المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كنيسة القليس بصنعاء


مطرالثبيتي
01-28-2014, 03:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنيسة القليس بصنعاء
هي كنيسة بناها أبرهه الأشرم لصرف حجاج العرب إليها بدلاً من البيت العتيق الذي بمكة فقام الأعراب بقتل عامله على قبائل تهامه وتدنيس هذه الكنيسة مما جعل أبرهه يغزو مكه لهدم البيت الحرام فما صفة هذه الكنيسة :
لاشك إنها كنيسة قال عنها أهل الأخبار أنها كانت عجيبة في عظمتها وضخامتها وتزويقها من الداخل والخارج ، حتى أن أبرهه لما انتهى من بنائها كتب إلى النجاشي : ( إني قد بنيت لك بصنعاء بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله ) ، أو ( إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ) ، ويبالغ أهل الأخبار في وصفها فيذكر (الأزرقي) ، أنه بناها بجانب قصر غمدان ، وأنه أقامها بحجارة قصر بلقيس بمأرب ، نقلها العمال والفعلة والمسخرون من مأرب إلى صنعاء ، فهدموا ذلك القصر وأخذوا حجره وما يصلح للبناء من مادة ، ثم نقلوه إلى صنعاء لاستعماله في بناء تلك الكنيسة التي بنوها بناءً ضخماً عالياً ، وجعلوا جدرانها من طبقات من حجر ذي ألوان مختلفة ، لون كل طبقة يختلف عن الطبقة التي تحتها أو التي فوقها ، وزينوا الجدران بأفاريز من الرخام والخشب المنقوش ، وجعلوا الرخام ناتئاً عن البناء ، وجعلوا فوق الرخام حجارة سوداً لها بريق ، فكان هذا ظاهر حائط القليس ، وكان عرضه ست أذرع وكان للقليس باب من نحاس عشر أذرع طولاً في أربع أذرع عرضاً ، وكان المدخل منه إلى بيت جوفه طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً معلق العمد بالسياج المنقوش ومسامير الذهب والفضة ، ثم يدخل من البيت إلى إيوان طوله أربعون ذراعاً ، عن يمينه وعن يساره ، وعقوده مضروبه بالفسيفساء مشجرة ، بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة ، ثم يدخل من الإيوان إلى قبة ثلاثون ذراعاً في ثلاثين ذراعاً ، جدرها بالفسيفساء فيها صلب منقوش بالفسيفساء والذهب والفضة ، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشر أذرع في عشر أذرع ، تغشي عين من ينظر إليها من بطن القُبَة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة ، وكان تحت القبة منير من خشب اللبخ ، وهو عندهم الآبنوس مفصد بالعاج الأبيض ، ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة ، وكان في القبة سلاسل فضة ، وفي القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها : كعيب ، وخشبة من ساج نـحوها في الطول يقال لها : امرأة كعيب كانوا يتبركون بها في الجاهلية ، وكان يقال لكعيب الأحوزي ، والأحوزي بلسانهم الحر .
وكان أبرهة قد أخذ العمال بالعمل أخذاً شديداً ، وأمر بالعمل في بناء الكنيسة ليل نهار ، وإذا تراخى عامل أو تباطأ عن عمله أنزل وكلاؤه به عقاباً شديداً يصل إلى قطع اليد وبقى هذا شأنه ودأبه حتى أكمل بناؤها وسر من رؤيتها ، فأصبحت بهجة للنظارين .
ونجد في وصف (الأزرقي) ومن تقدم عليه من أهل الأخبار للقليس شيئاً من المبالغة ، ولكنه على الإجمال وصف يظهر أنه أخذ من موارد وعته وشاهدته وأدركته ، لذلك جاء وصفاً حياً نابضاً بالحياة ، ينطبق على الكنائس الضخمة التي أنشئت في تلك الأيام في القسطنطنية أو في القدس أو في دمشق أو في المدن الأخرى ، والظاهر من هذا الوصف أن فن العمارة اليماني القديم قد أثر في شكل بناء هذه الكنيسة التي تأثرت بالفن البيزنطي النصراني في بناء الكنائس.
ويذكر الأزرقي أن القليس بقي في صنعاء على ما كان عليه حتى ولى أبو جعفر المنصور الخلافة ، فولي (العباس بن ربيع بن عبيد الله الحارثي) (العباس بن ربيع بن عبد الله العامري) اليمن ، فذكر له ما في القليس من ذخائر وقيل له إنك تصيب فيه مالاً كثيراً وكنزاً فتاقت نفسه إلى هدمه ، ثم استشار أحد أبناء وهب بن منبه وأحد يهود صنعاء فألحا عليه بهدمه ، وبين اليهودي له أنه إذا هدمه فإنه سيلي اليمن أربعين سنة ، فأمر بهدمه واستخرج ما فيه من أموال وذهب وفضة وخاف الناس من لمس الخشبة المنقوشة التي كانوا يتبركون بها ، ثم اشتراها رجل من أهل العراق كان تاجراً بصنعاء وقطعها لدار له ، وخرب القليس حتى عفى رسمه وانقطع خبره .
وإذا كان ما يقوله الأزرقي نقلاً عن رواة أدركوا تلك الكنيسة من أن أبرهة أقامها بأحجار قصر بلقيس باليمن ، فإنه يكون بذلك قد قوض أثراً مهماً من آثار مدينة مأرب وأزال عملاً من الأعمال البنائية التي أقامها السبئيون في عاصمتهم قبله ، وهو عمل مؤسف .
وفي صنعاء اليوم موضع يعرف بغرفة القليس ، يظن أنه موضع تلك الكنيسة وهو موضع حُفير صغير ترمى فيه القمامات وعليه حائط ويقع أعلى صنعاء في حارة القطيع بقرب مسجد نصير .

المرجع
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام
تأليف الدكتور جواد علي
كتبه الأستاذ / مطر بن خلف الثبيتي
والسلام ختام