احمد العتيبي-1
12-30-2012, 07:43 PM
كوريا والميكس جريل!
بقلم: طارق الشيخ
لأحد 17 من صفر 1434 هـ 30 ديسمبر 2012
ذهبت لغرفة الطعام المخصصة لكبار الزوار بالدور الـ12 بمبنى الأهرام لحضور حفل غذاء عمل. كان أمامى طبق رئيسى يحوى تشكيلة متميزة من المشويات المتنوعة (ميكس جريل) وطبق أرز بالخلطة وقد غطته المكسرات إلى جانب أصابع الجولاش الساخن بالخضراوات. ولكن ما غطى على رائحة الشواء الرائعة كان وجود السيد كيم يونج صو سفير كوريا الجنوبية لدى مصر.
لقد بدأ الرجل حديثه بديباجة دبلوماسية تتعلق بمتانة العلاقات بين بلاده ومص، كما أشار إلى أن كل الشعب الكورى يحب القاهرة لأنها تمثل نقطة هامة فى التاريخ الكورى. فخلال الحرب العالمية الثانية استضافت مصر إجتماعات القمة الخاصة بالحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وتوصلوا خلال إجتماع لهم تحت سفح أهرامات الجيزة إلى حتمية تحرير كوريا الموحدة من الاحتلال وبالتالى تم ذكر الحدث الهام الذى ترتب عليه تحرير البلاد فى المناهج الدراسية للطلاب هناك مذكرا كل كورى بأن مصر خرجت منها كلمة وحدة وحرية الشعب الكورى.
ولكن وما أن انتهى السفير من الديباجات الدبلوماسية الأنيقة حتى بدأ فى ما أصفه بـ"الكلام الجد".
فقد ذكرنا السفير بأن بلاده ستاتى لمصر بعربات مترو أنفاق مكيفة، وأنها سترفع من حجم التصدير الكورى إلى مصر، وأن بعض الشركات الكورية ستأتى لإقامة مصانع لها فى مصر، وأنه شخصيا قد بذل جهدا كبيرا لإقناع بلاده بعدم تحذير السائحين الكوريين من المجئ لمصر على الرغم مما بها من أحداث وانفلاتات أمنية، وأن الطائرات الكورية ستأتى محملة بالسائحين الكوريين "فى المستقبل" دون توضيح تاريخ محدد، وأن الشركات الكورية ستحاول المشاركة فى مشروع إقامة المحطة النووية المصرية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ووفق الأعراف الدبلوماسية والتجارية ـ بل وقبل كل ذلك ـ وفق المنطق الطبيعى، فإن التعاون بين الدول يقوم على المصالح المتبادلة وهو ما يعنى أن على الحضور أن يسألوا السؤال التالى: "ما الذى ستقدمه مصر مقابل ما ستحصل عليه من كوريا"؟
والإجابة باختصار أن مصر ستقدم كل شئ، فأموال مصر ستسدد قيمة المشتروات، وستذهب إلى جيوب المستثمرين الكوريين الذين سيتركون جزءا منها لمصرعلى هيئة ضرائب ولعمالها على هيئة مرتبات منخفضة مقارنة بنظيرتها اليابانية مثلا بينما سيحصدون هم باقى حصيلة المبيعات الهائلة للسوق المصرية ولدول أوروبا مستفيدين من قرب المسافة ورخص العمالة. كما طرح السفير أمر التعاون على المستوى السياسى حيث تقف مصر بجوار كوريا الجنوبية فى المحافل الدولية لتعزز مطالبها، هذا بالإضافة للحصول على ما يلزم كوريا من الموارد الطبيعية الموجودة فى مصر وفى مقدمتها البترول.
وسمعت أحد الزملاء وهو يطلق سؤال يتعلق بإمكانية أن تمنحنا كوريا أسرار الصناعات المتقدمة مثل الإليكترونيات وتحلية المياه.
وعندها رد السفير ردا دبلوماسيا مشيرا إلى أن هذا الأمر يتعلق بالشركات الكورية المنتجة التى تحتفظ بأسرارها وأسرار الصنعة لنفسها، مضيفا -وبأدب جم- أن المصريين منتشرين فى أنحاء العالم وبأعداد كبيرة، وأن معرفتهم باللغة الإنجليزية أفضل من الكوريين ذاتهم، وأنهم يعملون فى مواقع علمية مختلفة بشتى دول العالم بما يكفل لمصر أن تحصل على أسرار الكثير من الصناعات والعلوم.
وعندها قلت لنفسى فعلا صدق من قال"ما حك جلدك مثل ظفرك"، فالسفير قصد بما قال إنكم إذا أردتم أسرار العلم فأبناؤكم هم من سياتى بها وهم قادرون على ذلك فلماذا تأخروا حتى الآن أو لماذا أخرت مصر الإستعانة بخبراتهم التى إكتسبوها حتى الآن؟!!
إن مصر فى يدها كنز معرفى إلى جانب كنوزها الطبيعية، ولكنها أيضا فى حاجة إلى "العقلاء" و"الصادقين مع أنفسهم" و"المحبين لوطنهم" من أجل تحويل ما فى اليد إلى ثروات ومشروعات هائلة نصدر من خلالها منتجاتنا "المصرية" إلى الأسواق العالمية ونتغلب "بأسرار الصنعة المصرية"على المنافسين فى تلك الأسواق. وعندها سيتوقف العالم عن إظهار العطف علينا ليبدأ فى النظر إلينا باحترام مثل أجدادنا. فأجدادنا بأعمالهم وإنجازاتهم نالوا الإحترام على مر التاريخ ومازالت ميزانية مصر حتى اليوم تعيش على عرقهم وجهدهم وما صنعته أياديهم.
لقد حان وقت العمل.
قفزت تلك الأفكار إلى ذهنى وأنا ألتهم آخر ما فى الطبق من مشويات، ثم نظرت إلى الأفق فى صمت.
المصدر (http://www.ahram.org.eg/Free-Opinions/News/191657.aspx)
بقلم: طارق الشيخ
لأحد 17 من صفر 1434 هـ 30 ديسمبر 2012
ذهبت لغرفة الطعام المخصصة لكبار الزوار بالدور الـ12 بمبنى الأهرام لحضور حفل غذاء عمل. كان أمامى طبق رئيسى يحوى تشكيلة متميزة من المشويات المتنوعة (ميكس جريل) وطبق أرز بالخلطة وقد غطته المكسرات إلى جانب أصابع الجولاش الساخن بالخضراوات. ولكن ما غطى على رائحة الشواء الرائعة كان وجود السيد كيم يونج صو سفير كوريا الجنوبية لدى مصر.
لقد بدأ الرجل حديثه بديباجة دبلوماسية تتعلق بمتانة العلاقات بين بلاده ومص، كما أشار إلى أن كل الشعب الكورى يحب القاهرة لأنها تمثل نقطة هامة فى التاريخ الكورى. فخلال الحرب العالمية الثانية استضافت مصر إجتماعات القمة الخاصة بالحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وتوصلوا خلال إجتماع لهم تحت سفح أهرامات الجيزة إلى حتمية تحرير كوريا الموحدة من الاحتلال وبالتالى تم ذكر الحدث الهام الذى ترتب عليه تحرير البلاد فى المناهج الدراسية للطلاب هناك مذكرا كل كورى بأن مصر خرجت منها كلمة وحدة وحرية الشعب الكورى.
ولكن وما أن انتهى السفير من الديباجات الدبلوماسية الأنيقة حتى بدأ فى ما أصفه بـ"الكلام الجد".
فقد ذكرنا السفير بأن بلاده ستاتى لمصر بعربات مترو أنفاق مكيفة، وأنها سترفع من حجم التصدير الكورى إلى مصر، وأن بعض الشركات الكورية ستأتى لإقامة مصانع لها فى مصر، وأنه شخصيا قد بذل جهدا كبيرا لإقناع بلاده بعدم تحذير السائحين الكوريين من المجئ لمصر على الرغم مما بها من أحداث وانفلاتات أمنية، وأن الطائرات الكورية ستأتى محملة بالسائحين الكوريين "فى المستقبل" دون توضيح تاريخ محدد، وأن الشركات الكورية ستحاول المشاركة فى مشروع إقامة المحطة النووية المصرية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ووفق الأعراف الدبلوماسية والتجارية ـ بل وقبل كل ذلك ـ وفق المنطق الطبيعى، فإن التعاون بين الدول يقوم على المصالح المتبادلة وهو ما يعنى أن على الحضور أن يسألوا السؤال التالى: "ما الذى ستقدمه مصر مقابل ما ستحصل عليه من كوريا"؟
والإجابة باختصار أن مصر ستقدم كل شئ، فأموال مصر ستسدد قيمة المشتروات، وستذهب إلى جيوب المستثمرين الكوريين الذين سيتركون جزءا منها لمصرعلى هيئة ضرائب ولعمالها على هيئة مرتبات منخفضة مقارنة بنظيرتها اليابانية مثلا بينما سيحصدون هم باقى حصيلة المبيعات الهائلة للسوق المصرية ولدول أوروبا مستفيدين من قرب المسافة ورخص العمالة. كما طرح السفير أمر التعاون على المستوى السياسى حيث تقف مصر بجوار كوريا الجنوبية فى المحافل الدولية لتعزز مطالبها، هذا بالإضافة للحصول على ما يلزم كوريا من الموارد الطبيعية الموجودة فى مصر وفى مقدمتها البترول.
وسمعت أحد الزملاء وهو يطلق سؤال يتعلق بإمكانية أن تمنحنا كوريا أسرار الصناعات المتقدمة مثل الإليكترونيات وتحلية المياه.
وعندها رد السفير ردا دبلوماسيا مشيرا إلى أن هذا الأمر يتعلق بالشركات الكورية المنتجة التى تحتفظ بأسرارها وأسرار الصنعة لنفسها، مضيفا -وبأدب جم- أن المصريين منتشرين فى أنحاء العالم وبأعداد كبيرة، وأن معرفتهم باللغة الإنجليزية أفضل من الكوريين ذاتهم، وأنهم يعملون فى مواقع علمية مختلفة بشتى دول العالم بما يكفل لمصر أن تحصل على أسرار الكثير من الصناعات والعلوم.
وعندها قلت لنفسى فعلا صدق من قال"ما حك جلدك مثل ظفرك"، فالسفير قصد بما قال إنكم إذا أردتم أسرار العلم فأبناؤكم هم من سياتى بها وهم قادرون على ذلك فلماذا تأخروا حتى الآن أو لماذا أخرت مصر الإستعانة بخبراتهم التى إكتسبوها حتى الآن؟!!
إن مصر فى يدها كنز معرفى إلى جانب كنوزها الطبيعية، ولكنها أيضا فى حاجة إلى "العقلاء" و"الصادقين مع أنفسهم" و"المحبين لوطنهم" من أجل تحويل ما فى اليد إلى ثروات ومشروعات هائلة نصدر من خلالها منتجاتنا "المصرية" إلى الأسواق العالمية ونتغلب "بأسرار الصنعة المصرية"على المنافسين فى تلك الأسواق. وعندها سيتوقف العالم عن إظهار العطف علينا ليبدأ فى النظر إلينا باحترام مثل أجدادنا. فأجدادنا بأعمالهم وإنجازاتهم نالوا الإحترام على مر التاريخ ومازالت ميزانية مصر حتى اليوم تعيش على عرقهم وجهدهم وما صنعته أياديهم.
لقد حان وقت العمل.
قفزت تلك الأفكار إلى ذهنى وأنا ألتهم آخر ما فى الطبق من مشويات، ثم نظرت إلى الأفق فى صمت.
المصدر (http://www.ahram.org.eg/Free-Opinions/News/191657.aspx)