عبدالعزيز بن حشيان
12-28-2014, 10:00 AM
http://cdn.sabq.org/files/dialogue-image/1344.jpg?647984
مناقشة المجتمع قيادة المرأة للسيارة إهانة للفكر السعودي ولن تقوم لنا نهضة ما دمنا نستهلك.
· الليبراليون والعلمانيون مغرّرٌ بهم وتابعو هوى وطابور خامس من "خفافيش" السفارات.
· لو كرّرنا بترولنا لسيطرنا على العالم وقضينا على البطالة وتقاضى المواطن 20 ألفاً.
· أمريكا تستعد لاستيعاب 5 ملايين يهودي بعد زوال إسرائيل .. "المتطرفون" يُشعلون الفتن.
· عرضنا على أصحاب القرار دراسةً توقّعنا فيها غزو الكويت قبل وقوعه بـ 5 أعوام.
· بعض مثقفينا إمّعات للغرب والصحافة الصفراء مُسلطة علينا منذ الخمسينيات.
· فطنة الملك فهد مكّنته من سبر أهمية الفكر .. والأمير سلطان وافقنا أنها لجنة "غبراء".
· الحوثيين يردّدون "الموت لأمريكا وإسرائيل" وعندما دخلوا صنعاء حموا واشنطن.
· ناقشنا "شافيز" عندما كان مُبتعثاً عن الإسلام والنصرانية والرأسمالية والاشتراكية فأصبح صديقاً.
· أسلم بعض السفراء على أيدينا .. وهذه قصة "كيري" الذي أوصى بدفنه بمقابر المسلمين فاتهموه بالخرف.
· أمريكا تعد السعودية حليفها التكتيكي وعدوها الإستراتيجي وإيران العكس.
- الجنرال الأمريكي "ويزلي كلارك" صاحب الاستراتيجية بعيدة المدى يقول : "من ظنّ أننا خرجنا للعراق، وأفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر فليصحح خطأه، نحن خرجنا لقضية اسمها الإسلام.
- هناك مرآتين مقعرة ومحدبة مسلطتان على الأمة الإسلامية ومن خصائص مرآة التحديب "التقزيم" ومن خصائص مرآة التقعير "العملقة".
حوار/ شقران الرشيدي- سبق- الرياض (تصوير: فايز الزيادي، عبدالمجيد العازمي): يقول الأخوان "التوأمان" الأميران نايف وسعود فواز الشعلان أن الإسلام دين مستهدف من الغرب في قيمه، وأهدافه، وثوابته، وفي مجتمعاته. مؤكدين في حوارهما مع "سبق" أن منطقتنا تحيط بها المخاطر، وأن هناك أجندات سياسية خفية لإعادة صياغة الإسلام، وتفريغه وتجزئته، وإثارة الفتن في منطقتنا صُرف عليها المليارات من الدولارات. محذرين السعودية والإمارات مما يخطط لها الآخرون. ومن مشروع غربي يستهدفهما. موضحين رؤيتهما في تسامح الغرب، والتعايش مع النصارى، وأسباب دراستهما منذ الصغر في مدارس "غربية" في سويسرا، وفرنسا، ولبنان، وأمريكا.. ولماذا لُقبا بالأخوين "الدمويين" من نصارى لبنان. كما تحدثا عن مواقفهما مع الملك فهد والأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمهما الله- ومع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- والرئيس الفنزويلي السابق وتقبله للإسلام، كما يتطرقان لنظرياتهما السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وإسلام عدد من السفراء على أيديهما، وأسباب عدم مناقشتهما للتيارات الفكرية داخل السعودية، وشرحا تصنيفهما الخاص بدول الشرق الأوسط الاستراتيجية والتكتيكية، ودول ردة الفعل، وإيقافهما التعاقد بالملايين مع ثري عربي اكتشفا أنه مقامر في كازينوهات "مونتي كارلو".. وتتقدم "سبق" بالشكر الجزيل للأستاذ محمد الراشد على جهوده في ترتيب الحوار؛ فإلى التفاصيل..
** تتنوّع شخصيتاكما في اهتماماتها الثقافية، والفكرية، والاقتصادية، والرياضية.. هذا التنوع والثراء في التجارب كيف يكون؟
نايف: هناك نظريتان في علم الاجتماع أو مدرستان كبيرتان إحداهما البنيوية من الإنسان ذاته "الجينات"، ومدرسة أخرى اسمها السببية "البيئية أو الظرفية"، والإنسان هو مزيج من كلا المدرستين. والعامل "الجيني" يختص بمدى الاستيعاب، والفهم، والميول... إلخ. أما الحصيلة العلمية والفكرية فهي من العامل السببي أو البيئي. ويمكن تشبيه الأمر بصقل الأحجار الكريمة التي هي عملية ميكانيكية، وعملية "أدواتية ظرفية"؛ فعلى سبيل المثال حجر الكوارتز، وحجر الألماس كلاهما متشابهان، لكن إذا أعطيتهما ليد ماهرة في الصقل، واستخدمت ذات التقنية.. ثم عرضتها في السوق للبيع؛ فالألماس يساوي مليون دولار والكوارتز لن يزيد على 10 دولارات. والسبب الحقيقي هو خامتها.
سعود: أود أن أضيف على حديث أخي نايف أن هذا الموضوع فيه خصوصية بين الشمولية، والتفصيل، وهما عالمان مختلفان تماماً، ونادراً ما يجتمعان. وأخي نايف يضرب مثلاً دائماً بآلتَي الـ"ميكروسكوب" و"التليسكوب"، وهذه حقيقة.. فنادراً ما ترى آلة "الميكروسكوب" الأشياء البعيدة بشموليتها واتساعها وبعدها كـ"التلسكوب"، لكنها ترى التفاصيل الدقيقة، ومكوناتها.. وهذا يسمى الإنصاف والرسوخ.. وفيما يتعلق باهتماماتنا المتعددة أعتقد أن الجزء الجيني له دور.
منذ الصغر وبسبب ظروف عائلية درستما معاً خارج السعودية في مدارس "غربية" في سويسرا وفرنسا ولبنان، وفي أمريكا أثناء الدراسات العليا.. ماذا تركت هذه التنقلات العديدة في ذاتكما من ذكريات؟
نايف: بالفعل درسنا في مدارس خارجية بدايتها في مدارس سويسرية، ثم أكملناها في مدارس فرنسية. وأذكر في دراستنا بلبنان أن الطلاب كانوا يرفضون الجلوس معنا على ذات المقاعد؛ لأن أغلبهم من النصارى المتعصبين، ونظرتهم النمطية للإسلام "دونية"، ويمكن أن نقول إنها عنصرية. وقد فرّقونا أنا وأخي "سعود" في شعبتين دراسيتين مختلفتين حتى لا نكون في ذات الصف. وكانت مقاعد الدراسة يجلس عليها طالبان، والطلاب النصاري يرفضون، ويقولون للمدرسين: "لا أريد أن أجلس بجانب المسلم"، فاستعملنا اللين في بادئ الأمر فلم يُجدِ، فاضطررنا للعنف فكسبنا بذلك احترامهم.
سعود: نعم.. شاءت الظروف أن ندرس في خارج السعودية في سويسرا وفرنسا وبعدها في لبنان لأسباب عائلية. ولأننا بدأنا الدراسة بمناهج دراسية بلغات مختلفة، فكان من الصعب تغييرها والعودة للسعودية؛ حتى لا نخسر سنين دراسية. لكن من فضل الله -عز وجل- أننا وفّرنا سنتين مهمتين من دراستنا قبل أن ندرس المرحلة الجامعية في أمريكا، ويمكن القول إننا كنا غرباء في أغلب حياتنا، وهذا مما جعلنا ننظر إلى ثوابتنا، وديننا، وفطرتنا أكثر من غيرنا؛ لأننا نراها كمن يرى من اختار الإسلام عن قناعة ليس كمن ورثه.
* في ذلك الوقت.. كيف تم تقبّل طالبين مسلمين في مدارس "كاثوليكية"؟ هل كان هناك نوع من التصادم مع الطلبة الآخرين من ديانات أخرى؟
نايف: أتينا من بيئة تحترم الآخر، وغير صدامية. لكن فرضت علينا الظروف أن ننتزع حقنا بأيدينا لندافع عن ديننا وهويّتنا.
سعود: نعم.. كان هناك مواجهات مع العديد من الطلاب، وتقبّلناها بتحدٍّ وإصرار، وهذا الجانب الجيني فينا حيث تحوّل الأمر إلى شراسة، واستيعاب للصدمة، وكنا أمام خيارين إما أن نذوب أو نتبلور، وخلفيتنا الإسلامية، والاجتماعية رحّبت بالتحدي.. والله أعلم لماذا؟ ويمكن القول إن هذا التحدي هو أجمل شيء في حياتنا؛ لأنه فجّر فينا طاقات، ومكنونات، وشعوراً بالمسؤولية. وأن هذه الأمة الإسلامية هدف للآخرين دون أن يكون لها ذنب. ودليل على أن العالم الغربي قبل الأحداث الكبرى أو ما يسميها أخي نايف "الإسلاموفوبيا" بعد أحداث 11 سبتمبر. فالعالم الغربي عنده عداء للإسلام من طرف واحد.
** في رأيكما.. لماذا هذا العداء للأمة الإسلامية؟
نايف: الإسلام تقبّل ما سبقه من أهل الكتاب، بينما لم يتقبل اليهود، ولا النصارى الإسلام، والحروب الصليبية هي الشاهد التاريخي على ذلك، والتآمر اليوم هو امتداد لهذا الفكر الإقصائي الغربي.
سعود: هذا يعيدنا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن "ملة الكفر واحدة". ونحن لا نستحيي أن نقول هذه الكلمة بإنصافها.
** هل هو ناتج عن سوء فهم لسماحة الإسلام أم انطباعات إعلامية وثقافية سلبية سابقة.. لماذا الاستهداف للإسلام من طرف واحد؟
نايف: هذه هي النظرة الغربية نحو الآخر. والإعلام الغربي يعتبر أداة نشأت من 150 عاماً. أما قبل ذلك لم يكن هناك إعلام مؤثر بالمعنى الحديث للكلمة. لكن الحروب القديمة، وعداءهم التاريخي لهذه الأمة، والحروب بين الإسلام وبيزنطة قبلها ولّدت هذا العداء والاستهداف، فالمسألة في رأيي هي مبدئية. والله عز وجل قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}. وقال "الدين" أي بـ"أل" التعريف، وكل الأنبياء منذ سيدنا آدم عليه السلام حتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نادوا بدين واحد هو الإسلام أي التوحيد الخالص، وهذا الأمر لا يوافق أهواء أصحاب المصالح الخاصة. فمثلاً عندما أرسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك الأرض. وصلت رسالته إلى هرقل ملك بيزنطة "الروم" وهو يعلم أن الإسلام هو الحق، ويعرف ما قاله القرآن الكريم عن المسيح، لكن هرقل سأل رسول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً له: "قل لنبيك أين أرى ملكي وقوتي في هذا الدين؟ إن أراني إياه دخلت، وأدخلت روما كلها في الإسلام". فقال له رسول الرسول: "ليس لملكك مكان في هذا الدين فالدين كله لله". فردّ عليه هرقل: "إذن قل لمحمد إنني سأحاربه حتى آخر رجل عندي". ومن هذا نفهم أن المسألة هي صراع مستمر بين توجيهات إلهية، وبين مصالح بشرية تستغل الناس لمصالحهم الخاصة.
* لكننا نرى تسامحاً من المجتمعات الغربية في تعاطيها مع الإسلام والمسلمين.. وهناك مسلمون ومبتعثون يعيشون فيها بارتياح، ولا يتعرضون للمضايقات.
سعود: لا أوافقك على هذا الطرح لأسباب منهجية.
**.. والسبب؟
سعود: ليس من يعيش على السطح كمن يغوص في الأعماق. الحضارات المختلفة لها قشرة ولها لبّ. وهناك فرق بين المدنية والحضارة.. ومن يأتي على عجالة يتأثر بالقشور المدنية كالعمران المتطور، ونمط الحياة، والتسهيلات المعيشية، والتعامل مع الظواهر بسطحياتها؛ فيتعامل بجزئية ويحكم على الكل من الجزء وهذا خطأ منهجي، وخطير، واعتبره "فيروس" يؤتى به إلى مجتمعاتنا.. وأغلب الناس يتعامل مع الظواهر الشكلية للغرب. أما التسامح عند الغرب فهو يعني تسهيل السيطرة وعدم المقاومة.. فما دمت مسيطَر عليك فيعتبرونك متسامحاً.. وما دمت تخدم مشروعهم فيصنفونك أيضاً متسامحاً. ما دمت لا تعترض عليهم فأنت متسامح، وعلى سبيل المثال فرنسا في غزوها لشمال إفريقيا، وتحديداً في الجزائر كانت تراها جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفرنسية حتى إنها كانت تسميها "أوتر مير" وتعني فرنسا ما وراء البحار، وأنها امتداد للتراب الفرنسي، أما من عليها فهم طارئون لا وجود لهم. ولذا كانت لديهم قرارات أساسية في خياراتهم، بفترة تأسيس انتدابهم، وكانوا يرون أن الجزائر ليست بلاداً مستعمرة بل هي امتداد لبلدهم، بمعنى أنهم وُجدوا فيها ليبقوا، ولذلك كانت خياراتهم واضحة المعالم؛ ومنها أنهم لا ينظرون للإنسان الموجود على الأرض التي استعمروها بأن له خصوصية؛ لغة وثقافة، والأهم منها أن لديه ديناً خاصاً هو الإسلام، وهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو المحور الحقيقي للمجتمعات العربية والإسلامية، لذا تعاملوا معها بكل بساطة في إنهاء هذا المحور.. ولذلك فقتلى الاستقلال الجزائري عن فرنسا يقال عنهم إنهم مليون شهيد وفي الحقيقة هم أكثر من ذلك. وهذا التعامل الفرنسي على سبيل المثال يعطي انطباعاً عن حقيقة تعامل الغرب، وتسامحه، ومدى إنصافهم عبر التاريخ. لذا عندما نتحدث عن عدم تسامح الغرب فنحن لا نحكم عليها من قشورها بل من الشواهد التاريخية. فاليوم في عالم الإباحية كل شيء يجوز، لذلك تفسر الإباحية بالتسامح. وهذا غير صحيح أبداً؛ فهذه الإباحية تقبلها كنيستهم تحت ظرف الأمر الواقع رغم أنها تتنافى جملة وتفصيلاً مع الدين النصراني، ومع ذلك يرونه من التسامح.
نايف: في موضوع تسامح الغرب دعنا ننظر له ببساطة. ونرى الغرب بطبقاته المختلفة حتى نكون منصفين. فالخالق -عز وجل- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. والإنسان الغربي قد يكون فيه من الطيبة إلى حد ما حتى تبدأ تتكلم معه عن خصوصياته عندها ترى شخصاً آخر. ولكن عندما يريد أن يستدرجك لمكوناته فهو متسامح. وعندما تتصادم أهواؤه مع ثوابتك ترى وجهاً آخر. ولنتذكر أن أول ثورة قامت في الغرب هي الثورة الفرنسية، والتي رفعت شعارات "إخاء، مساواة، حرية". ولكن هذه المبادئ الثلاث لم تُطبق في التعامل مع الإسلام، فمثلاً على الصعيد الفردي تمنع المدرسات المسلمات الفرنسيات من لبس الحجاب بحجة العلمانية، بينما يُسمح للراهبات بلبس لباس الرهبنة، ولم يُعتبر منافياً للعلمانية، ويسمح للراهب وضع الصليب على صدره، واليهودي الأورثوذكسي قلنسوته، ولباسه الأسود، بينما يمنع المدرس المسلم الفرنسي من لبس أي لباس يرمز من قريب أو بعيد لإسلامه. وعدم منح رخص لمساجد جديدة تنناسب مع أعداد المسلمين المتزايدة ويمنعون من صلاة الجمعة في الشوارع. وعدم السماح بالمآذن، ويمنع الأذان بينما تقرع الأجراس ليل نهار والأمثلة على ذلك كثيرة. أما على الصعيد الجماعي فتيمور الشرقية جزء من إندونيسيا أرادت الاستقلال فأعطتها هيئة الأمم الاستقلال في أربعة وعشرين ساعة، وهددت الدول الكبرى إندونيسيا بالحرب فانتهت المسألة بيومين. وسلوفانيا أرادت الاستقلال عن صربيا فبدأت الأخيرة بتحريك جيوشها فهددتها عدة دول أوروبية بالحرب فانتهت المسألة بعدة أيام، وأدخلت بالوحدة الأوروبية. بينما البوسنة والهرسك دخلت حرباً طاحنة استشهد فيها مئات آلاف من المسلمين، وقسمت، وكان الخاسر الأكبر بذلك المسلمون. فلسطين ترزح تحت الاحتلال "الإسرائيلي" بسلاح، ومال وغطاء غربي ولا حياة لمن تنادي. التصفية العرقية للروهينغا المسلمين في بورما لم يتطرق لها من بعيد أو قريب وإفريقيا الوسطى. وصدق الله عز و جل إذ قال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
** اسمحا لي أن أختلف معكما في هذا المحور؛ لأننا نرى المساجد في مختلف مدن أوروبا وأمريكا، والمراكز الإسلامية تنشأ، والمسلمون يقيمون شعائرهم دون اعتراض كما نراهم في وسائل الإعلام العربية والغربية؟
نايف: دعني أوضح لك أن هناك جوهراً، وهناك غطاء أو قناع على هذا الجوهر. فعلى سبيل المثال هناك 9% من الشعب الفرنسي مسلم، وفي بلجيكا 10% من الشعب مسلم. ما رأينا في تاريخ أوروبا من يتكلم عن حقوق هذه الأقليات لديهم، ولم يُلفظ حتى في أدبياتهم الفكرية أو الفلسفية أو السياسية طرح فكرة حقوق الأقليات بينما عندنا يأتي الغربي ويقول: "ما هي حقوق الأقليات في بلادكم؟". لا يجوز أن نكون تحت حكم ديكتاتورية الأقليات. وتواجد الإسلام في أوروبا وأمريكا في مدّ وجزر عبر التاريخ، وكل ما لديهم من علوم أتتهم عبر الحضارة العربية الإسلامية من الأندلس.
سعود: أودّ أن أشير إلى أن تراثهم اليوم الذي يفتخرون به، وما يسمى "الغريقورومن" أو الإغريق- الروماني لم يأتهم مباشرة، بل أتاهم عبر التراجم العربية إلى اللاتينية حتى الفلسفة الإغريقية.. وهذا دليل تسامح الإسلام وفضله عليهم.
** لكن من المعروف أن الحضارات الإنسانية عبر التاريخ تستفيد مما قبلها، وتبني على علوم ومعارف ما سبقها.. وهذا التبادل المعرفي يأتي في سياقه التاريخي.. فلماذا تستغربان ذلك؟
نايف: تسامح الحضارة الإسلامية التي تعد كما ذكرت مكملة للحضارات التي سبقتها. والإسلام عندما ذهب شرقاً وغرباً لم يقضِ على الحضارات، والمجتمعات التي فتحها بل قلّم أظافرها، وهذبها، وأظهرها بمظهر إنساني يتماشى مع الإسلام؛ لكنه لم يُلغِ الآخر، بل كان مكملاً ومجملاً له، لكن الحضارة الغربية مختلفة في هذا الجانب.
سعود: الرجل الأبيض الأوروبي يرى نفسه مركز العالم، والكون، وله الحق تكويناً حضارياً في ذلك -كما يعتقد هو ذلك- فروما على سبيل المثال سيطرت على العالم بمسيحيتها، وبسببها قامت الحروب الدينية القديمة، وقامت الحربان العالميتان الأولى والثانية.. وعند تحليل أسباب الحروب نكتشف أن عقدة النرجسية موجودة لديهم. لذا فإن أشرس الناس في عدائهم هو الرجل الأبيض فحين ذهب لإفريقيا، والهند، وأمريكا الجنوبية قضى على الحضارات، والمجتمعات الموجودة هناك بذات النمط، ففي قارة أمريكا الشمالية أفنوا 25 مليون هندي أحمر من سكانه الأصليين، وفي كل منطقة قضوا على حضارات عظمى كانت قبلهم كالانكا، والآزتك في أمريكا الوسطى والجنوبية.
** حسناً.. أمام هذا العداء واللاتسامح الذين ترونه ضد الإسلام والمسلمين من الغرب.. ما هي الآلية لحماية الإسلام والدفاع عنه؟
نايف: الآلية أن تعرف ذاتك أولاً.. وتعرف من أنت؟ ومع الأسف الإعلام "المتغرب" عندنا يحاول أن يظهر أن الإسلام كأس فارغ كلّ يملؤه بما يريد. والحقيقة أن الإسلام هو كأس مليء بمحتوى، ودلالة، ووضوح. إلهية قطعية النص، وقطعية الدلالة. وهذا ما بني عليه الإسلام عقيدة أولاً.. وبعدها تترجم العقيدة لسلوك ثم لتشريعات تمارس الحياة المدنية من خلالها.. فهذه الابعاد الثلاثة يجب أن تتكامل.
سعود: نعم الوعي بالذات هو أهم شيء.. واتفق مع ما ذكره أخي نايف.
**... وما هو دور المسلم في المجتمع والحياة بشكل عام؟
نايف: دورنا نراه من منظور قرآني.. فالخالق -عز وجل- قال: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً". ومهمتنا في وسطيتنا أن نكون شهداء على الإنسانية كلها، وإخراج الناس من ظلماتهم بإقامة الحجة، والدعوة. وأول من رأى الإسلام عدواً هي الكنيسة الأوروبية؛ لأن الأفكار الإسلامية حرّرت الفرد الأوروبي من سيطرة الكنيسة عليه التي كانت تزدهر ببيئة التجهيل الممنهج للفرد الأوروبي، وكذلك النظام الملكي الأوروبي كان يعيش على السيطرة الكاملة على المجتمع من خلال الكنيسة فأصبحتا أداتين مسلطتين على الفرد الأوروبي لاستعباده؛ وإلا كيف نفسر أن شعوب أوروبا لـ 1500 سنة لم تقرأ كلمة واحدة من كتابها؛ لأن الكنسية أخذت النسخة اليونانية القديمة من القرن الخامس، وترجمتها إلى اللغة اللاتينية الميتة، وأبقت عليها عن قصد لكي لا تقرأ، وتحتكر الكنيسة تفسيره دون مسألة حتى باع الفاتيكان صكوك الغفران، وأراضي في الجنة.
سعود: نقدنا للفكر الغربي وتأثيراته في منطقتنا ليس من باب التحامل، بل لأسباب موضوعية لمن عرف كلا العالمين، وقارن وفاضل. على جيلنا أن يقبل التحديات القائمة ويكون لها نداً. نحن نراها بمسؤوليتها التكليفية، وأن اليوم بقاءك، وجودك، وحضارتك، وقيمك، وأخلاقك، ومبادئك كلها مهددة، وعلينا أن ننهض من سباتنا.
** هل فعلاً هناك "أجندات" خلفها دول غربية لتشويه الإسلام، وزرع الجماعات المتطرفة لإثارة الفتن في المنطقة؟
نايف: في علم الاستراتيجية القاعدة الأولى، هي: "لا يهمنا ماهية الحقيقة بل المهم هو كيف تُظهر أنها الحقيقة". وذلك للتمويه. والآن هناك أجندات سياسية، واقتصادية، وحضارية تريد أن تغطي عيوباً كبرى عند الغرب، وليس لديها وسيلة إلا أن تشوّه الإسلام، وهي موجودة اليوم، ويصرف عليها مليارات من الدولارات. فلا نأخذ الأمور ببساطتها على أنها كل إناء بما فيه ينضح. فعلى سبيل المثال أمامك كأس من الحليب صافي اللون والبياض فيه نفع وشفاء للناس هو الإسلام، ويريد البعض أن يقنعوا الآخرين بأن لونه أحمر داكن، وسام ليبتعدوا عنه، وكما قال القدماء: "إن من البيان لسحر". واليوم وسائل الاتصال المختلفة، والإعلام هما السحر الأكبر في تشويه الحقائق هذا ما يعرف بساحات الحروب الافتراضية.
** في ظل التقدم الحضاري والعلمي الكبيرين.. كيف يمكن الاستفادة من الغرب لتطوير أنفسنا ومجتمعاتنا؟
نايف: يجب أن نعرف كما أننا أهداف وضحايا لهذا الغرب.. فالأفراد الغربيون ضحايا لنظام فكري، وسياسي. والغرب طبقات بعضها فوق بعض وغير متجانسة. ولمعرفته والاستفادة منه لا بد أن نرجع لجذوره قبل المسيحية. فهناك حقب فكرية، وعقدية، ومدنية مرّ بها الغرب وأثرت به. فالرأسمالية على سبيل المثال يقال لنا إنها من الغرب، والشيوعية يقال لنا إنها من الشرق؛ هكذا حاولوا إفهامنا لكنهما في الواقع كلاهما من الغرب، وهما نتاج فكر واحد رغم تضادّها. لكن الإسلام يسبق الاثنين، وفيه محاسن الرأسمالية والشيوعية دون محاذيرها، والعيوب التي تنتج عن الرأسمالية كالفردية والاحتكار الاقتصادي مُنع في الإسلام قبل 1400 سنة أي قبل الفكرتين.. فنهى الرسول محمد صلى الله عليه و سلم عن احتكار الفرد للفرد، وقال "ولا تناجشوا"، و"لا يبِع بعضكم على بيع بعض" وهي مبادئ أطّرت قبل1400 سنة أي قبل نظريتي الرأسمالية والشيوعية. والخليفة على بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: "حدّثوا الناس على قدر عقولهم.. أتريدون أن يكذب الله ورسوله". ولذلك المسألة هي في كيف تختزل خزاناً كبيراً فيه تريليونات من المعلومات في كأس صغيرة يشربه الفرد المسلم ليستوعبه. وما يطرح الآن من أجندات ضد الإسلام هي المؤامرة بعينها.
سعود: الغرب اسم جامع لكيانات متعددة. فصربيا وروسيا وأمريكا من الغرب لكن لكل دولة خصوصيتها. ويجب التعامل معها على هذا الأساس. نحن نختلف معهم منذ آدم والاختلاف في أسس الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والدنيا والمآلات.. حتى تبرر المسيحية اختلاف كتابها بين الأورثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت بسوء نية ادّعت أن القرآن الكريم أيضاً له عدة نسخ متغايرة، بينما القرآن يُقرأ بـ 7 قراءات (لهجات)، والفرق بينها مفردات بنفس المعنى.
** ما هي أبرز تحديات الأمة الإسلامية الحالية؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
سعود: أبرز التحديات تدخّل الآخرين في ماهية الإسلام فكل ما يحيط بنا من الأحداث السياسية، والعسكرية، والإعلامية هي إعادة صياغة الإسلام. فالجنرال الأمريكي "ويزلي كلارك" صاحب الاستراتيجية بعيدة المدى للقوة الضاربة الأمريكية في العالم، يقول في محاضرة له بجامعة أوكلاهوما: "من ظنّ أننا خرجنا للعراق، وأفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر فليصحح خطأه، نحن خرجنا لقضية اسمها الإسلام.. نحن لا نريد لهذا المشروع أن يبقى حراً يحدد فيه المسلمون ما هو الإسلام؛ نحن نحدد لهم ما هو الإسلام". وهذا ما نراه اليوم يحصل في منطقتنا. وتلك كانت إرهاصات، واليوم تطبيق على الواقع، وأدواتهم الكبرى والعظمى هي من الدول الإسلامية ذاتها، والجماعات الإسلامية المنحرفة هي من أدواتهم، والفتن التي تحصل اليوم هي لِهزّ استقرار الدول الإسلامية في الشرق، والغرب، هي جزء من هذا المشروع. واليوم بعضنا قد يراها ببراءة لكنها إرهاصات خارجية، وهم يخبروننا بأنهم قادمون، واليوم هناك طفرة مدخرات مالية في منطقة الخليج، وعند قطبين رئيسيين هما السعودية والإمارات، ويجب افتعال الأزمات لكي تُستنزف عوض أن تسُخّر للنهوض الحضاري، والصناعي، والإنمائي المتأمل. وظيفة الأعداء الكبرى، والعظمى التضييق على الإسلام في منطقتنا، وإلا سيفشل مشروعهم.
** يتردد أن هناك عدداً من السفراء الأجانب في السعودية أسلموا على يديكما.
نايف: نعم أسلم بعض من السفراء والباحثين والأكاديميين نذكر منهم سفير سويسرا، وألمانيا، وسفيري إيطاليا، والدكتور "كيري" الذي يعد بمثابة البابا لدى "الإنجليكان"، وأراد أن يُدفن في مقابر المسلمين فاتهموه بالخرف. صدق الله -عز وجل- القائل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال: "كلٌّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه"
* قلتما عن الرئيس الفنزويلي السابق هوجو شافيز بعد وفاته "يرحمه الله" ومن المعروف عن الرحمة أنها لا تجوز إلا على مسلم.. فهل أسلم؟
نايف وسعود: نحسبه كذلك والله حسيبه. وقد كان هذا قبل أن يصبح رئيساً لفنزويلا عندما كان ضابطاً، إذ تعارفنا في أمريكا عندما كنا هناك للدراسة، وكان هو مبتعثاً لدورة هناك. ووجدناه ذا ذهن وقّاد، وحماسة فيما يعتقده من آراء.. وكانت بيننا نقاشات فكرية عميقة عن الرأسمالية، والاشتراكية، ونظرة الإسلام للاقتصاد والمال، وغيرها من القيم، واقتنع بما نقول.
** لكما نظرية سياسية، تقول: "أمريكا تعتبر السعودية الحليف التكتيكي في المنطقة، وهي في نفس الوقت العدو الاستراتيجي، وتُعتبر إيران العدو التكتيكي في المنطقة، والحليف الاستراتيجي".. هلا وضحتما أكثر؟
نايف: الاحتكاك بالمعارف، والتجارب، والتفكر بها يتأتى عنها تكثيف استنتاجات يصيغها الذهن على شكل نظريات، إحداها نظرية المرآتين، تحدثت بها منذ 25 سنة، وفكرتها أن هناك مرآتين مقعرة، ومحدبة مسلطتان على الأمة الإسلامية، ومن خصائص مرآة التحديب "التقزيم"، ومن خصائص مرآة التقعير "العملقة".. ونحن نرى أنفسنا بالمحدبة فنرى أنفسنا أقزاماً، ونرى أعداءنا بالمقعّرة فنراهم عمالقة. ولن تقوم قائمة لهذه الأمة إلا بكسر هاتين المرآتين. وهناك نظرية أخرى فكرتها أن الإسلام في ضفة، والكفر في ضفة أخرى، وبينهما جسر، وهذا الجسر يعبره إلينا خيرة ما عندهم من الصادقين الشفافين، والشجعان، أما سقط ما عندنا فيذهب اليهم، والحركة في الاتجاهين ليست متوازنة فهناك مليون شخص قادمون إلينا من الكفر للإيمان، ومنا أعداد قليلة تذهب لهم. وأما سؤالك حول نظريتي السياسية ففكرتها أن أمريكا تعتبر السعودية الحليف التكتيكي في المنطقة، وهي في نفس الوقت العدو الاستراتيجي، وتعتبر إيران العدو التكتيكي في المنطقة، ولكنها في نفس الوقت الحليف الاستراتيجي؛ وذلك لأن الدولة السعودية قامت على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وهذه من المحاذير الكبرى في الغرب، وأما إسلام إيران فهو يتطابق مع أهوائهم، وهو الحليف في المنطقة منذ الحقبة الصفوية، والتاريخ له محاور ثابتة يتمحور حولها. هذا أيضاً قلته منذ ما يقارب 20 سنة، ولمسؤولين كبار في السعودية رغم أن شواهدها لم تعرف إلا منذ فترة. إذ إن بعدها الاستراتيجي كامن لا نراه، في حين أن بعده التكتيكي تغطيه المصالح المشتركة بين السعودية وأمريكا. وعندما تتعارض المصالح التكتيكية مع المصالح الاستراتيجية عندها يغلّب الخيار الاستراتيجي. والحوثيون على سبيل المثال كانوا يرددون شعارات: "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل". وعندما دخلوا صنعاء أول ما قاموا به هو حماية السفارة الأمريكية. وعندما سئل السفير الأمريكي في اليمن عن ذلك، ضحك قائلاً: "لا أظن أنهم يعنون ما يقولون". إذ الحقيقة هي عكس ذلك. كما أنه لا يخفى على أحد دور إيران في تمكين أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق ومتخذي القرار في الخليج يعتقدون أن دول الخليج العربي حلفاء استراتيجيون وحيدون لأمريكا في المنطقة، لكن هذه الأمور تبيّن عكسها أثناء المحادثات الذرية بين الغرب وإيران قبل سنة ونصف.. حين ذهب الغرب وعلى رأسه أمريكا يهرول لإيران، وتركوا دول الخليج العربي كلها كما يقول المثل الشعبي: "خلوهم على المراح". وأمريكا اعترفت بما قالته إيران: "لولانا لما دخل الأمريكان العراق وأفغانستان". وهذا دليل التحالف بينهم. ولأول مرة يعترف قائد عسكري أمريكي بأن السنة أغلبية في العراق هو بعد الأحداث الأخيرة فيه. بينما كل الأدبيات السابقة للأمريكان يتكلمون عن الأقلية السنية، والأغلبية الشيعية في العراق، والإحصائيات الرسمية تثبت أن الشيعة 36% فقط، بينما السنّة العرب 45% والسنّة الكرد 15% والباقي أقليات من المسيحية، والصابئة،، واليزيدية وغيرهم. وهذا يثبت أن الغرب يكيل بمكيالين في تعاملاته مع المسلمين كما في البوسنة والهرسك عندما قسموها انتقائياً تقسيماً عرقياً، ودينياً في آن واحد. فكان يجب أن يقال عن التقسيم مسلم، كاثوليكي، أورثوذكسي، أو يقال بوسني، كرواتي، صربي. لكن يُخلط بينها فيقولون صربي، كرواتي، مسلم، ليوهموا أن الإسلام دخيل على البوسنة وليس أصيلاً. وقد كتبنا خطاباً إلى سكرتير الأمم المتحدة بهذا الشأن. لكنهم أعادوا نفس الحيلة في العراق فقالوا سني، شيعي، كردي، ليوهموا أن العرب السنة هم أقلية، بينما الصواب كان يجب أن يقولوا سنة وشيعة أو عرب وكرد.
* ذكرتما أن هناك 3 أنواع من الدول في الشرق الأوسط: الاستراتيجية والتكتيكية، ودول ردة الفعل.. هل وضحتما بشكل أكثر؟
نايف وسعود: هناك 3 أنواع من الدول في الشرق الأوسط. أولاً دولة استراتيجية هي إيران وهي أخطرها، التي لها خطط واضحة ومحددة لبناء الدولة منذ أن عاد "الخميني" كانت من أول أهدافها محو الدولة الإمبراطورية "العميقة"، والقضاء على الجيش الإيراني وجنرالاته، وعلى المباحث الإيرانية المسماة "السافاك" التي كانت تعدّ من أعنف مباحث في الشرق الأوسط والعالم، وكان لديه خطة خمسينية واضحة المعالم والأدوات -الهيمنة الشيعية في المنطقة- وثانياً هناك دول تكتيكية أبرزها "إسرائيل" التي لا تعدّ دولة استراتيجية بل دولة "عابرة" ومؤقتة، وهم يعلمون ذلك جيداً، لكن العرب أوهموا أنها باقية، دليلنا أن في العام الماضي السي آي إيه كلفت جامعات بدراستين: الأولى كيف تستطيع أمريكا استيعاب خمسة ملايين يهودي دفعة واحدة، والثانية كيف يكون الشرق الأوسط بعد زوال "إسرائيل". عقلاء "إسرائيل" ومثقفوها يعيشون أسوأ عهودهم في حين أن الساسة والعسكريين يحيون أزهى عهودهم. وثالثاً هناك دول ردة فعل، وهي بقية بلدان الشرق الأوسط. التي تتعامل مع الأزمات بعد حدوثها. وفي هذا الشأن دعني أوضح أن الأمة العربية لها 3 أجزاء رئيسية (جسد، وجناحان).الجسد مكون من شبه الجزيرة العربية التي هي الرحم الدافق للأمة وقلبها، وموقعها الاستراتيجي الواصل بين إفريقيا وآسيا، وأما جناحاها فهما مصر وسوريا الكبرى (الشام والعراق).
http://cdn.sabq.org/files/general/2759_41252.jpg
حسبنا الله ونعم الوكيل،،،، منقول سبق
مناقشة المجتمع قيادة المرأة للسيارة إهانة للفكر السعودي ولن تقوم لنا نهضة ما دمنا نستهلك.
· الليبراليون والعلمانيون مغرّرٌ بهم وتابعو هوى وطابور خامس من "خفافيش" السفارات.
· لو كرّرنا بترولنا لسيطرنا على العالم وقضينا على البطالة وتقاضى المواطن 20 ألفاً.
· أمريكا تستعد لاستيعاب 5 ملايين يهودي بعد زوال إسرائيل .. "المتطرفون" يُشعلون الفتن.
· عرضنا على أصحاب القرار دراسةً توقّعنا فيها غزو الكويت قبل وقوعه بـ 5 أعوام.
· بعض مثقفينا إمّعات للغرب والصحافة الصفراء مُسلطة علينا منذ الخمسينيات.
· فطنة الملك فهد مكّنته من سبر أهمية الفكر .. والأمير سلطان وافقنا أنها لجنة "غبراء".
· الحوثيين يردّدون "الموت لأمريكا وإسرائيل" وعندما دخلوا صنعاء حموا واشنطن.
· ناقشنا "شافيز" عندما كان مُبتعثاً عن الإسلام والنصرانية والرأسمالية والاشتراكية فأصبح صديقاً.
· أسلم بعض السفراء على أيدينا .. وهذه قصة "كيري" الذي أوصى بدفنه بمقابر المسلمين فاتهموه بالخرف.
· أمريكا تعد السعودية حليفها التكتيكي وعدوها الإستراتيجي وإيران العكس.
- الجنرال الأمريكي "ويزلي كلارك" صاحب الاستراتيجية بعيدة المدى يقول : "من ظنّ أننا خرجنا للعراق، وأفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر فليصحح خطأه، نحن خرجنا لقضية اسمها الإسلام.
- هناك مرآتين مقعرة ومحدبة مسلطتان على الأمة الإسلامية ومن خصائص مرآة التحديب "التقزيم" ومن خصائص مرآة التقعير "العملقة".
حوار/ شقران الرشيدي- سبق- الرياض (تصوير: فايز الزيادي، عبدالمجيد العازمي): يقول الأخوان "التوأمان" الأميران نايف وسعود فواز الشعلان أن الإسلام دين مستهدف من الغرب في قيمه، وأهدافه، وثوابته، وفي مجتمعاته. مؤكدين في حوارهما مع "سبق" أن منطقتنا تحيط بها المخاطر، وأن هناك أجندات سياسية خفية لإعادة صياغة الإسلام، وتفريغه وتجزئته، وإثارة الفتن في منطقتنا صُرف عليها المليارات من الدولارات. محذرين السعودية والإمارات مما يخطط لها الآخرون. ومن مشروع غربي يستهدفهما. موضحين رؤيتهما في تسامح الغرب، والتعايش مع النصارى، وأسباب دراستهما منذ الصغر في مدارس "غربية" في سويسرا، وفرنسا، ولبنان، وأمريكا.. ولماذا لُقبا بالأخوين "الدمويين" من نصارى لبنان. كما تحدثا عن مواقفهما مع الملك فهد والأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمهما الله- ومع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- والرئيس الفنزويلي السابق وتقبله للإسلام، كما يتطرقان لنظرياتهما السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وإسلام عدد من السفراء على أيديهما، وأسباب عدم مناقشتهما للتيارات الفكرية داخل السعودية، وشرحا تصنيفهما الخاص بدول الشرق الأوسط الاستراتيجية والتكتيكية، ودول ردة الفعل، وإيقافهما التعاقد بالملايين مع ثري عربي اكتشفا أنه مقامر في كازينوهات "مونتي كارلو".. وتتقدم "سبق" بالشكر الجزيل للأستاذ محمد الراشد على جهوده في ترتيب الحوار؛ فإلى التفاصيل..
** تتنوّع شخصيتاكما في اهتماماتها الثقافية، والفكرية، والاقتصادية، والرياضية.. هذا التنوع والثراء في التجارب كيف يكون؟
نايف: هناك نظريتان في علم الاجتماع أو مدرستان كبيرتان إحداهما البنيوية من الإنسان ذاته "الجينات"، ومدرسة أخرى اسمها السببية "البيئية أو الظرفية"، والإنسان هو مزيج من كلا المدرستين. والعامل "الجيني" يختص بمدى الاستيعاب، والفهم، والميول... إلخ. أما الحصيلة العلمية والفكرية فهي من العامل السببي أو البيئي. ويمكن تشبيه الأمر بصقل الأحجار الكريمة التي هي عملية ميكانيكية، وعملية "أدواتية ظرفية"؛ فعلى سبيل المثال حجر الكوارتز، وحجر الألماس كلاهما متشابهان، لكن إذا أعطيتهما ليد ماهرة في الصقل، واستخدمت ذات التقنية.. ثم عرضتها في السوق للبيع؛ فالألماس يساوي مليون دولار والكوارتز لن يزيد على 10 دولارات. والسبب الحقيقي هو خامتها.
سعود: أود أن أضيف على حديث أخي نايف أن هذا الموضوع فيه خصوصية بين الشمولية، والتفصيل، وهما عالمان مختلفان تماماً، ونادراً ما يجتمعان. وأخي نايف يضرب مثلاً دائماً بآلتَي الـ"ميكروسكوب" و"التليسكوب"، وهذه حقيقة.. فنادراً ما ترى آلة "الميكروسكوب" الأشياء البعيدة بشموليتها واتساعها وبعدها كـ"التلسكوب"، لكنها ترى التفاصيل الدقيقة، ومكوناتها.. وهذا يسمى الإنصاف والرسوخ.. وفيما يتعلق باهتماماتنا المتعددة أعتقد أن الجزء الجيني له دور.
منذ الصغر وبسبب ظروف عائلية درستما معاً خارج السعودية في مدارس "غربية" في سويسرا وفرنسا ولبنان، وفي أمريكا أثناء الدراسات العليا.. ماذا تركت هذه التنقلات العديدة في ذاتكما من ذكريات؟
نايف: بالفعل درسنا في مدارس خارجية بدايتها في مدارس سويسرية، ثم أكملناها في مدارس فرنسية. وأذكر في دراستنا بلبنان أن الطلاب كانوا يرفضون الجلوس معنا على ذات المقاعد؛ لأن أغلبهم من النصارى المتعصبين، ونظرتهم النمطية للإسلام "دونية"، ويمكن أن نقول إنها عنصرية. وقد فرّقونا أنا وأخي "سعود" في شعبتين دراسيتين مختلفتين حتى لا نكون في ذات الصف. وكانت مقاعد الدراسة يجلس عليها طالبان، والطلاب النصاري يرفضون، ويقولون للمدرسين: "لا أريد أن أجلس بجانب المسلم"، فاستعملنا اللين في بادئ الأمر فلم يُجدِ، فاضطررنا للعنف فكسبنا بذلك احترامهم.
سعود: نعم.. شاءت الظروف أن ندرس في خارج السعودية في سويسرا وفرنسا وبعدها في لبنان لأسباب عائلية. ولأننا بدأنا الدراسة بمناهج دراسية بلغات مختلفة، فكان من الصعب تغييرها والعودة للسعودية؛ حتى لا نخسر سنين دراسية. لكن من فضل الله -عز وجل- أننا وفّرنا سنتين مهمتين من دراستنا قبل أن ندرس المرحلة الجامعية في أمريكا، ويمكن القول إننا كنا غرباء في أغلب حياتنا، وهذا مما جعلنا ننظر إلى ثوابتنا، وديننا، وفطرتنا أكثر من غيرنا؛ لأننا نراها كمن يرى من اختار الإسلام عن قناعة ليس كمن ورثه.
* في ذلك الوقت.. كيف تم تقبّل طالبين مسلمين في مدارس "كاثوليكية"؟ هل كان هناك نوع من التصادم مع الطلبة الآخرين من ديانات أخرى؟
نايف: أتينا من بيئة تحترم الآخر، وغير صدامية. لكن فرضت علينا الظروف أن ننتزع حقنا بأيدينا لندافع عن ديننا وهويّتنا.
سعود: نعم.. كان هناك مواجهات مع العديد من الطلاب، وتقبّلناها بتحدٍّ وإصرار، وهذا الجانب الجيني فينا حيث تحوّل الأمر إلى شراسة، واستيعاب للصدمة، وكنا أمام خيارين إما أن نذوب أو نتبلور، وخلفيتنا الإسلامية، والاجتماعية رحّبت بالتحدي.. والله أعلم لماذا؟ ويمكن القول إن هذا التحدي هو أجمل شيء في حياتنا؛ لأنه فجّر فينا طاقات، ومكنونات، وشعوراً بالمسؤولية. وأن هذه الأمة الإسلامية هدف للآخرين دون أن يكون لها ذنب. ودليل على أن العالم الغربي قبل الأحداث الكبرى أو ما يسميها أخي نايف "الإسلاموفوبيا" بعد أحداث 11 سبتمبر. فالعالم الغربي عنده عداء للإسلام من طرف واحد.
** في رأيكما.. لماذا هذا العداء للأمة الإسلامية؟
نايف: الإسلام تقبّل ما سبقه من أهل الكتاب، بينما لم يتقبل اليهود، ولا النصارى الإسلام، والحروب الصليبية هي الشاهد التاريخي على ذلك، والتآمر اليوم هو امتداد لهذا الفكر الإقصائي الغربي.
سعود: هذا يعيدنا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن "ملة الكفر واحدة". ونحن لا نستحيي أن نقول هذه الكلمة بإنصافها.
** هل هو ناتج عن سوء فهم لسماحة الإسلام أم انطباعات إعلامية وثقافية سلبية سابقة.. لماذا الاستهداف للإسلام من طرف واحد؟
نايف: هذه هي النظرة الغربية نحو الآخر. والإعلام الغربي يعتبر أداة نشأت من 150 عاماً. أما قبل ذلك لم يكن هناك إعلام مؤثر بالمعنى الحديث للكلمة. لكن الحروب القديمة، وعداءهم التاريخي لهذه الأمة، والحروب بين الإسلام وبيزنطة قبلها ولّدت هذا العداء والاستهداف، فالمسألة في رأيي هي مبدئية. والله عز وجل قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}. وقال "الدين" أي بـ"أل" التعريف، وكل الأنبياء منذ سيدنا آدم عليه السلام حتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نادوا بدين واحد هو الإسلام أي التوحيد الخالص، وهذا الأمر لا يوافق أهواء أصحاب المصالح الخاصة. فمثلاً عندما أرسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك الأرض. وصلت رسالته إلى هرقل ملك بيزنطة "الروم" وهو يعلم أن الإسلام هو الحق، ويعرف ما قاله القرآن الكريم عن المسيح، لكن هرقل سأل رسول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً له: "قل لنبيك أين أرى ملكي وقوتي في هذا الدين؟ إن أراني إياه دخلت، وأدخلت روما كلها في الإسلام". فقال له رسول الرسول: "ليس لملكك مكان في هذا الدين فالدين كله لله". فردّ عليه هرقل: "إذن قل لمحمد إنني سأحاربه حتى آخر رجل عندي". ومن هذا نفهم أن المسألة هي صراع مستمر بين توجيهات إلهية، وبين مصالح بشرية تستغل الناس لمصالحهم الخاصة.
* لكننا نرى تسامحاً من المجتمعات الغربية في تعاطيها مع الإسلام والمسلمين.. وهناك مسلمون ومبتعثون يعيشون فيها بارتياح، ولا يتعرضون للمضايقات.
سعود: لا أوافقك على هذا الطرح لأسباب منهجية.
**.. والسبب؟
سعود: ليس من يعيش على السطح كمن يغوص في الأعماق. الحضارات المختلفة لها قشرة ولها لبّ. وهناك فرق بين المدنية والحضارة.. ومن يأتي على عجالة يتأثر بالقشور المدنية كالعمران المتطور، ونمط الحياة، والتسهيلات المعيشية، والتعامل مع الظواهر بسطحياتها؛ فيتعامل بجزئية ويحكم على الكل من الجزء وهذا خطأ منهجي، وخطير، واعتبره "فيروس" يؤتى به إلى مجتمعاتنا.. وأغلب الناس يتعامل مع الظواهر الشكلية للغرب. أما التسامح عند الغرب فهو يعني تسهيل السيطرة وعدم المقاومة.. فما دمت مسيطَر عليك فيعتبرونك متسامحاً.. وما دمت تخدم مشروعهم فيصنفونك أيضاً متسامحاً. ما دمت لا تعترض عليهم فأنت متسامح، وعلى سبيل المثال فرنسا في غزوها لشمال إفريقيا، وتحديداً في الجزائر كانت تراها جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفرنسية حتى إنها كانت تسميها "أوتر مير" وتعني فرنسا ما وراء البحار، وأنها امتداد للتراب الفرنسي، أما من عليها فهم طارئون لا وجود لهم. ولذا كانت لديهم قرارات أساسية في خياراتهم، بفترة تأسيس انتدابهم، وكانوا يرون أن الجزائر ليست بلاداً مستعمرة بل هي امتداد لبلدهم، بمعنى أنهم وُجدوا فيها ليبقوا، ولذلك كانت خياراتهم واضحة المعالم؛ ومنها أنهم لا ينظرون للإنسان الموجود على الأرض التي استعمروها بأن له خصوصية؛ لغة وثقافة، والأهم منها أن لديه ديناً خاصاً هو الإسلام، وهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو المحور الحقيقي للمجتمعات العربية والإسلامية، لذا تعاملوا معها بكل بساطة في إنهاء هذا المحور.. ولذلك فقتلى الاستقلال الجزائري عن فرنسا يقال عنهم إنهم مليون شهيد وفي الحقيقة هم أكثر من ذلك. وهذا التعامل الفرنسي على سبيل المثال يعطي انطباعاً عن حقيقة تعامل الغرب، وتسامحه، ومدى إنصافهم عبر التاريخ. لذا عندما نتحدث عن عدم تسامح الغرب فنحن لا نحكم عليها من قشورها بل من الشواهد التاريخية. فاليوم في عالم الإباحية كل شيء يجوز، لذلك تفسر الإباحية بالتسامح. وهذا غير صحيح أبداً؛ فهذه الإباحية تقبلها كنيستهم تحت ظرف الأمر الواقع رغم أنها تتنافى جملة وتفصيلاً مع الدين النصراني، ومع ذلك يرونه من التسامح.
نايف: في موضوع تسامح الغرب دعنا ننظر له ببساطة. ونرى الغرب بطبقاته المختلفة حتى نكون منصفين. فالخالق -عز وجل- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. والإنسان الغربي قد يكون فيه من الطيبة إلى حد ما حتى تبدأ تتكلم معه عن خصوصياته عندها ترى شخصاً آخر. ولكن عندما يريد أن يستدرجك لمكوناته فهو متسامح. وعندما تتصادم أهواؤه مع ثوابتك ترى وجهاً آخر. ولنتذكر أن أول ثورة قامت في الغرب هي الثورة الفرنسية، والتي رفعت شعارات "إخاء، مساواة، حرية". ولكن هذه المبادئ الثلاث لم تُطبق في التعامل مع الإسلام، فمثلاً على الصعيد الفردي تمنع المدرسات المسلمات الفرنسيات من لبس الحجاب بحجة العلمانية، بينما يُسمح للراهبات بلبس لباس الرهبنة، ولم يُعتبر منافياً للعلمانية، ويسمح للراهب وضع الصليب على صدره، واليهودي الأورثوذكسي قلنسوته، ولباسه الأسود، بينما يمنع المدرس المسلم الفرنسي من لبس أي لباس يرمز من قريب أو بعيد لإسلامه. وعدم منح رخص لمساجد جديدة تنناسب مع أعداد المسلمين المتزايدة ويمنعون من صلاة الجمعة في الشوارع. وعدم السماح بالمآذن، ويمنع الأذان بينما تقرع الأجراس ليل نهار والأمثلة على ذلك كثيرة. أما على الصعيد الجماعي فتيمور الشرقية جزء من إندونيسيا أرادت الاستقلال فأعطتها هيئة الأمم الاستقلال في أربعة وعشرين ساعة، وهددت الدول الكبرى إندونيسيا بالحرب فانتهت المسألة بيومين. وسلوفانيا أرادت الاستقلال عن صربيا فبدأت الأخيرة بتحريك جيوشها فهددتها عدة دول أوروبية بالحرب فانتهت المسألة بعدة أيام، وأدخلت بالوحدة الأوروبية. بينما البوسنة والهرسك دخلت حرباً طاحنة استشهد فيها مئات آلاف من المسلمين، وقسمت، وكان الخاسر الأكبر بذلك المسلمون. فلسطين ترزح تحت الاحتلال "الإسرائيلي" بسلاح، ومال وغطاء غربي ولا حياة لمن تنادي. التصفية العرقية للروهينغا المسلمين في بورما لم يتطرق لها من بعيد أو قريب وإفريقيا الوسطى. وصدق الله عز و جل إذ قال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
** اسمحا لي أن أختلف معكما في هذا المحور؛ لأننا نرى المساجد في مختلف مدن أوروبا وأمريكا، والمراكز الإسلامية تنشأ، والمسلمون يقيمون شعائرهم دون اعتراض كما نراهم في وسائل الإعلام العربية والغربية؟
نايف: دعني أوضح لك أن هناك جوهراً، وهناك غطاء أو قناع على هذا الجوهر. فعلى سبيل المثال هناك 9% من الشعب الفرنسي مسلم، وفي بلجيكا 10% من الشعب مسلم. ما رأينا في تاريخ أوروبا من يتكلم عن حقوق هذه الأقليات لديهم، ولم يُلفظ حتى في أدبياتهم الفكرية أو الفلسفية أو السياسية طرح فكرة حقوق الأقليات بينما عندنا يأتي الغربي ويقول: "ما هي حقوق الأقليات في بلادكم؟". لا يجوز أن نكون تحت حكم ديكتاتورية الأقليات. وتواجد الإسلام في أوروبا وأمريكا في مدّ وجزر عبر التاريخ، وكل ما لديهم من علوم أتتهم عبر الحضارة العربية الإسلامية من الأندلس.
سعود: أودّ أن أشير إلى أن تراثهم اليوم الذي يفتخرون به، وما يسمى "الغريقورومن" أو الإغريق- الروماني لم يأتهم مباشرة، بل أتاهم عبر التراجم العربية إلى اللاتينية حتى الفلسفة الإغريقية.. وهذا دليل تسامح الإسلام وفضله عليهم.
** لكن من المعروف أن الحضارات الإنسانية عبر التاريخ تستفيد مما قبلها، وتبني على علوم ومعارف ما سبقها.. وهذا التبادل المعرفي يأتي في سياقه التاريخي.. فلماذا تستغربان ذلك؟
نايف: تسامح الحضارة الإسلامية التي تعد كما ذكرت مكملة للحضارات التي سبقتها. والإسلام عندما ذهب شرقاً وغرباً لم يقضِ على الحضارات، والمجتمعات التي فتحها بل قلّم أظافرها، وهذبها، وأظهرها بمظهر إنساني يتماشى مع الإسلام؛ لكنه لم يُلغِ الآخر، بل كان مكملاً ومجملاً له، لكن الحضارة الغربية مختلفة في هذا الجانب.
سعود: الرجل الأبيض الأوروبي يرى نفسه مركز العالم، والكون، وله الحق تكويناً حضارياً في ذلك -كما يعتقد هو ذلك- فروما على سبيل المثال سيطرت على العالم بمسيحيتها، وبسببها قامت الحروب الدينية القديمة، وقامت الحربان العالميتان الأولى والثانية.. وعند تحليل أسباب الحروب نكتشف أن عقدة النرجسية موجودة لديهم. لذا فإن أشرس الناس في عدائهم هو الرجل الأبيض فحين ذهب لإفريقيا، والهند، وأمريكا الجنوبية قضى على الحضارات، والمجتمعات الموجودة هناك بذات النمط، ففي قارة أمريكا الشمالية أفنوا 25 مليون هندي أحمر من سكانه الأصليين، وفي كل منطقة قضوا على حضارات عظمى كانت قبلهم كالانكا، والآزتك في أمريكا الوسطى والجنوبية.
** حسناً.. أمام هذا العداء واللاتسامح الذين ترونه ضد الإسلام والمسلمين من الغرب.. ما هي الآلية لحماية الإسلام والدفاع عنه؟
نايف: الآلية أن تعرف ذاتك أولاً.. وتعرف من أنت؟ ومع الأسف الإعلام "المتغرب" عندنا يحاول أن يظهر أن الإسلام كأس فارغ كلّ يملؤه بما يريد. والحقيقة أن الإسلام هو كأس مليء بمحتوى، ودلالة، ووضوح. إلهية قطعية النص، وقطعية الدلالة. وهذا ما بني عليه الإسلام عقيدة أولاً.. وبعدها تترجم العقيدة لسلوك ثم لتشريعات تمارس الحياة المدنية من خلالها.. فهذه الابعاد الثلاثة يجب أن تتكامل.
سعود: نعم الوعي بالذات هو أهم شيء.. واتفق مع ما ذكره أخي نايف.
**... وما هو دور المسلم في المجتمع والحياة بشكل عام؟
نايف: دورنا نراه من منظور قرآني.. فالخالق -عز وجل- قال: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً". ومهمتنا في وسطيتنا أن نكون شهداء على الإنسانية كلها، وإخراج الناس من ظلماتهم بإقامة الحجة، والدعوة. وأول من رأى الإسلام عدواً هي الكنيسة الأوروبية؛ لأن الأفكار الإسلامية حرّرت الفرد الأوروبي من سيطرة الكنيسة عليه التي كانت تزدهر ببيئة التجهيل الممنهج للفرد الأوروبي، وكذلك النظام الملكي الأوروبي كان يعيش على السيطرة الكاملة على المجتمع من خلال الكنيسة فأصبحتا أداتين مسلطتين على الفرد الأوروبي لاستعباده؛ وإلا كيف نفسر أن شعوب أوروبا لـ 1500 سنة لم تقرأ كلمة واحدة من كتابها؛ لأن الكنسية أخذت النسخة اليونانية القديمة من القرن الخامس، وترجمتها إلى اللغة اللاتينية الميتة، وأبقت عليها عن قصد لكي لا تقرأ، وتحتكر الكنيسة تفسيره دون مسألة حتى باع الفاتيكان صكوك الغفران، وأراضي في الجنة.
سعود: نقدنا للفكر الغربي وتأثيراته في منطقتنا ليس من باب التحامل، بل لأسباب موضوعية لمن عرف كلا العالمين، وقارن وفاضل. على جيلنا أن يقبل التحديات القائمة ويكون لها نداً. نحن نراها بمسؤوليتها التكليفية، وأن اليوم بقاءك، وجودك، وحضارتك، وقيمك، وأخلاقك، ومبادئك كلها مهددة، وعلينا أن ننهض من سباتنا.
** هل فعلاً هناك "أجندات" خلفها دول غربية لتشويه الإسلام، وزرع الجماعات المتطرفة لإثارة الفتن في المنطقة؟
نايف: في علم الاستراتيجية القاعدة الأولى، هي: "لا يهمنا ماهية الحقيقة بل المهم هو كيف تُظهر أنها الحقيقة". وذلك للتمويه. والآن هناك أجندات سياسية، واقتصادية، وحضارية تريد أن تغطي عيوباً كبرى عند الغرب، وليس لديها وسيلة إلا أن تشوّه الإسلام، وهي موجودة اليوم، ويصرف عليها مليارات من الدولارات. فلا نأخذ الأمور ببساطتها على أنها كل إناء بما فيه ينضح. فعلى سبيل المثال أمامك كأس من الحليب صافي اللون والبياض فيه نفع وشفاء للناس هو الإسلام، ويريد البعض أن يقنعوا الآخرين بأن لونه أحمر داكن، وسام ليبتعدوا عنه، وكما قال القدماء: "إن من البيان لسحر". واليوم وسائل الاتصال المختلفة، والإعلام هما السحر الأكبر في تشويه الحقائق هذا ما يعرف بساحات الحروب الافتراضية.
** في ظل التقدم الحضاري والعلمي الكبيرين.. كيف يمكن الاستفادة من الغرب لتطوير أنفسنا ومجتمعاتنا؟
نايف: يجب أن نعرف كما أننا أهداف وضحايا لهذا الغرب.. فالأفراد الغربيون ضحايا لنظام فكري، وسياسي. والغرب طبقات بعضها فوق بعض وغير متجانسة. ولمعرفته والاستفادة منه لا بد أن نرجع لجذوره قبل المسيحية. فهناك حقب فكرية، وعقدية، ومدنية مرّ بها الغرب وأثرت به. فالرأسمالية على سبيل المثال يقال لنا إنها من الغرب، والشيوعية يقال لنا إنها من الشرق؛ هكذا حاولوا إفهامنا لكنهما في الواقع كلاهما من الغرب، وهما نتاج فكر واحد رغم تضادّها. لكن الإسلام يسبق الاثنين، وفيه محاسن الرأسمالية والشيوعية دون محاذيرها، والعيوب التي تنتج عن الرأسمالية كالفردية والاحتكار الاقتصادي مُنع في الإسلام قبل 1400 سنة أي قبل الفكرتين.. فنهى الرسول محمد صلى الله عليه و سلم عن احتكار الفرد للفرد، وقال "ولا تناجشوا"، و"لا يبِع بعضكم على بيع بعض" وهي مبادئ أطّرت قبل1400 سنة أي قبل نظريتي الرأسمالية والشيوعية. والخليفة على بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: "حدّثوا الناس على قدر عقولهم.. أتريدون أن يكذب الله ورسوله". ولذلك المسألة هي في كيف تختزل خزاناً كبيراً فيه تريليونات من المعلومات في كأس صغيرة يشربه الفرد المسلم ليستوعبه. وما يطرح الآن من أجندات ضد الإسلام هي المؤامرة بعينها.
سعود: الغرب اسم جامع لكيانات متعددة. فصربيا وروسيا وأمريكا من الغرب لكن لكل دولة خصوصيتها. ويجب التعامل معها على هذا الأساس. نحن نختلف معهم منذ آدم والاختلاف في أسس الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والدنيا والمآلات.. حتى تبرر المسيحية اختلاف كتابها بين الأورثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت بسوء نية ادّعت أن القرآن الكريم أيضاً له عدة نسخ متغايرة، بينما القرآن يُقرأ بـ 7 قراءات (لهجات)، والفرق بينها مفردات بنفس المعنى.
** ما هي أبرز تحديات الأمة الإسلامية الحالية؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
سعود: أبرز التحديات تدخّل الآخرين في ماهية الإسلام فكل ما يحيط بنا من الأحداث السياسية، والعسكرية، والإعلامية هي إعادة صياغة الإسلام. فالجنرال الأمريكي "ويزلي كلارك" صاحب الاستراتيجية بعيدة المدى للقوة الضاربة الأمريكية في العالم، يقول في محاضرة له بجامعة أوكلاهوما: "من ظنّ أننا خرجنا للعراق، وأفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر فليصحح خطأه، نحن خرجنا لقضية اسمها الإسلام.. نحن لا نريد لهذا المشروع أن يبقى حراً يحدد فيه المسلمون ما هو الإسلام؛ نحن نحدد لهم ما هو الإسلام". وهذا ما نراه اليوم يحصل في منطقتنا. وتلك كانت إرهاصات، واليوم تطبيق على الواقع، وأدواتهم الكبرى والعظمى هي من الدول الإسلامية ذاتها، والجماعات الإسلامية المنحرفة هي من أدواتهم، والفتن التي تحصل اليوم هي لِهزّ استقرار الدول الإسلامية في الشرق، والغرب، هي جزء من هذا المشروع. واليوم بعضنا قد يراها ببراءة لكنها إرهاصات خارجية، وهم يخبروننا بأنهم قادمون، واليوم هناك طفرة مدخرات مالية في منطقة الخليج، وعند قطبين رئيسيين هما السعودية والإمارات، ويجب افتعال الأزمات لكي تُستنزف عوض أن تسُخّر للنهوض الحضاري، والصناعي، والإنمائي المتأمل. وظيفة الأعداء الكبرى، والعظمى التضييق على الإسلام في منطقتنا، وإلا سيفشل مشروعهم.
** يتردد أن هناك عدداً من السفراء الأجانب في السعودية أسلموا على يديكما.
نايف: نعم أسلم بعض من السفراء والباحثين والأكاديميين نذكر منهم سفير سويسرا، وألمانيا، وسفيري إيطاليا، والدكتور "كيري" الذي يعد بمثابة البابا لدى "الإنجليكان"، وأراد أن يُدفن في مقابر المسلمين فاتهموه بالخرف. صدق الله -عز وجل- القائل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال: "كلٌّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه"
* قلتما عن الرئيس الفنزويلي السابق هوجو شافيز بعد وفاته "يرحمه الله" ومن المعروف عن الرحمة أنها لا تجوز إلا على مسلم.. فهل أسلم؟
نايف وسعود: نحسبه كذلك والله حسيبه. وقد كان هذا قبل أن يصبح رئيساً لفنزويلا عندما كان ضابطاً، إذ تعارفنا في أمريكا عندما كنا هناك للدراسة، وكان هو مبتعثاً لدورة هناك. ووجدناه ذا ذهن وقّاد، وحماسة فيما يعتقده من آراء.. وكانت بيننا نقاشات فكرية عميقة عن الرأسمالية، والاشتراكية، ونظرة الإسلام للاقتصاد والمال، وغيرها من القيم، واقتنع بما نقول.
** لكما نظرية سياسية، تقول: "أمريكا تعتبر السعودية الحليف التكتيكي في المنطقة، وهي في نفس الوقت العدو الاستراتيجي، وتُعتبر إيران العدو التكتيكي في المنطقة، والحليف الاستراتيجي".. هلا وضحتما أكثر؟
نايف: الاحتكاك بالمعارف، والتجارب، والتفكر بها يتأتى عنها تكثيف استنتاجات يصيغها الذهن على شكل نظريات، إحداها نظرية المرآتين، تحدثت بها منذ 25 سنة، وفكرتها أن هناك مرآتين مقعرة، ومحدبة مسلطتان على الأمة الإسلامية، ومن خصائص مرآة التحديب "التقزيم"، ومن خصائص مرآة التقعير "العملقة".. ونحن نرى أنفسنا بالمحدبة فنرى أنفسنا أقزاماً، ونرى أعداءنا بالمقعّرة فنراهم عمالقة. ولن تقوم قائمة لهذه الأمة إلا بكسر هاتين المرآتين. وهناك نظرية أخرى فكرتها أن الإسلام في ضفة، والكفر في ضفة أخرى، وبينهما جسر، وهذا الجسر يعبره إلينا خيرة ما عندهم من الصادقين الشفافين، والشجعان، أما سقط ما عندنا فيذهب اليهم، والحركة في الاتجاهين ليست متوازنة فهناك مليون شخص قادمون إلينا من الكفر للإيمان، ومنا أعداد قليلة تذهب لهم. وأما سؤالك حول نظريتي السياسية ففكرتها أن أمريكا تعتبر السعودية الحليف التكتيكي في المنطقة، وهي في نفس الوقت العدو الاستراتيجي، وتعتبر إيران العدو التكتيكي في المنطقة، ولكنها في نفس الوقت الحليف الاستراتيجي؛ وذلك لأن الدولة السعودية قامت على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وهذه من المحاذير الكبرى في الغرب، وأما إسلام إيران فهو يتطابق مع أهوائهم، وهو الحليف في المنطقة منذ الحقبة الصفوية، والتاريخ له محاور ثابتة يتمحور حولها. هذا أيضاً قلته منذ ما يقارب 20 سنة، ولمسؤولين كبار في السعودية رغم أن شواهدها لم تعرف إلا منذ فترة. إذ إن بعدها الاستراتيجي كامن لا نراه، في حين أن بعده التكتيكي تغطيه المصالح المشتركة بين السعودية وأمريكا. وعندما تتعارض المصالح التكتيكية مع المصالح الاستراتيجية عندها يغلّب الخيار الاستراتيجي. والحوثيون على سبيل المثال كانوا يرددون شعارات: "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل". وعندما دخلوا صنعاء أول ما قاموا به هو حماية السفارة الأمريكية. وعندما سئل السفير الأمريكي في اليمن عن ذلك، ضحك قائلاً: "لا أظن أنهم يعنون ما يقولون". إذ الحقيقة هي عكس ذلك. كما أنه لا يخفى على أحد دور إيران في تمكين أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق ومتخذي القرار في الخليج يعتقدون أن دول الخليج العربي حلفاء استراتيجيون وحيدون لأمريكا في المنطقة، لكن هذه الأمور تبيّن عكسها أثناء المحادثات الذرية بين الغرب وإيران قبل سنة ونصف.. حين ذهب الغرب وعلى رأسه أمريكا يهرول لإيران، وتركوا دول الخليج العربي كلها كما يقول المثل الشعبي: "خلوهم على المراح". وأمريكا اعترفت بما قالته إيران: "لولانا لما دخل الأمريكان العراق وأفغانستان". وهذا دليل التحالف بينهم. ولأول مرة يعترف قائد عسكري أمريكي بأن السنة أغلبية في العراق هو بعد الأحداث الأخيرة فيه. بينما كل الأدبيات السابقة للأمريكان يتكلمون عن الأقلية السنية، والأغلبية الشيعية في العراق، والإحصائيات الرسمية تثبت أن الشيعة 36% فقط، بينما السنّة العرب 45% والسنّة الكرد 15% والباقي أقليات من المسيحية، والصابئة،، واليزيدية وغيرهم. وهذا يثبت أن الغرب يكيل بمكيالين في تعاملاته مع المسلمين كما في البوسنة والهرسك عندما قسموها انتقائياً تقسيماً عرقياً، ودينياً في آن واحد. فكان يجب أن يقال عن التقسيم مسلم، كاثوليكي، أورثوذكسي، أو يقال بوسني، كرواتي، صربي. لكن يُخلط بينها فيقولون صربي، كرواتي، مسلم، ليوهموا أن الإسلام دخيل على البوسنة وليس أصيلاً. وقد كتبنا خطاباً إلى سكرتير الأمم المتحدة بهذا الشأن. لكنهم أعادوا نفس الحيلة في العراق فقالوا سني، شيعي، كردي، ليوهموا أن العرب السنة هم أقلية، بينما الصواب كان يجب أن يقولوا سنة وشيعة أو عرب وكرد.
* ذكرتما أن هناك 3 أنواع من الدول في الشرق الأوسط: الاستراتيجية والتكتيكية، ودول ردة الفعل.. هل وضحتما بشكل أكثر؟
نايف وسعود: هناك 3 أنواع من الدول في الشرق الأوسط. أولاً دولة استراتيجية هي إيران وهي أخطرها، التي لها خطط واضحة ومحددة لبناء الدولة منذ أن عاد "الخميني" كانت من أول أهدافها محو الدولة الإمبراطورية "العميقة"، والقضاء على الجيش الإيراني وجنرالاته، وعلى المباحث الإيرانية المسماة "السافاك" التي كانت تعدّ من أعنف مباحث في الشرق الأوسط والعالم، وكان لديه خطة خمسينية واضحة المعالم والأدوات -الهيمنة الشيعية في المنطقة- وثانياً هناك دول تكتيكية أبرزها "إسرائيل" التي لا تعدّ دولة استراتيجية بل دولة "عابرة" ومؤقتة، وهم يعلمون ذلك جيداً، لكن العرب أوهموا أنها باقية، دليلنا أن في العام الماضي السي آي إيه كلفت جامعات بدراستين: الأولى كيف تستطيع أمريكا استيعاب خمسة ملايين يهودي دفعة واحدة، والثانية كيف يكون الشرق الأوسط بعد زوال "إسرائيل". عقلاء "إسرائيل" ومثقفوها يعيشون أسوأ عهودهم في حين أن الساسة والعسكريين يحيون أزهى عهودهم. وثالثاً هناك دول ردة فعل، وهي بقية بلدان الشرق الأوسط. التي تتعامل مع الأزمات بعد حدوثها. وفي هذا الشأن دعني أوضح أن الأمة العربية لها 3 أجزاء رئيسية (جسد، وجناحان).الجسد مكون من شبه الجزيرة العربية التي هي الرحم الدافق للأمة وقلبها، وموقعها الاستراتيجي الواصل بين إفريقيا وآسيا، وأما جناحاها فهما مصر وسوريا الكبرى (الشام والعراق).
http://cdn.sabq.org/files/general/2759_41252.jpg
حسبنا الله ونعم الوكيل،،،، منقول سبق