عبدالعزيز بن حشيان
02-08-2015, 10:19 AM
لِخَوْلَةَ أَطْلاَلٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ
تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
بِرَوْضَةِ دَعْمِيٍّ فَأَكْنَافِ حَائِلٍ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي وَأُبْكِي إِلَى الغَدِ
وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لاَ تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غُدْوَةً
خَلاَيَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ
عَدَوْلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ
يَجُورُ بِهَا الْمَلاَّحُ طَوْرًا وَيَهْتَدِي
يَشُقُّ حَبَابَ الْمَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا
كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ الْمُفَايِلُ بِاليَدِ
(2) ذكرى وغزل:
وَفِي الْحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ الْمَرْدَ شَادِنٌ
مَظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَبًا بِخَمِيلَةٍ
تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيرِ وَتَرْتَدِي
وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوَّرًا
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهْ نَدِ
سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْسِ إِلاَّ لِثَاثِهِ
أُسِفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِإِثْمِدِ
وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِدَاءَهَا
عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
(3) ناقة طرفة: المعادل الموضوعي للحياة:
وَإِنِّي لَأُمْضِي الْهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَسَأْتُهَا
عَلَى لاَحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
جَمَالِيَّةٌ وَجْنَاءُ تَرْدِي كَأَنَّهَا
سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لِأَزْعَرَ أَرْبَدِ
تُبَارِي عِنَاقًا نَاجِيَاتٍ وَأَتْبَعَتْ
وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَرِيعُ إِلَى صَوْتِ الْمُهِيبِ وَتَتَّقِي
بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَفَ مُلْبَدِ
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيبِ بِمَسْرَدِ
فَطَوْرًا بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ وَتَارَةً
عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيهِمَا
كَأَنَّهُمَا بَابَا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
وَطَيُّ مَحَالٍ كَالْحَنِيِّ خُلُوفُهُ
وَأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِهَا
وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤْيَّدِ
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلاَنِ كَأَنَّهَا
تَمُرُّ بِسَلْمَيْ دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا
لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَادَ بِقَرْمَدِ
صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَةُ القَرَا
بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ
أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وَأُجْنِحَتْ
لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيفٍ مُسَنَّدِ
جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَتْ
لَهَا كَتِفَاهَا فِي مُعَالًى مُصَعَّدِ
كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فِي دَأَيَاتِهَا
مَوَارِدُ مِنْ خَلْقَاءَ فِي ظَهْرِ قَرْدَدِ
تَلاَقَى وَأَحْيَانًا تَبِينُ كَأَنَّهَا
بَنَائِقُ غُرٌّ فِي قَمِيصٍ مُقَدَّدِ
وَأَتْلَعُ نَهَّاضٌ إِذَا صَعَّدَتْ بِهِ
كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدِجْلَةَ مُصْعِدِ
وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الفَلاَةِ كَأَنَّمَا
وَعَى الْمُلْتَقَى مِنْهَا إِلَى حَرْفِ مِبْرَدِ
وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي وَمِشْفَرٌ
كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ
وَعَيْنَانِ كَالْمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا
بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
طَحُورَانِ عَوَّارَ القَذَى فَتَرَاهُمَا
كَمَكْحُولَتَيْ مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ لِلسُّرَى
لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ
مُؤَلَّلَتَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا
كَسَامِعَتَيْ شَاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ
وَأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ
كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيحٍ مُصَمَّدِ
وَإِنْ شِئْتُ سَامَى وَاسِطَ الكُورِ رَأْسُهَا
وَعَامَتْ بِضَبْعَيْهَا نَجَاءُ الْخَفَيْدَدِ
وَإِنْ شِئْتُ لَمْ تُرْقِلْ وَإِنْ شِئْتُ أَرْقَلَتْ
مَخَافَةَ مَلْوِيٍّ مِنَ العَدِّ مُحْصَدِ
وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأَنْفِ مَارِنٌ
عَتِيقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ
إِذَا أَقْبَلَتْ قَالُوا تَأَخَّرَ رَحْلُهَا
وَإِنْ أَدْبَرَتْ قَالُوا تَقَدَّمَ فَاشْدُدِ
وَتُضْحِي الْجِبَالُ الْحُمْرُ خَلْفِي كَأَنَّهَا
مِنَ البُعْدِ حُفَّتْ بِالْمُلاَء ِالْمُعَضَّدِ
وَتَشْرَبُ بِالقَعْبِ الصَّغِيرِ وَإِنْ تُقَدْ
بِمِشْفَرِهَا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ تَنْقَدِ
عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِي إِذَا قَالَ صَاحِبِي:
أَلاَ لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفْتَدِي
وَجَاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوْفًا وَخَالَهُ
مُصَابًا وَلَوْ أَمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ
وَتَغْدُو الْجِبَالُ الغُبْرُ خَلْفِي كَأَنَّهَا
مِنَ البُعْدِ حُفَّتْ بِالْمُلاَءِ الْمُعَضَّدِ
(4) "طرفة" وقومه وفلسفته في الحياة وحكمته:
إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى؟ خِلْتُ أَنَّنِي
عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَةً
وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ
وَإِنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِي
وَإِنْ تَقْتَنِصْنِي فِي الْحَوَانِيتِ تَصْطَدِ
مَتَى تَأْتِنِي أَصْبَحْكَ كَأْسًا رَوِيَّةً
وَإِنْ كُنْتَ عَنْهَا غَانِيًا فَاغْنِ وَازْدَدِ
وَإِنْ يَلْتَقِ الْحَيُّ الْجَمِيعُ تُلاَقِنِي
إِلَى ذِرْوَةِ البَيْتِ الكَرِيمِ الْمُصَمَّدِ
نَدَامَايَ بِيضٌ كَالنُّجُومِ وَقَيْنَةٌ
تَرُوحُ عَلَيْنَا بَيْنَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ
رَحِيبٌ قِطَابُ الْجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ
بِجَسِّ النَّدَامَى بَضَّةُ الْمُتَجَرِّدِ
إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرَتْ لَنَا
عَلَى رِسْلِهَا مُطْرُوقَةً لَمْ تَشَدَّدِ
إِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَهَا
تَجَاوُبَ أَظْآرٍ عَلَى رُبَعٍ رَدِ
وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الْخُمُورَ وَلَذَّتِي
وَبَيْعِي وَإِنْفَاقِي طَرِيفِي وَمُتْلَدِي
إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا
وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيرِ الْمُعَبَّدِ
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي
وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ
أَلاَ أَيُّهَذَا اللاَّئِمِي أَحْضُرَ الوَغَى
وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي
فَدَعْنِي أُبْادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي
أَرَى العَيْشَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ
وَمَا تَنْقُصُ الأَيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدِ
أَرَى الْمَوْتَ أَعْدَادَ النُّفُوسِ وَلاَ أَرَى
بَعِيدًا غَدًا مَا أَقْرَبَ اليَوْمَ مِنْ غَدِ
وَلَوْلاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفَتَى
وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي
وَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاَتِ بِشَرْبَةٍ
كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالْمَاءِ تُزْبِدِ
وَكَرِّي إِذَا نَادَى الْمُضَافُ مُحَنَّبًا
كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَهُ الْمُتَوَرِّدِ
وَتَقْصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ وَالدَّجْنُ مُعْجَبٌ
بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الْخِبَاءِ الْمُعَمَّدِ
كَأَنَّ البُرَيْنَ وَالدَّمَالِيجَ عُلِّقَتْ
عَلَى عُشَرٍ أَوْ خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّدِ
فَذَرْنِي أُرَوِّ هَامَتِي فِي حَيَاتِهَا
مَخَافَةَ شِرْبٍ فِي الْحَيَاةِ مُصَرَّدِ
كَرِيمٌ يُرَوِّي نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ
سَتَعْلَمُ: إِنْ مُتْنَا غَدًا أَيُّنَا الصَّدِي
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ وَيَصْطَفِي
عَقِيلَةَ مَالِ الفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
أَرَى الْمَوْتَ لاَ يَرْعَى عَلَى ذِي جَلاَلَةٍ
وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَزِيزًا بِمَقْعَدِ
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ
كَقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَةِ مُفْسِدِ
تَرَى جَثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا
صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ
لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى
لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ
مَتَى مَا يَشَأْ يَوْمًا يَقُدْهُ لِحَتْفِهِ
وَمَنْ يَكُ فِي حَبْلِ الْمَنِيَّةِ يَنْقَدِ
(5) "طرفة" وابن عمِّه مالك: أبعاد مشكلة "طرفة" الاجتماعيَّة:
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي
وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ
وَلاَ يَرْهَبُ ابْنُ العَمِّ مَا عِشْتُ صَوْلَتِي
وَلاَ أَخْتَنِي مِنْ صَوْلَةِ الْمُتَهَدِّدِ
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ
لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكًا
مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ
يَلُومُ وَمَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُومُنِي
كَمَا لاَمَنِي فِي الْحَيِّ قُرْطُ بْنُ أَعْبَدِ
عَلَى غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّنِي
نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حُمُولَةِ مَعْبَدِ
بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وَكَمُحْدِثٍ
هِجَائِي وَقَذْفِي بِالشَّكَاةِ وَمُطْرِدِي
وَأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُهُ
كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَدِ
وَلاَ خَيْرَ فِي خَيْرٍ تَرَى الشَّرَّ دُونَهُ
وَلاَ نَائِلٍ يَأْتِيكَ بَعْدَ التَّلَدُّدِ
وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى وَجَدِّكَ إِنَّنِي
مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَدِ
وَإِنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا
وَإِنْ يَأْتِكَ الأَعْدَاءُ بِالْجَهْدِ أَجْهَدِ
وَإِنْ يَقْذِفُوا بِالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ
بِكَأْسِ حِيَاضِ الْمَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ
فَلَوْ كَانَ مَوْلاَيَ امْرَءًا هُوَ غَيْرُهُ
لَفَرَّجَ كَرْبِي أَوْ لَأَنْظَرَنِي غَدِي
وَلَكِنَّ مَوْلاَيَ امْرُؤٌ هُوَ خَانِقِي
عَلَى الشُّكْرِ وَالتَّسْآلِ أَوْ أَنَا مُفْتَدِي
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً
عَلَى النَّفْسِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
فَذَرْنِي وَخُلْقِي إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ
وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِيًا عِنْدَ ضَرْغَدِ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ بِوُدِّكَ أَهْلَهُ
وَلَمْ تَنْكَ بِالبُؤْسَى عَدُوَّكَ فَابْعَدِ
فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ خَالِدٍ
وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْرَو بْنَ مَرْثَدِ
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَزَارَنِي
بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ
(6) مفاخر "طرفة":
أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ
خَشَاشٌ كَرَأْسِ الْحَيَّةِ الْمُتَوَقِّدِ
فَآلَيْتُ لاَ يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةً
لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ
حُسَامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِرًا بِهِ
كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمُعْضَدِ
أَخِي ثِقَةٍ لاَ يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ
إِذَا قِيلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي
إِذَا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاَحَ وَجَدْتَنِي
مَنِيعًا إِذَا ابْتَلَّتْ بِقَائِمِهِ يَدِي
وَبَرْكٍ هَجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي
بَوَادِيَهَا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ
فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلاَلَةٌ
عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبِيلِ يَلَنْدَدِ
يَقُولُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيفُ وَسَاقُهَا
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤْيِدِ
وَقَالَ: أَلاَ مَاذَا؟ تَرَوْنَ بِشَارِبٍ
شَدِيدٍ عَلَيْنَا بَغْيُهُ مُتَعَمَّدِ
وَقَالَ ذَرُوهُ إِنَّمَا نَفْعُهَا لَهُ
وَإِلاَّ تَكُفُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ
فَظَلَّ الإِمَاءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا
وَيَسْعَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيفِ الْمُسَرْهَدِ
وَيَوْمٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ
حِفَاظًا عَلَى عَوْرَاتِهِ وَالتَّهَدُّدِ
عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى
مَتَى تَعْتَرِكْ فِيهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ
وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ
عَلَى النَّارِ وَاسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
(7) حِكْمة "طرفة":
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَوَاجِلٌ
أَفِي اليَوْمِ إِقْدَامُ الْمَنِيَّةِ أَمْ غَدِ
فَإِنْ تَكُ خَلْفِي لاَ يَفُتْهَا سَوَادِيَا
وَإِنْ تَكُ قُدَّامِي أَجِدْهَا بِمَرْصَدِ
فَإِنْ مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ
وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
وَلاَ تَجْعَلِينِي كَامْرِئٍ لَيْسَ هَمُّهُ
كَهَمِّي وَلاَ يُغْنِي غَنَائِي وَمَشْهَدِي
بَطِيءٍ عَنِ الْجُلَّى سَرِيعٍ إِلَى الْخَنَا
ذَلُولٍ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ
لَعَمْرُك مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ
نَهَارِي وَلاَ لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ
فَلَوْ كُنْتُ وَغْلاً فِي الرِّجَالِ لَضَرَّنِي
عَدَاوَةُ ذِي الأَصْحَابِ وَالْمُتَوَحِّدِ
وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الرِّجَالُ جَرَاءَتِي
عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْقِي وَمَحْتِدِ
لَعَمْرُكَ مَا الأَيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ
فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ
بَتَاتًا وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ
فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
بِرَوْضَةِ دَعْمِيٍّ فَأَكْنَافِ حَائِلٍ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي وَأُبْكِي إِلَى الغَدِ
وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لاَ تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غُدْوَةً
خَلاَيَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ
عَدَوْلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ
يَجُورُ بِهَا الْمَلاَّحُ طَوْرًا وَيَهْتَدِي
يَشُقُّ حَبَابَ الْمَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا
كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ الْمُفَايِلُ بِاليَدِ
(2) ذكرى وغزل:
وَفِي الْحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ الْمَرْدَ شَادِنٌ
مَظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَبًا بِخَمِيلَةٍ
تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيرِ وَتَرْتَدِي
وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوَّرًا
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهْ نَدِ
سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْسِ إِلاَّ لِثَاثِهِ
أُسِفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِإِثْمِدِ
وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِدَاءَهَا
عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
(3) ناقة طرفة: المعادل الموضوعي للحياة:
وَإِنِّي لَأُمْضِي الْهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَسَأْتُهَا
عَلَى لاَحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
جَمَالِيَّةٌ وَجْنَاءُ تَرْدِي كَأَنَّهَا
سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لِأَزْعَرَ أَرْبَدِ
تُبَارِي عِنَاقًا نَاجِيَاتٍ وَأَتْبَعَتْ
وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَرِيعُ إِلَى صَوْتِ الْمُهِيبِ وَتَتَّقِي
بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَفَ مُلْبَدِ
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيبِ بِمَسْرَدِ
فَطَوْرًا بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ وَتَارَةً
عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيهِمَا
كَأَنَّهُمَا بَابَا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
وَطَيُّ مَحَالٍ كَالْحَنِيِّ خُلُوفُهُ
وَأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِهَا
وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤْيَّدِ
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلاَنِ كَأَنَّهَا
تَمُرُّ بِسَلْمَيْ دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا
لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَادَ بِقَرْمَدِ
صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَةُ القَرَا
بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ
أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وَأُجْنِحَتْ
لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيفٍ مُسَنَّدِ
جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَتْ
لَهَا كَتِفَاهَا فِي مُعَالًى مُصَعَّدِ
كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فِي دَأَيَاتِهَا
مَوَارِدُ مِنْ خَلْقَاءَ فِي ظَهْرِ قَرْدَدِ
تَلاَقَى وَأَحْيَانًا تَبِينُ كَأَنَّهَا
بَنَائِقُ غُرٌّ فِي قَمِيصٍ مُقَدَّدِ
وَأَتْلَعُ نَهَّاضٌ إِذَا صَعَّدَتْ بِهِ
كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدِجْلَةَ مُصْعِدِ
وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الفَلاَةِ كَأَنَّمَا
وَعَى الْمُلْتَقَى مِنْهَا إِلَى حَرْفِ مِبْرَدِ
وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي وَمِشْفَرٌ
كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ
وَعَيْنَانِ كَالْمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا
بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
طَحُورَانِ عَوَّارَ القَذَى فَتَرَاهُمَا
كَمَكْحُولَتَيْ مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ لِلسُّرَى
لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ
مُؤَلَّلَتَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا
كَسَامِعَتَيْ شَاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ
وَأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ
كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيحٍ مُصَمَّدِ
وَإِنْ شِئْتُ سَامَى وَاسِطَ الكُورِ رَأْسُهَا
وَعَامَتْ بِضَبْعَيْهَا نَجَاءُ الْخَفَيْدَدِ
وَإِنْ شِئْتُ لَمْ تُرْقِلْ وَإِنْ شِئْتُ أَرْقَلَتْ
مَخَافَةَ مَلْوِيٍّ مِنَ العَدِّ مُحْصَدِ
وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأَنْفِ مَارِنٌ
عَتِيقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ
إِذَا أَقْبَلَتْ قَالُوا تَأَخَّرَ رَحْلُهَا
وَإِنْ أَدْبَرَتْ قَالُوا تَقَدَّمَ فَاشْدُدِ
وَتُضْحِي الْجِبَالُ الْحُمْرُ خَلْفِي كَأَنَّهَا
مِنَ البُعْدِ حُفَّتْ بِالْمُلاَء ِالْمُعَضَّدِ
وَتَشْرَبُ بِالقَعْبِ الصَّغِيرِ وَإِنْ تُقَدْ
بِمِشْفَرِهَا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ تَنْقَدِ
عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِي إِذَا قَالَ صَاحِبِي:
أَلاَ لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفْتَدِي
وَجَاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوْفًا وَخَالَهُ
مُصَابًا وَلَوْ أَمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ
وَتَغْدُو الْجِبَالُ الغُبْرُ خَلْفِي كَأَنَّهَا
مِنَ البُعْدِ حُفَّتْ بِالْمُلاَءِ الْمُعَضَّدِ
(4) "طرفة" وقومه وفلسفته في الحياة وحكمته:
إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى؟ خِلْتُ أَنَّنِي
عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَةً
وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ
وَإِنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِي
وَإِنْ تَقْتَنِصْنِي فِي الْحَوَانِيتِ تَصْطَدِ
مَتَى تَأْتِنِي أَصْبَحْكَ كَأْسًا رَوِيَّةً
وَإِنْ كُنْتَ عَنْهَا غَانِيًا فَاغْنِ وَازْدَدِ
وَإِنْ يَلْتَقِ الْحَيُّ الْجَمِيعُ تُلاَقِنِي
إِلَى ذِرْوَةِ البَيْتِ الكَرِيمِ الْمُصَمَّدِ
نَدَامَايَ بِيضٌ كَالنُّجُومِ وَقَيْنَةٌ
تَرُوحُ عَلَيْنَا بَيْنَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ
رَحِيبٌ قِطَابُ الْجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ
بِجَسِّ النَّدَامَى بَضَّةُ الْمُتَجَرِّدِ
إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرَتْ لَنَا
عَلَى رِسْلِهَا مُطْرُوقَةً لَمْ تَشَدَّدِ
إِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَهَا
تَجَاوُبَ أَظْآرٍ عَلَى رُبَعٍ رَدِ
وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الْخُمُورَ وَلَذَّتِي
وَبَيْعِي وَإِنْفَاقِي طَرِيفِي وَمُتْلَدِي
إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا
وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيرِ الْمُعَبَّدِ
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي
وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ
أَلاَ أَيُّهَذَا اللاَّئِمِي أَحْضُرَ الوَغَى
وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي
فَدَعْنِي أُبْادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي
أَرَى العَيْشَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ
وَمَا تَنْقُصُ الأَيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدِ
أَرَى الْمَوْتَ أَعْدَادَ النُّفُوسِ وَلاَ أَرَى
بَعِيدًا غَدًا مَا أَقْرَبَ اليَوْمَ مِنْ غَدِ
وَلَوْلاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفَتَى
وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُوَّدِي
وَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاَتِ بِشَرْبَةٍ
كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالْمَاءِ تُزْبِدِ
وَكَرِّي إِذَا نَادَى الْمُضَافُ مُحَنَّبًا
كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَهُ الْمُتَوَرِّدِ
وَتَقْصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ وَالدَّجْنُ مُعْجَبٌ
بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الْخِبَاءِ الْمُعَمَّدِ
كَأَنَّ البُرَيْنَ وَالدَّمَالِيجَ عُلِّقَتْ
عَلَى عُشَرٍ أَوْ خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّدِ
فَذَرْنِي أُرَوِّ هَامَتِي فِي حَيَاتِهَا
مَخَافَةَ شِرْبٍ فِي الْحَيَاةِ مُصَرَّدِ
كَرِيمٌ يُرَوِّي نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ
سَتَعْلَمُ: إِنْ مُتْنَا غَدًا أَيُّنَا الصَّدِي
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ وَيَصْطَفِي
عَقِيلَةَ مَالِ الفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
أَرَى الْمَوْتَ لاَ يَرْعَى عَلَى ذِي جَلاَلَةٍ
وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَزِيزًا بِمَقْعَدِ
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ
كَقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَةِ مُفْسِدِ
تَرَى جَثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا
صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ
لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى
لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ
مَتَى مَا يَشَأْ يَوْمًا يَقُدْهُ لِحَتْفِهِ
وَمَنْ يَكُ فِي حَبْلِ الْمَنِيَّةِ يَنْقَدِ
(5) "طرفة" وابن عمِّه مالك: أبعاد مشكلة "طرفة" الاجتماعيَّة:
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي
وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ
وَلاَ يَرْهَبُ ابْنُ العَمِّ مَا عِشْتُ صَوْلَتِي
وَلاَ أَخْتَنِي مِنْ صَوْلَةِ الْمُتَهَدِّدِ
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ
لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكًا
مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ
يَلُومُ وَمَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُومُنِي
كَمَا لاَمَنِي فِي الْحَيِّ قُرْطُ بْنُ أَعْبَدِ
عَلَى غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّنِي
نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حُمُولَةِ مَعْبَدِ
بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وَكَمُحْدِثٍ
هِجَائِي وَقَذْفِي بِالشَّكَاةِ وَمُطْرِدِي
وَأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُهُ
كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَدِ
وَلاَ خَيْرَ فِي خَيْرٍ تَرَى الشَّرَّ دُونَهُ
وَلاَ نَائِلٍ يَأْتِيكَ بَعْدَ التَّلَدُّدِ
وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى وَجَدِّكَ إِنَّنِي
مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَدِ
وَإِنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا
وَإِنْ يَأْتِكَ الأَعْدَاءُ بِالْجَهْدِ أَجْهَدِ
وَإِنْ يَقْذِفُوا بِالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ
بِكَأْسِ حِيَاضِ الْمَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ
فَلَوْ كَانَ مَوْلاَيَ امْرَءًا هُوَ غَيْرُهُ
لَفَرَّجَ كَرْبِي أَوْ لَأَنْظَرَنِي غَدِي
وَلَكِنَّ مَوْلاَيَ امْرُؤٌ هُوَ خَانِقِي
عَلَى الشُّكْرِ وَالتَّسْآلِ أَوْ أَنَا مُفْتَدِي
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً
عَلَى النَّفْسِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
فَذَرْنِي وَخُلْقِي إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ
وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِيًا عِنْدَ ضَرْغَدِ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ بِوُدِّكَ أَهْلَهُ
وَلَمْ تَنْكَ بِالبُؤْسَى عَدُوَّكَ فَابْعَدِ
فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ خَالِدٍ
وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْرَو بْنَ مَرْثَدِ
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَزَارَنِي
بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ
(6) مفاخر "طرفة":
أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ
خَشَاشٌ كَرَأْسِ الْحَيَّةِ الْمُتَوَقِّدِ
فَآلَيْتُ لاَ يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةً
لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ
حُسَامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِرًا بِهِ
كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمُعْضَدِ
أَخِي ثِقَةٍ لاَ يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ
إِذَا قِيلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي
إِذَا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاَحَ وَجَدْتَنِي
مَنِيعًا إِذَا ابْتَلَّتْ بِقَائِمِهِ يَدِي
وَبَرْكٍ هَجُودٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي
بَوَادِيَهَا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ
فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلاَلَةٌ
عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبِيلِ يَلَنْدَدِ
يَقُولُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيفُ وَسَاقُهَا
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤْيِدِ
وَقَالَ: أَلاَ مَاذَا؟ تَرَوْنَ بِشَارِبٍ
شَدِيدٍ عَلَيْنَا بَغْيُهُ مُتَعَمَّدِ
وَقَالَ ذَرُوهُ إِنَّمَا نَفْعُهَا لَهُ
وَإِلاَّ تَكُفُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ
فَظَلَّ الإِمَاءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا
وَيَسْعَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيفِ الْمُسَرْهَدِ
وَيَوْمٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ
حِفَاظًا عَلَى عَوْرَاتِهِ وَالتَّهَدُّدِ
عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى
مَتَى تَعْتَرِكْ فِيهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ
وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ
عَلَى النَّارِ وَاسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
(7) حِكْمة "طرفة":
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَوَاجِلٌ
أَفِي اليَوْمِ إِقْدَامُ الْمَنِيَّةِ أَمْ غَدِ
فَإِنْ تَكُ خَلْفِي لاَ يَفُتْهَا سَوَادِيَا
وَإِنْ تَكُ قُدَّامِي أَجِدْهَا بِمَرْصَدِ
فَإِنْ مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ
وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
وَلاَ تَجْعَلِينِي كَامْرِئٍ لَيْسَ هَمُّهُ
كَهَمِّي وَلاَ يُغْنِي غَنَائِي وَمَشْهَدِي
بَطِيءٍ عَنِ الْجُلَّى سَرِيعٍ إِلَى الْخَنَا
ذَلُولٍ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ
لَعَمْرُك مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ
نَهَارِي وَلاَ لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ
فَلَوْ كُنْتُ وَغْلاً فِي الرِّجَالِ لَضَرَّنِي
عَدَاوَةُ ذِي الأَصْحَابِ وَالْمُتَوَحِّدِ
وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الرِّجَالُ جَرَاءَتِي
عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْقِي وَمَحْتِدِ
لَعَمْرُكَ مَا الأَيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ
فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ
بَتَاتًا وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ
فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي