المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :::::... قصة المهادي ومفرج السبيعي ...:::::


فهد العايضي
11-30-2005, 03:32 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لبست عمشا السبيعية البرقع واليتم في يوم واحد .. ففي صبيحة ذلك اليوم استدعاها أبوها وأمرها بارتداء البرقع وكأنه يحثها على لبس السواد حداداً على فراقه لأنه لم تغِب الشمس حتى أتاه ثعبان سام لسعه فأرسله إلى مثواه الأخير..
ولم يتبق لعمشا إلا عمها ووحيده مفرج , وحزنها وبرقعها وحسنها الذي يتسرب من بين خيوط البرقع كأنه الفضة , حتى أن الذي يراها لا يدري هل الجمال الذي أخذته معها أم الذي تركته حيث كانت؟
ولوحت أيادي أبناء الحي تخطب ود عمشا فرفضت واكتفت بعهد قطعته على نفسها أمام عمها ثم نشرته بين قبيلتها بأنها ستكون زوجة ابن عمها مفرج عاجلاً أو آجلاً .
وقبل أن يأتي "آجلاً" أتى القدر المحتوم على هيئة رجل نسف كل هذا الحب وحطم قلبي الحبيبين ,, فمن الجنوب أتى مهمل المهادي فارس بمعنى الكلمة وإختلف الرواة في إسمه فيهم من قال أن إسمه محمد وفيهم من قال أن إسمه مهمل, ينحدر من قبيلة عبيدة قحطاني يتزعم قومه يقودهم في إحدى غزواته نحو الشمال .. ولأن بين سبيع وعبيدة حلفاً اختار المهادي أن ينزل في ضيافة زعيم بني عامر من سبيع ثم يكمل رحلته ..
ترك محمد المهادي خلفه العشرات من بنات قحطان المغرمات بفروسيته وشعره لكي يحرق واحدة من أجمل قصص الحب وليكشف أيضاً بأن مفرج السبيعي يحمل في داخله جبالاً راسيات وبحاراً تتدفق بالعطاء ومقدرة عظيمة على نكران الذات من أجل قبيلته .. فعندما دخل محمد المهادي أول حي بني عامر وهو في مقدمة فرسانه شاهد عمشا وهي تمشي برفقة صبايا الحي اللائي جرّهن الفضول البريء للإمعان في مشاهدة هؤلاء الفرسان العابرين .
أما بالنسبة للمهادي فلم تكن النظرة عابرة فلقد عرفت عيونه من تختار ؟ وكيف تتصيد مواطن الحسن والجمال حتى لو التفت بالثوب والوشاح والبرقع فرأى فيها العين الدعجاء وخيطاً من النور يتفلت من بين برقعها وشعرها وعنقاً يرفع جبينها وساعدين ناعمين رغم قسوة الحياة البدوية وعادت عمشا وبقية الفتيات إلى منازلهن فتهادى المهادي في مسيرته حتى عرف البيت ولأنه فارس عريق تعامل مع الموقف بشهامة فلم يتلفت إلى دار عمشا ولم يتأخر إلى مؤخرة المجموعة , بل انطلق نحو بيت زعيم بني عامر يفعل ما يشبه المستحيل للملمة جسده قبل أن يتساقط إرباً تتسابق عائدة إلى بيت عمشا.
وفي بيت العامري بدا المهادي شبه غائب عن الوعي حائراً في كيفية الوصول إلى هذه الفتاة وغارقاً بين عشرات الأسئلة التي تحاصره : فمن تكون؟ وما اسمها وأهلها؟ هل هي متزوجة؟ هل هي ذات حسب ونسب؟ .
هذه الأسئلة وغيرها طرحها المهادي على نفسه لأنه حسم أمره وقرر الزواج منها إذا لم تكن متزوجة وعندما مضى أول الليل قرر المهادي أن الإجابة على تلك الأسئلة تتطلب الإقامة عند العامري فترة من الزمن , لذلك اعتذر من قومه وطلب منهم تكملة رحلتهم وهو سينتظرهم في بيت العامري حتى عودتهم بحجة أنه لم تعد له رغبة بالغزو وتعذر أيضاً بأنه بدأ يشعر بمرض أنهك جسمه .
وأخضع المهادي نفسه للإقامة الإجبارية ليقطع الشك باليقين ويعرف إذا كانت تلك الفاتنة له أو عليه؟ رحل قومه تاركينه وحيداً في ضيافة العامري .. عاشقاً حتى الثمالة يقلب فكره ليل نهار في كيفية معرفة أي رجال بني عامر قادر على حمل السر ومساعدته في الزواج من تلك الفتاة التي سحرته دون أن تعلم , قرر المهادي أن يتظاهر بأنه مصاب بالصرع وأنه يهذي أحياناً بكلام ليس له أساس وبدأ يفعل ذلك كلما اجتمع أعيان القبيلة في بيت شيخهم في محاولة منه لمعرفة من أقدرهم على حمل سره ؟
كان يجالس أفضل الرجال يحادثهم حديث الزعماء والفرسان ثم فجأة ينقلب عليه مدّعياً المرض فيتشنج ويميل على جليسه ويتكئ عليه بعنف ليختبر قوته الجسدية والنفسية ..

ولم تطل تجارب المهادي لأنه وجد مفرج السبيعي أكثر الجالسين صبراً .. وعندما اطمأن إليه واختبره أكثر من مرة .. دعاه إلى مكان قصي وصارحه بأن مكوثه وادعاءه الصرع كان من أجل الوصول لتلك الفتاة التي عزم على الزواج منها .. طلب منه مفرج أن يصفها بدقة فانهمر المهادي يصفها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها ويشبهها بالسحاب والخيل والبرق والماء والمطر حتى وصل إلى ذكر منزلها الذي دخلت إليه , فسأله مفرج إن كان يستطيع معرفتها لو ذهبوا لنفس الدار؟ فأجابه بأنه يميزها ولو أتت برفقة مئة فتاة .
لم يعد مفرج يعلم ماذا يفعل؟ غير أنه وعد المهادي بأن يعود إليه في الغد بكل ما يعرفه عنها ثم اختفى في الظلام يرتقي الحزوم وقد ضاقت الدنيا عليه لأن ضيفه طلب منه أن يساعده في الزواج من عمشا .. وكادت روحه تزهق لأنه صار ضحية المعركة التي نشبت داخله بين مفرج العاشق الذي يرفض التفريط في حبيبته , ومفرج الفارس الذي إن وعد بالمساعدة فعل.
وبعد أن جف الدمع والغضب انتصر مفرج الفارس على مفرج العاشق , وهرول إلى أبيه يستشيره .. فحسم الأب العجوز الأمر مثل السيف فقال :
- المرة غيرها مرة .. لكن وين نلقى مثل عز المهادي؟
ولم يسمع مفرج لنداء القلب وانكب على وجهه يبكي بمرارة .. وأشرقت الشمس على المهادي وهو في قمة أناقته وسعادته ينتظر وصول مفرج الذي وعده خيراً .. وفعلاً أتى وأخذه إلى البيت الذي تسكنه عمشا وهو يحمل الأمل الأخير بأن يختار بيتاً غيره لكن المهادي قطع الشك باليقين .. فناداها مفرج بصوت دامع مبحوح وانتفضت الأرض بعين المهادي حين نفرت عمشا من البيت ثم أدبرت عائدة حين رأت برفقته رجلاً سأله مفرج وفي عينيه بقايا إنسان إن كانت هي الفتاة المقصودة فأومأ برأسه وضغط على يد مفرج وهو يصيح : تكفى يا مفرج لا تضيع وتضيع حياتي .
أخذ مفرج بيده وقال : هذه أختي وقد قبلت بك زوجاً لها .
ولم تغب شمس ذلك اليوم إلا وعمشا في خدرها والنساء يجهزنها للعريس غير المنتظر أدمعها ترفض الكحل وعيونها تبحث عن صدر أمها وقوة والدها فقد أحست أنها يتيمة من جديد وانتابتها الظنون في صدق محبة مفرج لها ,,
وكان مفرج قد توارى عن العيون التي تحاصره بالأسئلة : لماذا تركتها له؟ فدس رأسه في الرمل والظلام يبكي بكاءً مراً لم يعرفه من قبل ,, ولم تعرفه الصحراء من حوله ,, فهو لا يبكي فراق عمشا ولا يبكي تفريطه بها ,, إنما كان بكاءً جديداً مختلفاُ قادماً من عالم الجنون أتى ليأخذ مفرج معه بهدوء ,, فالقبيلة التي ضحى بمحبوبته من أجلها اتهمته بالجبن والتنازل عنها ولم يسل أحداً منهم سيفه ليمنع هذه الكارثة , بل ولم يقترب منهم أحد يواسيه في مصيبته وتركوه يهيم على وجهه يطوف الأماكن التي كانت تجمعهما , حتى وصل إلى مبيت الإبل وارتمى بجوار الناقة التي كانت تحبها عمشا وتسميها "نعسانة" .
وأصابته حالة هذيان فانقلبت نعسانة في عيونه عمشا فأخذ يبكي أمامها معتذراً عن تفريطه بها .. ثم حفر تحت أقدامها قبراً دخل فيه ثم استحث نعسانة حتى "نوخها" فوقه وأسلم عينه للظلام .
ثم فجأة شق السكون صوت عمشا وهي تنادي بصوت خافت العريس فقفزت نعسانة كعادتها عند سماع صوتها .. وانتصب مفرج غير مؤمن بصدق ما يسمع لولا أن نعسانة أكدت له بوقفتها .. ولولا صوت المهادي وهو يقول :
- غلبتني يا مفرج بطيبك , لكن أنا رديتها لك .
- وش صار ؟
اقترب المهادي منه ومدّ يده وانتشله من حفرته وهو يقول :
- يوم دخلت عليها لقيتها واقفة مثل الذيب , حاولت أميّل راسها بالشعر وعيّت , قلت أنا فلان بن فلان وعندي وعندي وقالت لي : اسمع يابن الناس ترى مفرج مهوب أخوي , هو ولد عمي وكنا بنتزوج بس مرض أمه أخرنا " .
واتفقا على أن يقيم المهادي معهم عدة أيام حفاظاً على سمعة عمشا ثم يرحل وإذا بلغ دياره أرسل رسولاً يخبرهم بطلاق عمشا .
وأقام برفقة مفرج عدة أيام تجمعهما في النهار بيوت الشعر وفي الليل يترافقان مع الذئاب لهما في كل وادٍ موضع نار ولمعان دلال قهوة ورائحة هيل وقصائد شعر , ونمت صداقتهما ومحبتهما إلى مرحلة فوق الأخوة .. ثم رحل المهادي وبعد عدة أيام جاء رسوله بالعطايا والهدايا ثم أخبرهم بطلاق عمشا .. فأفزع العجوز وأسعد عمشا ومفرج ..

وبعد عشرين عاماً ..

وكان منزل المهادي في بحبوحة من المال والجاه وزوجات سعيدات وأولاد تتوسطهم ابنته الوحيدة "نورة" .
أما بيت مفرج فكان خالياً إلا من متاع قليل يعصف به الفقر , وعلى الأرض أجساد ثلاثة من الأبناء ملتصقين في محاولة للاحتماء من البرد تحت قطعة سجادة قديمة .
ولم يعد يستطيع أن يتحمل البقاء في دياره بعد أن فقد أباه وأمه وماله ,, وشاور عمشا في أن يلوذ بجوار صديقه المهادي الذي تأتي الركبان محملة بأخبار جاهه وأيضاً تحمل سلامه الدافئ لصديقه ودعوته لزيارته ... وفعلاً توجه له هو وأولاده متدثرين بثياب تفضح فقرهم .. لم يكن ذلك الصباح صباح عيد إلا في عيون المهادي وصديقه ..
وأمر المهادي إحدى زوجاته أن تترك بيتها وتنتقل لبيت ضرتها .. لتكون الدار بما فيها لمفرج وزوجته .. التي تسابقت العيون لاهثة لمشاهدة الساحرة التي سحرت المهادي بجمالها فجعلته يدعي الصرع ويخاطر بحياته من أجلها .. لكنهن وجدنها شيئاً من جلد على عظم .. ذهب الفقر بكل مفاتنها فما بقي منها إلا مرثية تسير على الأرض .. وفي داخلها انكسار يثير الشفقة .. حتى من زوجات المهادي اللاتي خمدت نار غيرتهن واحتضنّها كأخت ثالثه ..
وقبل خروج الزوجة الأولى همست بأذن عمشا بأمر ,, وبقيت عمشا تتنقل في الدار حتى غلبها النعاس فنامت وهي ترتقب قدوم شخص ما بقلق .. دخل مفرج بيته قادماً من بيت ابن مهادي في الثلث الأخير من الليل وهو يحمد الله على تغير حاله .. وعندما دخل على زوجته وهي نائمة رأى منظراً جعله يصاب بالجنون .. هذه هي عمشا وينام معها رجل غريب ,, كانت قدمه أسرع من يده فركل النائم ركلة قوية اخترقت صدره ,, فقفز من شدة الضربة وأخذ يترنح ثم سقط ميتاً قبل أن تفيق عمشا من هول الصدمة صرخت به : وش سويت ؟ فصاح : ذبحته وباذبحك أنتي بعد .. وش جابه ؟؟ .. قالت : هذا ولد المهادي يضوي من المقناص تالي الليل ويرقد جنب أمه .. وما درى إنها تركت البيت ..
فقفز يقلب الجثة لعل وعسى .. لكن الجسد كان بارداً .. وجلست عمشا عنده تتأمل زوجها وهو يقلب رأسه .. ماذا عساه يفعل؟ فالمسألة لم تعد مسألة قتل رجل .. بل تعدّت إلى : ابن من هذا ؟ إنه ابن الرجل الذي أهداني الحياة فرددت له هديته بالموت ..

خرج مفرج ليخبر صديقه بالأمر ويسلمه نفسه ,, إن شاء قتله وإن شاء أعتقه ,, وفي بيت المهادي كانت ردة فعله أن امتدت يده بسرعة لتقفل فم مفرج حتى لا يكمل الحديث خوفاً من أن تسمعه أم الفتى .. ثم خرج به وسأله إن كان أحد يعلم بذلك غيرك وزوجتك ؟ فنفى ذلك .. أدرك المهادي أن ساعة رد جميل مفرج أتت .. فأقسم عليه وعلى زوجته ألا يخبرا أحداً ,, ثم حمل جثة ابنه وهرول بها إلى المكان الذي اعتاد أبناء القبيلة اللعب فيه .. فأسنده إلى إحدى الأشجار وجلس يحرسه من السباع .. وهو يمرر يده على رأس ابنه ويتمتم : والله لو إن اللي قاتلك مية فارس غير آخذ بثارك , والله لو إنك حي وأخذت رأيك غير تقول اللي تسويه يابوي هو المبارك ......... إلخ .
واستمر يحكي عليه قصته مع مفرج حتى أشرقت الشمس واطمأن عليه من السباع ,, فانسل بسرعة عائداً لبيته يرسم خطته ..
حتى أتى الصبيان يصرخون : سالم مات ,, سالم مات ,,, فتسابقوا إلى موقع الجثة وأطلق العنان لحزنه وثار على الجميع وطالب بأن يدلّوه على قاتل ابنه ,, ثم استمر يضغط على قومه حتى اجتمع كبارهم وطلبوا منه تحديد دية ما دام جميع أفراد القبيلة موضع اتهام ,, فطلب منهم ناقة عن كل رجل ,, وجمعوا له الإبل,, فقسمها قسمين ,, الأول أعطاه أم القتيل في الحال ,, والثاني تركه حتى حين ثم أعطاه مفرج ..
واستمرت الأيام تدور وتؤكد كم كان صبر عمشا عظيماً وهي تجالس أم الفتى المقتول ولا تتحمل الاحتفاظ بالسر إلا عن طريق العناية بالأم والاحتفاء بها ,, وكم هو عظيم صبر المهادي وهو يحاور ويصادق قاتل ابنه ويتشاركان الزاد والحديث ,, وكم هو عظيم صبر مفرج وهو يواجه المهادي كل يوم بابتسامته وهو الذي أرسل ابنه لعالم الغيب ..
وبعد ثماني سنين فوجئ مفرج بصديقه يطلب منه الرحيل بطريقة غير مباشرة .. فأثناء لعبهم كان يقول له : ارحلوا والا رحلنا .. كلما جاء دوره في اللعب , بدلاً من قولهم : العبوا والا لعبنا ,, عاد مفرج إلى زوجته يخبرها ويسألها ويستشيرها ,, ويشكو إليها حيرته من طلب المهادي .. لقد سأل مفرج نفسه وزوجته والثريا و سهيل وأول الليل وحتى الفرس المتباهية ببياضها في مقدمة الليل ,, ولم يجد جواباً , وضاعت حيلته إلا من أمر واحد أن يذهب إلى المهادي في الصباح ويستأذنه في الرحيل .. فإن منعه امتنع .. وإن أذن له رحل .. لكن بعد أن يعرف السبب لأنه لا بد أن يكون في الأمر كارثة ,, التقى المهادي بمفرج بفتور ,, ورد عليه بمثل ذلك عندما طلب منه الرحيل بحجة شوقه لأهله .. وكان الاثنان يعلمان أنها حجة كاذبة ..
رحل مفرج وهو مذهول .. حتى حل الظلام فنزل بأهله في موضع من الأرض ..وهو لم يفق من الصدمة .. وكان يتساءل كيف سمح لنفسه بالرحيل قبل معرفة السبب ؟
وتذكر أن من عادة المهادي كونه شاعراً .. أن يغني همومه على الربابة عندما تنام العيون ,, فضمن أنه سيجر همومه على ربابته ,, فجمع أبناءه وأمرهم بأن يلزموا هذا المكان .. وتذرع بأنه نسي أمانة للمهادي معه .. سيعيدها ثم يرجع بسرعة ..
عاد مفرج للديار ولاذ بشجرة قريبة من بيت المهادي تستره حتى يسمع أحاديثهم .. وكان المهادي لا يتحدث إلا لماماً ويجيب باختصار على من يسأله عن رحيل مفرج فيقول : - مفرج اشتاق لجماعته , راح يسلّم عليهم وبيعوّد إن شاء الله ..
انفض المجلس .. ولم يبق للمهادي سوى الليل والدلال وأماكن كثيرة تركها مفرج فارغة لا يملؤها سوى الربابة .. ومعها ومع الليل والقصيد تكشفت أول الصورة السوداء التي جعلت المهادي يطلب من صديقه الرحيل ..



يقـول المهـادي والمهـادي مهمـل=بي علةٍ كل العرب مـا درى بهـا
أنـا وجعـي مـن علةٍ باطنيـة=بأقصى الضماير ما درى وين بابهـا
تقـد الحشـا قـد ولا تنثـر الدمـا=ولا يدري الهلبـاج عمـا لجـا بهـا
وإن أبديتهـا بانـت لرماقـة العـدا=وإن أخفيتها ضاق الحشـا بالتهابهـا
أربع سنيـن وجارنـا مجـرمٍ بنـا=وهو مثل واطي جمرتين ما درى بها
وطاها بفرش الرجـل ليمـا تمكنـت=بقى حرها ما يبـرد المـاء التهابهـا
ترى جارنا الماضي على كل طلبـه=لو كان مـا يلقـى شهـودٍ غدابهـا
ويا ما حضينا جارنـا مـن كرامـه=بليلٍ ولو نبغي الغبا مـا ذرى بهـا
ويا ما عطينـا جارنـا مـن سبيـة=لا قادهـا قوادهـم مـا انثنـى بهـا
ونرفى خمال الجار ولـو داس زلـة=كما ترفي البيـض العـذارى ثيابهـا
ترى عندنا شاة القصير بهـا أربـع=يحلف بهـا عقارهـا مـا درى بهـا
تنـال يالمهـادي ثمانٍ كـوامـل=تراقى وتشدي بالعـلا مـن أصابهـا
لا قـال منـا خيّـرٍ فـرد كلمـة=بحضرات خوفٍ للرزايا وفـابهـا
الأجـواد وإن قاربتهـا مـا تملهـا=والأنذال وإن قاربتها عفت مـا بهـا
الأجواد وإن قالـوا حديثٍ وفوا بـه=والأنـذال منطـوق الحكايـا كذابهـا
الأجواد مثل العد مـن ورده ارتـوى=والأنذال لا تسقـى ولا ينسقـا بهـا
الأجواد تجعل نيلهـا دون عرضهـا=والأنذال تجعـل نيلهـا فـي رقابهـا
الأجواد مثل الزمـل للشيـل يرتكـي=والأنذال مثل الحشور كثير الرغابهـا
الأجواد لو ضعفـوا وراهـم عراشـه=والأنذال لو سمنـوا معايـا صلابهـا
الأجواد يطرد همهم طـول عزمهـم=والأنذال يصبح همهـم فـي رقابهـا
الأجـواد تشبـه قارةٍ مطلحـبـة=لا دارهـا البـردان يلقـى الذرا بهـا
الأجواد تشبـه للجبـال الـذي بهـا=شـرب وظـل والـذي ينهقـا بهـا
الأجواد صندوقيـن مسـك وعنبـر=لا فتحـت أبوابهـا جــاك مابـهـا
الأجواد مثل البدر في ليلـة الدجـى=والأنذال ظلما تايهٍ مـن سرابهـا
الأجواد مثل الدر في شامـخ الـذرا=والأنذال مثل الشري مـرن شرابهـا
الأجـواد وأن حايلتهـم مـا تحايلـوا=والأنـذال أدنـى حيلةٍ ثـم جابهـا
الأنذال لو غسلـوا يديهـم تنجسـت=نجاسة قلوبٍ مـا يسـر الدوابهـا
يـا رب لا تجعـل الأجـواد نكبـة=من حيث لا ضعف الضعيف التجابها
أنا أحب نفسي يرخص الزاد عندهـا=يقطعك يـا نفـس جزاهـا هبابهـا
يا عل نفسـن مـا للأجـواد عندهـا=وقارن عسى ما تهتني فـي شبابهـا
عليك بعيـن الشيـح لا جـت وارد=خل الخبـاري فـإن ماهـا هبابهـا
ترى ظبي رمـان برمـان راغـب=والأرزاق بالدنيا وهو مـا درى بهـا
سقا الحيا مـا بيـن تيمـا وغربـت=يمين عميق الجـزع ملفـا هضابهـا
سقا الولـي مـن مزنةٍ عقربيـة=تنشر إدقـاق وبلهـا مـن سحابهـا
اليا أمطرت هذي ورعد ذي ساق ذي=سناذي وذي بالوبـل غـرق ربابهـا
نسف الغثا سيبان ما ها اليا أصبحت=يحيل الحول والما ناقعٍ في شعابهـا
دار لنـا مـا هـي بـدارٍ لغيرنـا=والأجناب لـو حنـا بعيـدٍ تهابهـا
يذلون مـن دهمـا دهـوم نجرهـا=نفجي بها غزات مـن لا درى بهـا
ترى الدار كالعذرى إلى عاد ما بهـا=فحلٍ غيورٍ كل مـن جـاء زنابهـا
فيا ما وطت سمحات الأيدي من الوطا=نصد عنها مـا غـدا مـن هضابهـا
تهاميـة الرجليـن نجديـة الحـشـا=عذابي مـن الخـلان وأنـا عذابهـا
أريتك إلى ما مسنا الجـوع والضمـا=واحترمن الجـوزا علينـا التهابهـا
وحمى علينا الرمل و استاقد الحصـا=وحمى على روس المبادي هضابهـا
وطلن عذرن من ورانـا و شارفـن=عماليـق مطـوي العبايـا ثيابـهـا
سقانـي بكـأس الحـب دومنهـنـه=عندل من البيض العـذارى أطنابهـا
وإلى سرت منا يا سعود بـن راشـد=على حرةٍ نسل الجديعـي ضرابهـا
سرهـا وتلفـي مـن سبيـع قبيلـة=كرام اللحا في طوع الأيـدي لبابهـا
فلا بـد مـا نرمـي سبيـع بغـارة=على جرد الأيدي دروعهـا زهابهـا
وأنـا زبـون الجـاذيـات مهـمـل=إلى عزبـوا ذود المصاليـح جابهـا
عليهـا مـن أولاد المهـادي غلمـه=اليا طعنوا مـا ثمنـوا فـي أعقابهـا
محا الله عجوزٍ من سبيع بن عامـر=مـا علمـت قرانهـا فـي شبابهـا
لها ولدٍ ما حـاش يومٍ غنيمـة=سوى كلمتين عجفـة تمـزا وجابهـا
يعنونها عسمان الأيدي عـن العضـا=محا الله دنيا ما خذينـا القضـا بهـا
عيون العدا كـم نوخـن مـن قبيلـة=لا قـام بـذاخ إلا جاعـر يهابـهـا
وأنا أظـن دار شـد عنهـا مفـرج=حقيق يـا دار الخنـا فـي خرابهـا
وأنا أظـن دار نـزل فيهـا مفـرج=لا بـد ينبـت زعفرانـن ترابـهـا
فتـى مـا يظـم المـال إلا وداعـة=ولو يملك الدنيا جميعٍ صخابهـا
رحل جارنا مـا جـاه منـا رزيـة=وإن جتنا منه ما جـاه منـا عتابهـا
وصلوا علـى سيـد البرايـا محمـد=ما لعلع الجمـري بعالـي هضابهـا




انطلق عقل مفرج في كل الاتجاهات ومع كل الاحتمالات .. في محاولة لمعرفة الخطأ الذي ارتكبه أولاده ومن منهم ارتكبه ؟
وبدأت الأفكار تسابق الخطى .. ومع كل خطوة احتمال يرتفع وآخر يسقط .. إلى أن استقر أخيراً على أن المهادي لن يغيظه إلا شيء يتعلق بالشرف .. وشرف المهادي يعني ابنته .. مما جعل مفرج يعزم على اختبار أبنائه بشكل منفرد بدلاً من مواجهتهم , ووصل إليهم مع شروق الشمس .. وبدأ الاختبار ..
فاستدعى أكبرهم وانفرد به وهمس له بلهجة فيها مكر : المهادي باعنا وطردنا من ديرته وأنا والله منيب متحسف على شي أكثر من تركنا لبنته نورة .. ما كسبناها لا حلال ولا حرام ... نظر الابن لأبيه باستغراب وقال : لكن هذي جارتنا ومثل أختنا !!
غضب الأب ورفع صوته بحثاً عن اعتراف فقال : مهوب دايم , أنا لو إني بعمرك كان ما تركتها تروح من يدي .. لم يستطع الابن تحمل خذلان أبيه له فقال : والله لو تنطبق السما على الأرض ما خنت جاري في محارمه .
ضم مفرج ابنه ثم طلب منه أن يذهب جهة الشرق وأن لا يعود قبل المغيب .. ثم أخذ يحاور ابنه الأوسط وأكثرهم شبهاً به .. ويحاول جرّه إلى الاعتراف بأي شيء .. لكنه أثبت لأبيه أن شرف الجار يحتل القلب والعين ..
انشرح صدر مفرج لنظافة ذمة ابنه .. الذي كان شبيهاً بأبيه كما كان يحفظ كل قصائد جده .. وأتى دور الابن الثالث وهو شاب يافع نما وترعرع في ديار المهادي وتعلّم من أقرانه .. انهال عليه مفرج بالمديح حتى انتفخت أوداجه غروراً ,, ثم قال والده : يوم كنت بعمرك كنت سيد النساء , ولو أنا في عمرك الحين كان ما أرحل من ديار المهادي إلا وأنا ماخذ بنته يا حلال يا حرام .. فانفرجت أسارير الفتى وقال دون أن يحسب عواقب الأمور : لو تأخرنا يوم واحد كان خذت بنت المهادي .
كان هذا هو الدليل على أن هذا الابن هو سبب الرحيل .. لكن مفرج أراد أن يقطع الشك باليقين وطلب منه أن يحكي له بعض التفاصيل .. فانطلق الابن يحكي أنه منذ سنوات يحاصر نورة أينما ذهبت مستغلاً صفاء نيتها وأهلها والقبيلة ,, ثم عندما علمت بسوء نيته أمرها والدها بعدم الخروج ,, ولكونها البنت الوحيدة كان لا بد لها من القيام ببعض أعمال البيت ,, فاضطر المهادي إلى مرافقتها في بعض لوازمها , ولكن الشاب لا يخجل و لا يخاف متمادياً في وقاحته .. وأخذ يشرح لوالده كيف كان يسترق النظر لمحاسنها .. حتى وهي منزوية تمشط شعرها..
وقبل أن يستطرد في وصفها كان سيف مفرج يلمع في السماء ليهوي على عنق هذا الابن .. فطار رأسه وهو لا يزال يحمل بقية من الخبث الأسود لم يوقفه إلا التراب الذي ملأ فمه وعينيه .
قتل مفرج ابنه الأصغر بسبب فعلته .. ولو علم بها قبل ذلك لقتله أيضاً .. ثم أخذ رأسه وترك بقية جثته للخسيس من السباع .. ربما رجفت يده قليلاً ودمعت عينه لوقت قصير على قتل ابنه بيده .. ولكن ذلك لم يدم وقتاً طويلاً .. لأنه تذكر بأن المهادي أيضاً فقد ابنه وبنفس اليد .. أخذ مفرج رأس ابنه وتوجه لزوجته وأبنائه .. فأخفاه لأنه لا يعلم هل يقبلون بعذره في قتله أم يغضبون ويفارقونه؟؟
استدعاهم وشرح لهم الأمر .. وطلب منهم أن يقترحوا عليه طريقة العقاب .. فصاحوا بغضب أن ذلك لا يتم إلا بقطع رأسه وإرساله للمهادي .. فقفز مفرج وأتى بالرأس .. لم يعد هناك مكان للدمع حزناً أو البكاء أسفاً على هذا الابن الذي أضاع نفسه عن أهله وهم بأمس الحاجة إليه .. الأم تعشق طفلها وتقترح قتله وتشاهد رأسه مفصولاً عن جسده بيد أبيه .. ثم يتوجب عليها قبول الأمر وأن تقتنع بأن هذا فيه إرضاء للمهادي .. أما الأب فقد مضى أول ليلته وأمامه صورتان .. صورة رأس ابنه في التراب .. وصورة المهادي وهو يقلب رأس ابنه مفجوعاً .. وعند منتصف الليل انفطرت أكباد الابنين ووالدهما يدفع إليهما برأس أخيهما ويصرخ بهما ليسرعا ويضعاه بين يدي المهادي ..
انطلق الأخوان يحملان رأس أخيهما وقد تحول بكاؤهما إلى ظلام يضاعف سواد الليل يتبادلان الرأس .. وكلما أخذه أحدهما تأخر قليلاً عن أخيه لينهال على الرأس يقبله ويغسله بدموعه ..
وتثاقلت خطواتهما وزاغت نظراتهما وهما يدخلان على ابن مهادي .. الذي فجع لمنظر ابني صديقه وصاح : مفرج فيه شي؟؟؟
فوضعا رأس أخيهما بهدوء أمامه .. فصاح بكل قوته : يا ويلك يالمهادي .. يا ويلك يالمهادي ... واحتضن ابني مفرج باكياً وهو يردد : أخطيت يا مفرج .. أخطيت يا مفرج .
لم تحتفظ أي عين بدمعها في حي المهادي .. فقد اختار مفرج أصعب الحلول .. ذلك الحل الذي لم يكن يريده هو ولا المهادي ولا زوجته ولا نورة ولا أبناء مفرج ..
ذلك الحل لم يرده إلا التاريخ ليحتفظ بشيء قادر على تخليد ذكرى المهادي ومفرج .. وفي نفس الوقت قادر على إعادة استدرار الدمع من أجلهما ..
وربما لكي نقرأ قصتهما فتنساب من أعيننا بعض دموعهم .. عيونهم انطفأت رغم أنه لا يزال فيها الكثير من الأسى والدمع .. فإذا كان في محجر عينك الآن دمعة فالمسها , وتأكد فيما إذا كانت دمعتك , أم دمعة المهادي أو مفرج أو عمشا أو نورة أو أبنائهم ..



منقول من أحد المواقع

عبدالله عابد
11-30-2005, 05:54 PM
بارك الله فيك يالغريب

والنعم بالمهادي وقحطان والنعم بمفرج وسبيع

كلتاهما خلدا قصة اسطورية يتناقلها البعيد والقريب

فرحمة الله عليهما

منصور الشيباني
11-30-2005, 06:01 PM
يعطيك العافيه يالغريب

تحياتي

فهد العايضي
11-30-2005, 06:17 PM
عبدالله عابد

أهــــلاً بك وبمرورك الكريم الذي اضاء هذه الصفحه

تحياتي لك

فهد العايضي
11-30-2005, 06:20 PM
سلطان الشيباني

هـــــــلا وغــــــلا

أسعدني مرورك وتشريفك لهذه المشاركه

تحياتي لك

ابن ثريان
12-03-2005, 09:07 PM
أخي الغريب

الف تحية عرفان وشكر
نقل وسرد اروع من نظم الدرر

فهد العايضي
12-03-2005, 11:00 PM
وألف شكر وإمتنان لك أخي الغالي إبن ثريان

على هذه الطله اللتي أضاءة صفحتي وزادها روعه

تحياتي لك

ولد منصور
08-11-2008, 04:55 AM
فهد العايضي بيض الله وجهك على القصه الرائعه


بس عندي سؤال ممكن

انت بن شمروخ

بنت المهادي
08-19-2008, 11:56 AM
اشكرك اخي فهد على القصة فعلا القصة لها تاريخ رائع مابين المهادي
السبيعي..
وفعلا اروع القصص ...
وتراني احلف بالله وبمن انزل القران على نبينا محمد
وصحيح اسمي بتستغرب له انا من احفاد المهادي ...
وفعلا المهادي كان يتميز بالقوة وهي موجودة لديناالقوة وقبل كل شيء
المشيخة يعني انا بنت شيوخ وهذا ماتميز به المهادي قصدي الشيخ المهادي..

ابوسـعد
08-19-2008, 12:04 PM
قصص وقصائد تراثية...لاهنت يافهد ومشكووووررر على نقلها الى المنتدى...وياهلاااوغلااااااا

النمر الروقي
08-25-2008, 04:39 PM
قرأت في بعض المصادر من كتب ومنتديات ان اسمه او لقبه الحقيقي هو ( ابن مهدي ) وليس ( المهادي ) كما ورد بكثير من القصص الشعبيه على السنة الرواه .. ولا ادري اي اللقبين اكثر صحة .

بنت المهادي
09-25-2008, 03:45 AM
صح لسانك يالنمر الروقي هو اسم جدنا ابن مهدي
واطلق عليه المهادي للقبيله اوللجمع
بارك الله فيك
تراني من احفاد المهادي كما وردت القصه
وهم ذا شيخة ورياسه وهي موجوده ابا عن جد...

بوعادل511
10-10-2008, 08:09 PM
اخي فهد العايضي

بيض الله وجهك على هالقصة الجميله فعلا قصة رايعه

مابين المهادي والسبيعي وفعلا من اروع القصص التي نحنا

في حاجه لروايتها والتعلم منها

تقبل تحياتي واحترامي

الطارقي
10-13-2011, 08:05 PM
قصة جميلة