مطرالثبيتي
07-22-2013, 03:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احتلال القرامطة لمكة المعظمة
في سنة سبع عشرة وثلاث مئة ، حج الناس من بغداد وأميرهم منصور الديلمي ، وسلموا في الطريق من القرمطي ودخلوا مكة سالمين وحضر عمر بن على بن الحسين بن عبد العزيز لإقامة الحج خليفة لأبيه علي ، فلم يشعر الناس في الاثنين يوم التروية - وقيل في اليوم السابع من ذي الحجة ، إلا وقد وافاهم صاحب البحرين عدو الله أبو طاهر سليمان بن أبي ربيعة الحسن القرمطي مكة ، في تسع مئة رجل من أصحابه ، فدخلوا المسجد الحرام ، وأبو طاهر سكران راكب فرساً له وبيده سيف مسلول ، فصفر لفرسه فبال عند البيت، وأسرف هو وأصحابه في قتل الحجاج وأسرهم ونهبهم ، مع هتكه لحرمة البيت فكان الناس يطوفون حول البيت والسيوف تأخذهم من كل مكان ، وكان علي بن بابويه الصوفي يطوف بالبيت والسيوف تأخذه فما قطع طوافه رضي الله عنه إلا وهو ينشد :
ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
قلت : ومن هذه القصيدة :
قوم إذا هُجرُوا من بعد وُصلُوا ماتوا وإن عاد من يهوونه بُعثوا
والله لو حلف العشاق أنهم صرعى من البين يوم البين ما حنثوا
وقتل في المسجد الحرام ألف وسبع مئة نسمة وقيل ثلاثة عشر ألفاً من الرجال والنساء ، وهم متعلقون بالكعبة وردم بهم زمزم حتى ملأها ، وفرش بهم المسجد الحرام وما يليه ، وقيل : دفن البقية في المسجد بلا غسل ولا صلاة ، وجعل الناس يصيحون : تقتل جيران الله في حرم الله ؟! فيقول : ليس بجار من خالف أوامر الله وناهيه : { إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً } ( المائدة:33) ،، وصعد أبو طاهر بنفسه على باب الكعبة واستقبل الناس بوجهه وهو يقول :
أنــــا بـــالله وبـــالله أنـــــا يـخلق الـخلق وأفـنـيـهـم أنـــا
وضرب بعض أصحابه الحجر الأسود بدبوس فتكسر .
وقيل : إن الذي ضرب الحجر الأسود بالدبوس هو عدو الله بنفسه وصاح : يا حمير ، أنتم تقولون : ومن دخل هذا البيت كان أمناً ، فأين الأمن وقد فعلت ما فعلت ؟! وعطف دابته ليخرج فأخذ بعض الحاضرين بلجام فرسه وقال وقد استسلم للقتل : ليس معنى الآية ما ذكرت ، وإنما معناها من دخله فأمنوه ، فلوي القرموطي فرسه وخرج ولم يلتفت إليه ، وقتل في سكك مكة وظاهرها وشعابها من أهل خراسان والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفاً ، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ، فكان ممن قتله بمكة أميرها ابن محارب ، والحافظ أبو الفضل محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمار الجارودي ، الهوري ، أخذته السيوف وهو متعلق بيديه جميعاً بحلقتي الباب حتى سقط رأسه على عتبة الكعبة ، وأخوه محمد ، وشيخ الحنفية ببغداد الفقيه أبو سعيد أحمد بن الحسين البردعي ، وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الزبير الرهاوي ، وعلي بن بابويه الصوفي ، وأبو جعفر محمد بن خالد بن يزيد البردعي نزيل مكة المشرفة ، وخلق من الأعيان ، وهرب قاضيها يحيي بن عبد الرحمن بن هارون الزهري القرشي بعياله إلى وادي رهجان ، وأخذ له القرامطة حينئذ ما قيمته مئة ألف وخمسون ألف دينار ، ولم يسمع حاكياً ولا ذاكراً شيئاً مما أخذ له ، ولم يقف أحد هذه السنة بعرفة ولا في نسكها إلا قوم يسير ، غرروا بأنفسهم فتمموا حجهم دون إمام وكانوا رجالة .
وأخذ أبو طاهر أموال الناس وحُلي الكعبة ، وهتك أستارها وقسم كسوتها بين أصحابه ونهب دور مكة وقلع باب الكعبة وأمر بقلع الميزاب ، وكان من الذهب الإبريز ، فطلع رجل يقلع فأصيب من أبي قبيس بسهم في عجزه ، فسقط فمات ، ويقال إن الرجل وقع على رأسه فمات ، فقال القرمطي : اتركوه على حاله فإنه محروس حتى يأتي صاحبه – يعني المهدي – وأراد أخذ المقام فلم يظفر به ، لأن سدنة المسجد غيبوه في بعض شعاب مكة ، وتألم لفقده فعاد عند ذلك إلى الحجر الأسود فقلعه جعفر بن أبي علاج البناء المكي بأمر القرمطي ، بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشر ليلة خلت من ذي الحجة ، وقال عند ذلك شعراً يدل على عظيم زندقته حيث يقول لعنه الله ، وضاعف الله عليه عذابه .
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية محللة لم تبق شرقاً ولا غرباً
وأنا تركنا بين زمزم والصفا جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
وقيل : إن بعضهم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم قلعه وقلع القرمطي قبة زمزم ، وأقام هو أصحابه بمكة أحد عشر يوماً ، وقيل ستة أيام .
وقيل : سبعة أيام ، ثم انصرف إلى بلده هجر ، وحمل معه الحجر الأسود ، يريد أن يجعل الحج عنده فهلك تحته أربعين جملاً وبقى موضع الحجر الكعبة خالياً يضع الناس فيه أيديهم للتبرك .
ودخل عمر بن الحسن بن عبد العزيز بغداد هارباً ولم يتم الحج ، وكان القرمطي يخطب بمكة لعبيد الله المهدي ، صاحب المهدية فبلغ المهدي ذلك فكتب إليه والعجب من كتبك إلينا ممتناً علينا بما ارتكبته واجترمته باسمنا من حرم الله وجيرانه ، بالأماكن التي لم تزل الجاهلية تحرم الدماء فيها وإهانة أهلها ، ثم تقدمت إلى أن قلعت الحجر الذي هو يمين الله في الأرض ، يصافح بها الله عباده ، وحملته إلى أرضك ، ورجوت أن نشكرك على ذلك ، فلعنك الله ثم لعنك ، والسلام على من سلم المسلمون من يده ولسانه ، وعمل ما في يديه ما عمل فيه حساب غده .
فأنحرفت القرامطة عن طاعة العبيديين ، وأقام الحجر بالأحساء عشرين سنة يستميلون الناس إليهم ثم يئسوا وردوه .
وذكر أبو عبيد البكري في كتابه ( المسالك والممالك ) أن الله عز وجل رمى القرمطي بعلة في جسده فطال عذابه حتى تقطعت أوصاله ، وأراه الله عز وجل عبرة في نفسه .
المرجع / الدرر الفرائد المنظمة لعبد القادر بن محمد الجزيري الحنبلي المتوفي سنة 977هـ
مع تحيات الأستاذ / مطر الثبيتي
والسلام عليكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احتلال القرامطة لمكة المعظمة
في سنة سبع عشرة وثلاث مئة ، حج الناس من بغداد وأميرهم منصور الديلمي ، وسلموا في الطريق من القرمطي ودخلوا مكة سالمين وحضر عمر بن على بن الحسين بن عبد العزيز لإقامة الحج خليفة لأبيه علي ، فلم يشعر الناس في الاثنين يوم التروية - وقيل في اليوم السابع من ذي الحجة ، إلا وقد وافاهم صاحب البحرين عدو الله أبو طاهر سليمان بن أبي ربيعة الحسن القرمطي مكة ، في تسع مئة رجل من أصحابه ، فدخلوا المسجد الحرام ، وأبو طاهر سكران راكب فرساً له وبيده سيف مسلول ، فصفر لفرسه فبال عند البيت، وأسرف هو وأصحابه في قتل الحجاج وأسرهم ونهبهم ، مع هتكه لحرمة البيت فكان الناس يطوفون حول البيت والسيوف تأخذهم من كل مكان ، وكان علي بن بابويه الصوفي يطوف بالبيت والسيوف تأخذه فما قطع طوافه رضي الله عنه إلا وهو ينشد :
ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
قلت : ومن هذه القصيدة :
قوم إذا هُجرُوا من بعد وُصلُوا ماتوا وإن عاد من يهوونه بُعثوا
والله لو حلف العشاق أنهم صرعى من البين يوم البين ما حنثوا
وقتل في المسجد الحرام ألف وسبع مئة نسمة وقيل ثلاثة عشر ألفاً من الرجال والنساء ، وهم متعلقون بالكعبة وردم بهم زمزم حتى ملأها ، وفرش بهم المسجد الحرام وما يليه ، وقيل : دفن البقية في المسجد بلا غسل ولا صلاة ، وجعل الناس يصيحون : تقتل جيران الله في حرم الله ؟! فيقول : ليس بجار من خالف أوامر الله وناهيه : { إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً } ( المائدة:33) ،، وصعد أبو طاهر بنفسه على باب الكعبة واستقبل الناس بوجهه وهو يقول :
أنــــا بـــالله وبـــالله أنـــــا يـخلق الـخلق وأفـنـيـهـم أنـــا
وضرب بعض أصحابه الحجر الأسود بدبوس فتكسر .
وقيل : إن الذي ضرب الحجر الأسود بالدبوس هو عدو الله بنفسه وصاح : يا حمير ، أنتم تقولون : ومن دخل هذا البيت كان أمناً ، فأين الأمن وقد فعلت ما فعلت ؟! وعطف دابته ليخرج فأخذ بعض الحاضرين بلجام فرسه وقال وقد استسلم للقتل : ليس معنى الآية ما ذكرت ، وإنما معناها من دخله فأمنوه ، فلوي القرموطي فرسه وخرج ولم يلتفت إليه ، وقتل في سكك مكة وظاهرها وشعابها من أهل خراسان والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفاً ، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ، فكان ممن قتله بمكة أميرها ابن محارب ، والحافظ أبو الفضل محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمار الجارودي ، الهوري ، أخذته السيوف وهو متعلق بيديه جميعاً بحلقتي الباب حتى سقط رأسه على عتبة الكعبة ، وأخوه محمد ، وشيخ الحنفية ببغداد الفقيه أبو سعيد أحمد بن الحسين البردعي ، وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الزبير الرهاوي ، وعلي بن بابويه الصوفي ، وأبو جعفر محمد بن خالد بن يزيد البردعي نزيل مكة المشرفة ، وخلق من الأعيان ، وهرب قاضيها يحيي بن عبد الرحمن بن هارون الزهري القرشي بعياله إلى وادي رهجان ، وأخذ له القرامطة حينئذ ما قيمته مئة ألف وخمسون ألف دينار ، ولم يسمع حاكياً ولا ذاكراً شيئاً مما أخذ له ، ولم يقف أحد هذه السنة بعرفة ولا في نسكها إلا قوم يسير ، غرروا بأنفسهم فتمموا حجهم دون إمام وكانوا رجالة .
وأخذ أبو طاهر أموال الناس وحُلي الكعبة ، وهتك أستارها وقسم كسوتها بين أصحابه ونهب دور مكة وقلع باب الكعبة وأمر بقلع الميزاب ، وكان من الذهب الإبريز ، فطلع رجل يقلع فأصيب من أبي قبيس بسهم في عجزه ، فسقط فمات ، ويقال إن الرجل وقع على رأسه فمات ، فقال القرمطي : اتركوه على حاله فإنه محروس حتى يأتي صاحبه – يعني المهدي – وأراد أخذ المقام فلم يظفر به ، لأن سدنة المسجد غيبوه في بعض شعاب مكة ، وتألم لفقده فعاد عند ذلك إلى الحجر الأسود فقلعه جعفر بن أبي علاج البناء المكي بأمر القرمطي ، بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشر ليلة خلت من ذي الحجة ، وقال عند ذلك شعراً يدل على عظيم زندقته حيث يقول لعنه الله ، وضاعف الله عليه عذابه .
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية محللة لم تبق شرقاً ولا غرباً
وأنا تركنا بين زمزم والصفا جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
وقيل : إن بعضهم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم قلعه وقلع القرمطي قبة زمزم ، وأقام هو أصحابه بمكة أحد عشر يوماً ، وقيل ستة أيام .
وقيل : سبعة أيام ، ثم انصرف إلى بلده هجر ، وحمل معه الحجر الأسود ، يريد أن يجعل الحج عنده فهلك تحته أربعين جملاً وبقى موضع الحجر الكعبة خالياً يضع الناس فيه أيديهم للتبرك .
ودخل عمر بن الحسن بن عبد العزيز بغداد هارباً ولم يتم الحج ، وكان القرمطي يخطب بمكة لعبيد الله المهدي ، صاحب المهدية فبلغ المهدي ذلك فكتب إليه والعجب من كتبك إلينا ممتناً علينا بما ارتكبته واجترمته باسمنا من حرم الله وجيرانه ، بالأماكن التي لم تزل الجاهلية تحرم الدماء فيها وإهانة أهلها ، ثم تقدمت إلى أن قلعت الحجر الذي هو يمين الله في الأرض ، يصافح بها الله عباده ، وحملته إلى أرضك ، ورجوت أن نشكرك على ذلك ، فلعنك الله ثم لعنك ، والسلام على من سلم المسلمون من يده ولسانه ، وعمل ما في يديه ما عمل فيه حساب غده .
فأنحرفت القرامطة عن طاعة العبيديين ، وأقام الحجر بالأحساء عشرين سنة يستميلون الناس إليهم ثم يئسوا وردوه .
وذكر أبو عبيد البكري في كتابه ( المسالك والممالك ) أن الله عز وجل رمى القرمطي بعلة في جسده فطال عذابه حتى تقطعت أوصاله ، وأراه الله عز وجل عبرة في نفسه .
المرجع / الدرر الفرائد المنظمة لعبد القادر بن محمد الجزيري الحنبلي المتوفي سنة 977هـ
مع تحيات الأستاذ / مطر الثبيتي
والسلام عليكم