله به أو نهى عنه أو أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله.
أولا: بغض السلف لأهل البدع ونهيهم عن مجالسة المبتدعة (تحقيقا لعقيدة الولاء والبراء)
تنبيه: قوله "النهي عن مجالسة المبتدعة" أي طلب العلم على علماء أهل البدع
عن ابن عباس – رضي الله عنه - قال: "ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
[رواه الآجري في الشريعة ص:213]
وعن ابن عون – رحمه الله - قال: "لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا"
[رواه الآجري في الشريعة ص:219].
قال شعبة – رحمه الله -: "كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي"
[أخرجه نصر بن إبراهيم المقدسي في مختصر الحجة على تارك المحجة ص:460]
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة؛ فساق أهل السنة أولياء، وزهاد أهل البدعة أعداء الله"
[طبقات الحنابلة (1/184)]
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: "إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه"
[طبقات الحنابلة (1/196)]
وقال أيضاً: " أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم"
[الإبانة (2/475)]
وقال ابن المبارك – رحمه الله -: "اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي"
[رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140]
وقال الإمام الفضيل بن عياض – رحمه الله -: "لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة"
وقال: "من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه"
وقال: "آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد"
[الإبانة لابن بطة (2/460)]
وقال عبد الله بن داود: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة.
[انظر سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)]
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: " وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى"
[شرح السنة صـ 121]
وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -: "ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا … " ومما ذكره في هذا الشرح: " ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة"
[الشرح والإبانة ( ص 282)]
وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: "واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم"
[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123)]
وقال أيضاً: "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} "
[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 114-115)]
= منهج أهل السنة في معاملة كتب أهل البدع
قال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: سلام بن أبي مطيـع من الثقات، حدثنا عنه ابن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معايب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجـاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلام فأحرقه. قـال أبي: وكـان سلام من أصحاب أيوب وكان رجلاً صالحاً. (1)
وعن الفضل بن زياد أن رجلاً سأله عن فعل سلام بن أبي مطيع، فقال لأبي عبد الله: أرجو أن لا يضرّه ذاك شيئاً إن شاء الله؟ فقال أبو عبد الله: يضره!! بل يؤجر عليه إن شاء الله. (2)
وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن الكرابيسي وما أظهره؟ فكلح وجهه ثم قال: إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب. (3)
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. قال المروذي: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر منها أشد التحذير. (4)
وقال الإمام أحمد -أيضاً-: إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلاً ولا كثيراً، عليكم بأصحاب الآثار والسنن. (5)
وعن حرب بن إسماعيل قال: سألت إسحاق بن راهوية، قلت: رجل سرق كتاباً من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال: يرمي به. قلت: إنّه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه، قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة فاستعرته منه فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء. (6)
وقال الإمام مالك رحمه الله: لا تجوز الإجـارات في شيء من كتـب الأهـواء والبدع والتنجيم. (7)
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم: وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً. (8)
وقال الالكائي: ووجدت في كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي - رحمه الله - مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله rوأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، وترك النظر في موضع بدعهم (9) والتمسك بمذهب أهل الأثر.. وترك رأي الملبّسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين، وتـرك النظـر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه. (10)
وقال نعيم بن حماد: أنفقت على كتبه - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - خمسة دنانير ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها. (11)
وقد عقد الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد السِّجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت فصلاً في ذلك فقال: الفصل الحادي عشر في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب؛ لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.
ثم قال: اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه، أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء، وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت، والمعتمد فيهم قد عز، ومن يبيع دينه بعرض يسير، أو تحبباً إلى من يراه قد كثر، والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب على كل مسلم يحب الخلاص أن لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب، ولا يسلّم عنانه إلى من أظهر له الموافقة .. فمن رام النجاة من هؤلاء، والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب، والأثر - في كل ما يسمع ويرى؛ فإن كان عالماً بهما عرضه عليهما - واتباعه للسلف، ولا يقبل من أحد قولاً إلا طالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح .. وليحذر تصانيف من تغير حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذّر الترياق. (12)
وقال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي: شهدت أبا زرعة ـ وقد سئل عن الحارث المحاسـبي وكتبـه ـ فقال للسائل: إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليـس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم .. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البـدع. (13)
* تنبيه *
وهناك نوع ثالث من الجهمية نسيت أن أذكره وهم: المفوضة حيث يزعمون أن السلف الأوائل كانوا يفوضون معاني الصفات ولا تعتقد حقاً أن الجهمية وخصوصاً الاشاعرة يعتقدون أن السلف حقا مفوضة ! هم يعرفون أن السلف مثبتة للصفات على طريقة من يسمونهم بالمجسمة ! ولكن يجعلون دعوى السلف في التفويض حجة لصد الناس عن مذهب أهل السنة الذين يسمونهم هم المجسمة فيحشدون من كلام السلف - وهو قليل - المتشابه الذي قد يفهم منه أن السلف مفوضة وقد يفهم منه أن السلف مثبتة فيحتجون به على أن مراد السلف به هو التفويض ويتركون النصوص الكثيرة التي جائت عن السلف في إثبات الصفات استغلالا لجهل الناس وإحسان الظن بهم! فإذا مالوا معهم أدخلوا عليهم قاعدة أخرى وهي "مع اعتقاد أن ظاهر معاني الصفات غير مراد" وعندما يبتلع طعمهم الأخر سوف يرى هو بنفسه أنه بما أنه يجب اعتقاد أن الصفات على غير معانيها الظاهرة فليس له إلا أمران: - إما أن يجحد المعاني جملة وهو ما يريدونه - أو يضطر إلى التأويل الذي هو تحريف معاني الصفات إلى معاني لا تحتملها ولا تتعارض مع عقيدة الجهمية الأشاعرة في نفي الصفات! فانظر إلى خبث حيلهم ومكرهم بأهل الإسلام والسنة !!! فإذا تمككنت هذه البدعة من قلب من لم يرد الله به خيراً أصبح من شبه المستحيل أن يرجع عنها حتى لو عرف منهج السلف الحقيقي بل يصبح مثلهم محتالا خبيثاً والله المستعان
المراجع:
(1) العلل ومعرفة الرجال ( 1/253-254 ) .
(2) السنّة للخلال ( 3/511).
(3) المعرفة والتاريخ للفسوي ( 3/494 ) .
(4) هداية الأريب الأمجد لسليمان بن حمدان ( ص : 38 ) .
(5) السير (11/231).
(6) السنّة ( 3/511 ).
(7) جامع بيان العلم ( 2/942 ) .
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنّة للالكائي ( 1/197-202 ) .
(9) أي ترك النظر في المسائل التي ابتدعوها والعكوف على قراءة كتب الأثر وحسب.
(10) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ( 1/180 ) .
(11) الميزان ( 1/61 ) .
(12) (ص : 231-234 ).
(13) كتاب الضعفـاء لأبي زرعـة ،ضمـن كتـاب ( أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية ) ( 2 / 561-562 ) .