مطرالثبيتي
02-19-2014, 02:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمر نـمرود بن كوش بن كنعان
ونرجع الآن إلى الخبر عن عدو إبراهيم الذي كذب بما جاء به من عند الله ، ورد عليه النصيحة التي نصحها له جهلا منه ، واغتراراً بحلم الله تعالى عنه ، نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح ، وما آل إليه أمره في عاجل دنياه حين تمرد على ربه ، مع إملاءه الله إياه ، وتركه تعجيل العذاب له على كفره به ومحاولته إحراق خليله بالنار حين دعاه إلى توحيد الله والبراءة من الآلهة والأوثان ، وأن نمرود لما تطاول عتوه وتمرده على ربه مع إملاء الله تعالى له فيما ذكر أربعمائة عام ، لا تزيده حجج الله التى يحتج بها عليه ، وعبره التي يريها إياه إلا تمادياً في غيه ، عذبه الله فيما ذكر – في عاجل دنياه قدر إملاءه إياه من المدة بأضعف خلقه ، وذلك بعوضة سلطها عليه ، توغلت في خياشيمه فمكث أربعمائة سنة يعذب بها في حياته الدنيا .
ذكر الأخبار الواردة عنه بما ذكرت من جهله وما أحل الله به من نقمته :
حدثنا الحسن بن يحي ، قال : أخبرنا عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يزيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمرود وكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار ، فإذا مر به ناس قال : من ربكم ؟ قالوا : أنت ، حتى مر به إبراهيم ، قال من ربك ؟ قال : { ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } .
قال : فرده بغير طعام ، قال : فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب أعفر ، فقال: هلا أخذ من هذا فأتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم ، فأخذ منه ، فأتى أهله ، قال : فوضع متاعه ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه ، فقربته إليه وكان عهد أهله ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا ؟ قالت : من الطعام الذي جئت به ، فعلم أن الله قد رزقه فحمد الله .
ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً : أن آمن بي وأتركك على ملكك قال : فهل رب غيري ؟ فجاءه الثانية فقال له ذلك ، فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه ، فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ، فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملك ، ففتح عليهم باباً من البعوض ، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دمائهم فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شئ فبعث الله عليه بعوضه فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب راسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جباراً أربعمائة سنة ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه وأماته الله ، وهو الذي بنى صرحاً إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد ، وهو الذي قال الله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } .
حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : امر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم فأخرج يعني من مدينته – قال : فأخرج فلقى لوطاً على باب المدنية وهو ابن اخيه فدعاه فأمن به وقال : { إني مهاجر إلى ربي } ، وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم ، فأخذ أربعة أفرخ من فراخ النسور ، فرباهن باللحم والخمر حتى إذا كبرن وغلظن واستعلجن قرنهن بتابوت وقعد في ذلك التابوت ثم رفع رجلاً من لحم لهن فطرن به حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض ، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل ، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض محيطاً بها بحر كأنها فلكة في ماء ، ثم رفع طويلاً فوقع في ظلمة ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته منقضات ، فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعن حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن وذلك قوله عز وجل : { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، وهي في قراءة ابن مسعود : { وإن كاد مكرهم } ، فكان طيرانهن به من بيت المقدس ووقوعهن في جبل الدخان فلما رأى أنه لا يطيق شيئاً أخذ في بناء الصرح فبنى حتى إذا أسنده إلى السماء ارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث ولم يكن يحدث وأخذ الله بنيانه من القواعد : { فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } ، يقول : من مأمنهم وأخذهم من أساس الصرح ، فتنقض بهم ، ثم سقط فتبلبلت ألسن الناس من يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاث وسبعين لساناً فلذلك سميت بابل وإنما كان لسان الناس قبل ذلك السريانية .
حدثنا ابن وكيع قال : خدثنا أبو داود الحفري ، عن يعقوب عن حفص بن حميد أو جعفر عن سعيد بن جبير : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال : نمرود صاحب النسور ، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا ، ثم أمر بالنسور فاحتملته ، فلما صعد قال لصحابه : أي شئ ترى ؟ ، قال : أرى الماء والجزيرة يعني الدنيا ثم صعد وقال لصاحبه : أي شئ ترى ؟ قال: ما نزداد من السماء إلى بعداً ، قال : اهبط ، وقال غيره : نودي : أيها الطاغية ، أين تريد ؟ فسمعت الجبال حفيف النسور ، وكانت ترى أنه أمر من السماء فكادت تزول ، فهو قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .
حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن شعبة عن أبي إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن دانيل أن عليا عليه السلام قال في هذه الآية : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال : أخذ ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهـما حتى استغلظا واستعلجا فشباً ، قال : فأوثق رجل كل واحد منهما بوتر إلى تابوت ، وجوعهما وقعد هو ورجل آخر في التابوت ، قال : ورفع التابوت عصاً على رأسه اللحم ، فطارا وجعل يقول لصاحبه : أنظر ماذا ترى ؟ قال : أرى كذا وكذا ، حتى قال : أرى الدنيا كأنها ذباب ، فقال : صوب ، فصوبها فهبطا ، قال : فهو قوله عز وجل : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال أبو إسحاق : ولذلك هي في قراءة عبد الله : { وإن كاد مكرهم } .
فهذا ما ذكر من خبر نمرود بن كوش بن كنعان .
المرجع
تاريخ الطبري ( تاريخ الرسل والملوك )
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري 224 -310هـ
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم
مع تحيات الأستاذ / مطر الثبيتي
والسلام ختام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمر نـمرود بن كوش بن كنعان
ونرجع الآن إلى الخبر عن عدو إبراهيم الذي كذب بما جاء به من عند الله ، ورد عليه النصيحة التي نصحها له جهلا منه ، واغتراراً بحلم الله تعالى عنه ، نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح ، وما آل إليه أمره في عاجل دنياه حين تمرد على ربه ، مع إملاءه الله إياه ، وتركه تعجيل العذاب له على كفره به ومحاولته إحراق خليله بالنار حين دعاه إلى توحيد الله والبراءة من الآلهة والأوثان ، وأن نمرود لما تطاول عتوه وتمرده على ربه مع إملاء الله تعالى له فيما ذكر أربعمائة عام ، لا تزيده حجج الله التى يحتج بها عليه ، وعبره التي يريها إياه إلا تمادياً في غيه ، عذبه الله فيما ذكر – في عاجل دنياه قدر إملاءه إياه من المدة بأضعف خلقه ، وذلك بعوضة سلطها عليه ، توغلت في خياشيمه فمكث أربعمائة سنة يعذب بها في حياته الدنيا .
ذكر الأخبار الواردة عنه بما ذكرت من جهله وما أحل الله به من نقمته :
حدثنا الحسن بن يحي ، قال : أخبرنا عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يزيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمرود وكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار ، فإذا مر به ناس قال : من ربكم ؟ قالوا : أنت ، حتى مر به إبراهيم ، قال من ربك ؟ قال : { ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } .
قال : فرده بغير طعام ، قال : فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب أعفر ، فقال: هلا أخذ من هذا فأتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم ، فأخذ منه ، فأتى أهله ، قال : فوضع متاعه ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه ، فقربته إليه وكان عهد أهله ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا ؟ قالت : من الطعام الذي جئت به ، فعلم أن الله قد رزقه فحمد الله .
ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً : أن آمن بي وأتركك على ملكك قال : فهل رب غيري ؟ فجاءه الثانية فقال له ذلك ، فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه ، فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ، فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملك ، ففتح عليهم باباً من البعوض ، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دمائهم فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شئ فبعث الله عليه بعوضه فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب راسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جباراً أربعمائة سنة ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه وأماته الله ، وهو الذي بنى صرحاً إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد ، وهو الذي قال الله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } .
حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : امر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم فأخرج يعني من مدينته – قال : فأخرج فلقى لوطاً على باب المدنية وهو ابن اخيه فدعاه فأمن به وقال : { إني مهاجر إلى ربي } ، وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم ، فأخذ أربعة أفرخ من فراخ النسور ، فرباهن باللحم والخمر حتى إذا كبرن وغلظن واستعلجن قرنهن بتابوت وقعد في ذلك التابوت ثم رفع رجلاً من لحم لهن فطرن به حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض ، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل ، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض محيطاً بها بحر كأنها فلكة في ماء ، ثم رفع طويلاً فوقع في ظلمة ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته منقضات ، فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعن حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن وذلك قوله عز وجل : { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، وهي في قراءة ابن مسعود : { وإن كاد مكرهم } ، فكان طيرانهن به من بيت المقدس ووقوعهن في جبل الدخان فلما رأى أنه لا يطيق شيئاً أخذ في بناء الصرح فبنى حتى إذا أسنده إلى السماء ارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث ولم يكن يحدث وأخذ الله بنيانه من القواعد : { فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } ، يقول : من مأمنهم وأخذهم من أساس الصرح ، فتنقض بهم ، ثم سقط فتبلبلت ألسن الناس من يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاث وسبعين لساناً فلذلك سميت بابل وإنما كان لسان الناس قبل ذلك السريانية .
حدثنا ابن وكيع قال : خدثنا أبو داود الحفري ، عن يعقوب عن حفص بن حميد أو جعفر عن سعيد بن جبير : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال : نمرود صاحب النسور ، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا ، ثم أمر بالنسور فاحتملته ، فلما صعد قال لصحابه : أي شئ ترى ؟ ، قال : أرى الماء والجزيرة يعني الدنيا ثم صعد وقال لصاحبه : أي شئ ترى ؟ قال: ما نزداد من السماء إلى بعداً ، قال : اهبط ، وقال غيره : نودي : أيها الطاغية ، أين تريد ؟ فسمعت الجبال حفيف النسور ، وكانت ترى أنه أمر من السماء فكادت تزول ، فهو قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .
حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن شعبة عن أبي إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن دانيل أن عليا عليه السلام قال في هذه الآية : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال : أخذ ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهـما حتى استغلظا واستعلجا فشباً ، قال : فأوثق رجل كل واحد منهما بوتر إلى تابوت ، وجوعهما وقعد هو ورجل آخر في التابوت ، قال : ورفع التابوت عصاً على رأسه اللحم ، فطارا وجعل يقول لصاحبه : أنظر ماذا ترى ؟ قال : أرى كذا وكذا ، حتى قال : أرى الدنيا كأنها ذباب ، فقال : صوب ، فصوبها فهبطا ، قال : فهو قوله عز وجل : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ، قال أبو إسحاق : ولذلك هي في قراءة عبد الله : { وإن كاد مكرهم } .
فهذا ما ذكر من خبر نمرود بن كوش بن كنعان .
المرجع
تاريخ الطبري ( تاريخ الرسل والملوك )
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري 224 -310هـ
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم
مع تحيات الأستاذ / مطر الثبيتي
والسلام ختام