المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمن الشامل في بلاد الملك العادل الإمام عبد العزيز آل سعود رحمه الله


مطرالثبيتي
12-31-2013, 10:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمن الشامل في بلاد الملك العادل الإمام عبد العزيز آل سعود رحمه الله
كنت صاعداً مرة من مكة إلى الطائف وكانت معي عباءة إحسائية سوداء جعلتها وراء ظهري في السيارة فيظهر أنها سقطت من السيارة في أرض لقيم ، ولم ننتبه لها ، فأخذ الناس يمرون فيرون هذه العباءة ملقاة على قارعة الطريق فلا يجرؤ أحد أن يمسها بل شرعت القوافل تتنكب عن الطريق اللقم عمداً حتى لا تمر على العباءة خشية أنه إذا أصاب هذه حادث يكون من مر من هناك مسؤولاً ، فكانت هذه العباءة على الطريق أشبه بأفعى يفر الناس منها ، بل لو كانت ثمة أفعى ما تجنبوها هذا التجنب كله ؟ وأخيراً وصل خبرها إلى أمير الطائف محمد بن عبد العزيز من سلالة الشيخ محمد عبد الوهاب ، فأرسل سيارة كهربائية من الطائف أتت بها ، وأخذ بالتحقيق عن صاحبها فقيل له إننا نحن مررنا من هناك وإن الأرجح كونها سقطت من سيارتنا ، فجاء الأمير ثاني يوم يزورنا وسألنا : هل فقد لكم شئ من جوائجكم في أثناء مجيئكم من مكة ؟ فأهبت برفاقي ليفتقدوا الحوائج فافتقدوها فإذا بالعباءة السوداء مفقودة وكنا لم ننتبه لفقدانها ، فقلنا له : عباءة سوداء إحسائية قال : هي عندنا ، وقص علينا خبرها .
وقد أتيت على هذه النادرة هنا مثلاً من أمثال لا تعد ولا تحصى من الأمن الشامل للقليل والكثير في أيام ابن سعود مما لم تحدث عن مثله التواريخ حتى اليوم ، فالمكان الذي سقطت فيه العباءة كان في الماضي كثيراً ما تقع فيه وقائع السلب والقتل ولا يمر الناس فيه إلا مسلحين ، فأصبح إذا وجدت لقطة هناك على قارعة الطريق تجنب الناس الطريق لئلا يتهموا بها إذا فقدت ، وكل يوم يأتي الشرطة والخفراء والعسس بلقط وحاجات ضائعة مما فقده السفارة أو سقط بدون انتباه عن الأكوار وذلك إلى دائرة الأمن العام فتبحث عن أصحاب هذه اللقطات وتردها لهم بتمامها مما يقضي بالعجب .
وإنك لتجد هذه الأمن ممدود الرواق على جميع البلدان التي أرتفعت فيها راية ابن سعود من منجد ومتهم ومعرق ومشئم بدون استثناء ، وقد علل بعضهم هذا التأمين البليغ للسوابل بأنه من أركان عقيدة الوهابيين الذين يقولون :
وما الدين إلا أن تقام شعائر وتأمن سبل بيننا وشعاب
قلت أياً كان السبب في هذا الأمان فإنه نعم العمل ولا يوجد معنى للحكومة إن لم تكن ثمراتها الأمن والعدل ، ولو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوافرة الظلال . على الأرواح والأموال ، التي جعلت صحاري الحجاز وفيافي نجد آمن من شوارع الحواضر الأوربية لكان ذلك كافياً في استجلاب القلوب إليه ، واستنطاق الألسن في الثناء عليه ، فاليوم نجد التاجر والفلاح ، والحادي والملاح ، والحاج القاصد على الضوامر أو على الجواري المنشآت بالدسر والألواح ، يتحدثون بنعمة هذا الأمن الذي أنام الأنام بملء الأجفان ، وجعل الخلق يذهبون ويجيئون في هاتيك الصحاري ، وقد يكون معهم الذهب الرنان ، وهم بلا سلاح ولا سنان ، فلا نريد من هذه الجهة مزيداً وإنما نرجو لهذه النعمة الدوام ، فلا عمران للبلاد إلا بالأمان والاطمئنان .
تكلمنا عن الأمن في الطائف وإليك موقع الطائف وطيب هوائه ومائه وأما فضل الطائف في صقعها وجودة مائها وهوائها فهو مما تواطأ عليه المحسوب والمأثور ، ولست بمستغرب قول بعض المفسرين لقوله تعالى : { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ، إن المراد بالقريتين مكة والطائف ، وكذلك أنا أستحلي ما رواه صاحب تحفة اللطائف من قول بعضهم إن الطائف من تعاليم مكة ، أي من مضافاتها ، وعندنا في بر الشام إذا بنيت قرية في طرف قرية نسبت إليها ، وقيل إنها (معلقة) لها ، فيقال مثلاً (معلقة زحلة) و (معلقة الدامور) وهلم جرا . فما أجدر الطائف بأن يقال لها (معلقة مكة) ولعمري لنعم المعلقة هي ، ولا نزاع أنهما في الأمصار كالمعلقات السبع في الأشعار ، ومن الحديث النبوي المأثور (الطائف من مكة ومكة من الطائف) كررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، ولقد جاء في بعض الأحاديث التي نقلها الميورقي ورواها العجيمي صاحب (إهداء اللطائف) أن الطائف من مكة ومكة من الطائف ، ونقل الميورقي عن سطيح : إنه ستكون فتن في آخر الزمان خير الناس في ذلك الزمان كان بجدارات الطائف إلى عرقوب بجيلة ، قال الميورقي : إنه حديث ضعيف ، وقال العجيمي إلا أنه يشهد له حديث الترمزي عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى حجرها ) قال في القاموس : والحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها كأنها حجزت بين نجد وتهامة . انتهى
قلت وزاد صاحب تاج العروس اليمامة فقال : إنها من الحجاز ، وقال في شرح قوله : إنها حجزت بين نجد وتهامة : أو بين الغور والشام والبادية أو بين الغور ونجد ، ثم قال صاحب القاموس : أو بين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس ، فقال صاحب التاج في شرحها : حرة بني سليم وحرة واقم وحرة ليلى وحرة شوران وحرة النار . وهذا قول الأصمعي .
وقال الأزهري : سمي حجازاً لأن الحرار حجزت بينه وبين عالية نجد ، قال : وقال ابن السكيت : ما ارتفع عن بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق ، وما احتزمت به الحرار حرة شوران وعامة منازل بني سليم إلى المدينة فما احتاز في ذلك كله حجاز ، وطرف تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج وأولها من قبل نجد مدارج عرق ، وقال الأصمعي : إذا عرض لك الحرار بنجد فذلك الحجاز وأنشد :
وفروا بالحجاز ليعجزوني
أراد بالحجاز الحرار . انتهى
قال العجيمي في تفسير (عرقوب بجيلة) العرقوب ما انحنى من الوادي وطريق في الجبل ، والعراقيب خياشيم الجبال والطريق الضيقة في متونها ، وتعرقب أي مسلكها كذا في القاموس .
(قلت) وزاد صاحب التاج أن العرقوب هو الجبل المكلل بالسحاب ، وهذا وقد جرت التسمية بالعرقوب كثيراً في بلادنا الشامية ففي جبل لبنان داخل قضاء الشوف ثلاث نواح باسم العرقوب ، وهي العرقوب الجنوبي والعرقوب الشمالي والعرقوب الأعلى ، وهي أودية يخرج من أحدها نبع الباروك ، ومن الأخر نبع الصفا ونبع القاعة وهي من أشهر ينابيع الأرض في العذوبة لا ينابيع لبنان وحده وفي جبل الشيخ ناحية يقال لها أيضاً العرقوب تابعة لقضاء حاصبيا .
وأما عرقوب بجيلة في الحجاز فهو منسوب إلى بجيلة – كسفية – وهي قبيلة اختلف في نسبها فقال ابن الكلبي : إنها حي من اليمن وروي عن مصعب بن الزبير إنها من نزار ، وقال صاحب القاموس : إنها حي في اليمن من معد ، قال الزبيدي في التاج : إن صاحب القاموس أراد أن يجمع بين القولين .
وقال الإمام مالك رضي الله عنه : بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لبيت بركبة أحب إلى من عشرة أبيات بالشام ، نقل ذلك ابن فهد محمد جار الله بن عبد العزيز صاحب ( تحفة اللطائف) وقال ابن وضاح : ركبة موضع بين الطائف ومكة في طريق العراق .
قال ابن فهد نقلاً عن ابن وضاح : يريد أي عمر والله أعلم لطول الأعمار بها وشدة الوباء بالشام ، ثم أخذ بعضهم يعترض على هذا التأويل قائلاً : إن مراد عمر بهذا التفضيل قرب هذا المكان أي ركبة من مكة والمدينة .
(قلت) لا وجه لهذا القول لأنه إن كان مراد سيدنا عمر رضي الله عنه هو قضية القرب من مكة والمدينة فهذه ميزة لم تختص بركبة بل اشتركت بها بقاع لا تعد ولا تحصى وكم من مكان أقرب إلى مكة إو إلى المدينة من ركبة هذه التي هي على مسافة يوم ونصف يوم من مكة ، وما أرى عمر قصد إلا طيب الهواء والبعد عن الوباء كما قال ابن وضاح ، فالشام هي مضرب الأمثال في جودة الماء والهواء ، ومع هذا فإن عمر يرى بقعة مثل ركبة من بقاع الطائف أفضل منه للسكنى ، إنه لم يقسم لي الذهاب إلى ركبة وإنما سمعت من أهل الطائف الشئ الكثير عن طيب نجعتها وبهجة روضها لا سيما في أيام الربيع .
وقول ابن وضاح لا يخلو من صحة ، فالشام مع كونها مضرب الأمثال في طيب الماء والهواء ومع كونها جنة الله في أرضه موصوفه بالوباء من قديم الزمان حتى إن أحد إخواننا المصريين أخذته فيما يظهر الغيرة مما رأى من محاسن دمشق فنبزها بسرعة الوباء إليها من كثرة المياه المتدفقة في كل أنحائها فقال ذلك البيت الشهير
قيل لي صف بردى كوثرها
قلت غــــال برداها برداها
وقد أبى الله إلا أن يجعل بإزاء كل سهل حزناً ومع كل سرور حزناً ، وأن لا يدع الكمال نصيب شئ من هذه الدنيا ، فكثرة المياه في القطر الشامي التي هي مصدر رخائه ، ومرجع نضارته وبهائه ، هي أيضاً سبب وبائه وشدة بلائه ، فقد مر أن الأوبئة تتفشى بالبلاد التي تشرب من الأنهار ، أكثر مما تتفشى بالبلاد التي تشرب من الآبار ، وذلك لأن الميكروب إنما ينمو في الماء ، وإذا كان الماء مما يشترك الخلق في وروده كانت العدوى به أكثر كما لا يخفى .
وأكثر حواضر الشام مبنية على الأنهر ، فدمشق على (بردي) وحمص وحماه على (العاصي) وحلب على (قويق) وبعلبك على (رأس العين) وزحلة على (البردوني) وطرابلس على (أبي علي) وصيدا على (الأولى) وهلم جراً ، وقبل أن جر إلى بيروت ماء نهر الكلب كانت أقل تعرضاً للأمراض الوافدة ، فلهذا كانت بلاد الطائف منزهة عن الوباء بسببين :
الأول : وفرة الأوكسجين في هواء تلك الجبال العالية .
الثاني : قلة المياه الجارية فيها على الضد من جبل الشام ، والمياه هي التي تنقل الجراثيم بواسطتها ، فمن أين تتفشى الأوبئه في ركبة ونواحيها ؟ ومن أين تتكون فيها المستنقعات التي تنشأ عنها الحميات ؟
فهذا ما أراده سيدنا عمر بن الخطاب بقوله : لبيت بركبة أحب إلى من عشر أبيات بالشام ، وسبق أن روينا عن الأصمعي ، ولم يكن الأصمعي بليداً ، قوله : دخلنا الطائف فكأني كنت أبشر ، وكأن قلبي ينضح بالسرور ، وما أجد لذلك سبباً إلا انفساح حدها وطيب نسمتها .
ولا أظن أحداً دخل الطائف إلا وشعر بهذا الانشراح في صدره ، والانفساح في رئته ولو كانت الطائف مربوطة بسكة حديدية بجدة لقصدها المصطافون من مصر والشام والهند وسواحل جزيرة العرب.

المرجع
الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف
تأليف / شكيب أرسلان
حررها وقدم لها / أيمن حجازي

مع تحيات الأستاذ / مطر بن خلف الثبيتي
والسلام ختام

عهود
12-31-2013, 09:16 PM
الله يديم على بلدنا أمنها ويحميها من كل شر..



يعطيك العافيه أخوي مــطــر

مطرالثبيتي
01-01-2014, 07:41 AM
الله يديم على بلدنا أمنها ويحميها من كل شر..



يعطيك العافيه أخوي مــطــر

الاخت عهود
شكرا على الحضور والمشاركة ونحن في أمن وأمان من عهد الملك عبد العزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله

الجعفري
01-03-2014, 12:24 PM
الله يديم هذه النعمة وهذا الامان الذي ننعم به .
سلمت يمينك اخوي مطر الثبيتي

مطرالثبيتي
01-04-2014, 06:35 PM
الله يديم هذه النعمة وهذا الامان الذي ننعم به .
سلمت يمينك اخوي مطر الثبيتي

الأخ الجعفري سلمه الله ، نطلب من الله العلي القدير أن يحرس وطننا ويحفظ ولاة أمرنا ويديم علينا نعمته وأمنه وأمانه ، إنه على كل شيء قدير .

وشكرا لك على المشاركة والحضور الطيب .