سلمان المالكي
10-15-2011, 02:21 PM
لعنةُ الرجل العربي وطال السّفر !!
:03hbdsn13:
من الصعوبة بمكان أن نرى الرجل العربي يعيش في حالة التخبط التي نراها على أرض الواقع ما بين تخبط في السياسة وضعف شديد في الفكر الإقتصادي - بالنسبة لوضع المواطن العربي ومعيشته من هذا الإقتصاد - وتفكك في نسيج المجتمعات وضياع على مستوى التشريعات والإستراتيجيات وخلل كبير في الحقوق والواجبات وعشوائية في التفكير والتخطيط للحاضر والمستقبل ومصادرة للحريات العامة والخاصة وإنحلال في الأخلاق والقيم والنظم العامة , رغم الحاجة الملحة التي تفرضها حتمية التحول التاريخ ومتطلبات العصر لإحداث نقلة نوعية ونهضة حضارية على جميع الميادين والأصعدة , والأصعب من ذلك والأدهى أن تستمر حالة هذا الضياع رغم كل الإمكانيات والثروات المتاحة التي تنعم بها الأوطان العربية من خيرات ونعم وموارد طبيعية وبشرية هائلة لا تعد ولا تحصى , لأن مثل هذا الوضع الذي يدركه العقلاء والذي يستشعرون من خلاله أسباب نكبات الأمة وتدهورها على جميع الأصعدة مقارنة بما وصلت إليه كثير من الدول من تقدم في مجالات أصبح لا غنى عنها لإنسان العصر الحالي والتي تلعب دورا ضروريا وجوهريا وحاسما في إستمرارية بقائه من عدمها , والتي هي المحك الرئيسي والجوهر الحاسم لكشف كثير من أسباب التخلف التي تعاني منها الأوطان والبلدان العربية والإسلامية , هو وضع في حقيقة الأمرأصبح الشغل الشاغل لكل المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية والأحزاب السياسية والتيارات المختلفة وحديث مجالس المثقفين بل والجماهير العربية العريضة على إمتداد الوطن العربي الكبير , ولن يكون من المبالغة بمكان لوقلنا أنه حتى المولود العربي في مهده لم يعد يهمه في المقام الأول إلا دراسة الوضع الراهن للأمة وأسباب تخلفها عن التقدم المنشود , بل لن يكون من المضحك والطريف لو قلنا أنه حتى حمار الرجل العربي ( أجلكم الله ) يفكر في حل مثل هذه المعضلة الجسيمة !!! وهذا لسبب يسير للغاية , تدركه الحكمة ويقبله المنطق السليم وتقبله الفطرة السوية , وهو أن النفس تتقزز من مصطلح التخلف ولا تريد أن تتدثر أو توصم به , لأنه وصمة عار في الحقيقة في جبين الأمة العربية رغم تاريخها المليئ بالإنجازات الحضارية الكبرى .
ولذلك نجد أنه حتى الحمير ( أجلكم الله ) عندما تفارق أصحابها عن قصد أو دون قصد إلى البرية وتنعم هناك ( بجو الحرية الخلاب ) ولو لفترة قصيرة وتتنفسها وتسري في ( دمائها وعروقها ) وتشعر بالنشاط والحيوية !!! تتغير ( طبائعها ورؤيتها الفكرية للوجود كاملا ) !!! وتصبح متوحشة إلى درجة لا يمكن معها أن تعود لحالتها الطبيعة من ( الألفة والطاعة العمياء والجمود الفكري ) !!! التي كانت معتادة عليها عندما كانت برفقة أصحابها , لأنها تكره أن تعود لحالة التخلف التي كانت عليها من قبل !!! رغم ما كان يقدم لها من أصناف الطعام وألوان الشراب !!!وأصبحت تعي وتدرك ما فاتها من أوقات مشرقة ولحظات جميلة في حياتها !!!
سبحان الله حتى الحمير تعشق الحرية والنضال ضد التخلف !!!
ولا أريد أن نخوض هنا في ماهية التخلف وحقيقته لأن لفظ التخلف ( أدل من الشرح على معناه ) , أو نخوض محيطات إمتداداته وبحور تشعباته المختلفة لأن هذه الرحلة ستطول و (سفر) القائمة في نظري سيطول ... وسيطول ... ونصبح نردد ( الأغنية الخالدة ) التي تسبح بخيال فكرنا العربي نحو المجهول الجميل والعذب !! تلك الأغنية التي صدح بها فنان العرب ( محمد عبده ) وشنف بها أسماعنا(طال السفر) والمنتظر مل صبره ... والشوق يا محبوب في ناظري شاب .. لد النظر خليت في القلب جمره .. سعيرها في داخل القلب شباب .. عز الخبر والمهتوي ضاق صدره .. يا من يرد العلم عن هاك الأحباب .. طيفه عبر مرسل مع الطيف عذره .. وخاطره من لوعتي ما بعد طاب ..!! هذا إذا لم تخني (ذاكرتي الفنية) !!!
بل إن هذه الأغنية العربية الفريدة قد نطقت في ظني بأحد أسباب ومضامين هذا التخلف عندما صمت غيرها !!!
وهذه الرحلة الطويلة وهذا السفرية , ستستتنزف الأرواح
( في ظني وتقديري) !!! وستجن العقول من ترديد مقولة ( ماحد يكرهك غيري ) !! وتتصلب الأعضاء .. وتنهك الأجساد .. ونسقط جميعا في هاوية الجدل و( السفسطة العربية) المثيرة للجدل في (نفس الوقت) والتي تشبه جدلية ( صراع الأفكار ) عند ( كارل ماركس ) ؟!. فنجد رجل عربي على سبيل المثال يقول :
هل تخلفنا تخلف روحي أم مادي أم الأثنين معا ؟! ويأتي آخر رافع عقيرته بالصياح ليقول لنا : إننا لسنا متخلفون وإنما هذه مؤامرة حيكت في ( ظلام دامس) للأمة لضرب وزعزعة ( الإستقرار والأمن القومي للأمة) !!! وحسد ومكيدة نسجت خيوطها وصنعت في الخفاء من أجل التدخل في أوطاننا العربية ( ونهب خيراتها ) !!! وهز ثقتها بنفسها و ( تغريبها ) و ( تشريقها ) و ( وتجنيبها ) و ( تشميلها )!!!
أو يأتي رجل عربي فصيح وعليم آخر ليقول لنا في ( ثبات الضبع) و( مراوغة الثعلب ) و( لسان الغراب ) : إن الذين يرفعون شعار التخلف في أوطاننا العربية هم أناس إنغروا بالحضارة الغربية وعلومها وثقافتها - ولا أعلم هل يقصد منغرون في الجانب الإيجابي أم السلبي أم بهما جميعا !!! - وانصهروا وذابوا في طغيانها وأرادوا أن يطبقوها في مجتمعات عربية تحظى ( بالخصوصية ) الدينية والفكرية والهوية الثقافية !!! التي تخصها وتميزها , وليست بحاجة مطلقا لأي ( قراءة نقدية ) قادمة من خارج محيطها وهويتها لتكتشف خللها أو مدى تقدمها أو تأخرها أو لتتعرف سنن الله الكونية والتاريخية في أسباب سيرورة الدول وتقدمها ونهضتها وإزدهارها أو تخلفها وزوالها , وأن هاؤلاء إنما أرادوا تفكيك مجتمعاتنا وشن الحرب على معتقداتنا وقيمنا وأخلاقنا , لننسلخ من كل مقومات عزتنا وكرامتنا وشرفنا !!!
وكأن القرآن الكريم لم يشر في دلالاتٍ قاطعة وصارمة إلى حتمية معرفة الإطلاع والتعارف والتعرف على الثقافات والقبائل والدول والمجتمعات الأخرى والنظر في أسباب قوتها ومنعتها أو أسباب زوالها أو تأخرها كما في قوله سبحانه وتعالى ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) فإذا كانت هذه الآية ترشدنا للسير في الأرض لمعرفة سنن الأرض وإكتشافها والنظر في مئآلات بعض المجتمعات التي إنحرفت عن النهج القويم للإستفادة من ذلك والإعتبار به لتقويم إعوجاجنا , وإذا كان هذا الأمر في نظري جاء في الحث لنا على النظر ( للجانب السلبي ) للمجتمعات وتجنبه وعدم فعله أو تكراره حتى لا تكون نهاية أمرنا تشبه نهايتهم , أفلا يستلزم هذا منا بدلالة الإشارة الأمر لنا بالنظر في الجوانب الإيجابية لتلك المجتمعات والأمم ومعرفتها لنتمثلها كأسباب لنهضة أمتنا فنحن أولى بهذه السنن الكونية في التغيير والتقدم لتكون هي الروافد الحقيقية بعد توفيق الله لعمارة الأرض على الوجه الأكمل الذي يحقق إرادة الله لإستخلاف الإنسان على هذا الكون وخدمة الإنسانية جمعاء .
أو كما في قوله سبحانه وتعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .
لكن الأمر الذي يهم في هذا المقام هو الرجل العربي في ذاته في جوهره في مكوناته في مشاعره وأحاسيسه في رؤيته لنفسه وللمحيط الذي يعيش فيه وللمحيط الأوسع من ذلك , لأفكاره وإهتماماته وآماله وطموحاته لأوجاعه وأحلامه وأمراضه , لهمه وحزنه وفرحه وسعادته ..الخ .. الخ ...
ماهي مشكلته وعلته على وجه التحديد حتى يصاب بعمى الألوان أو عمى الأفكار أو عمى الإنسانية أو يتعامى عن هذا الواقع المخيف وينزوي خلف ستارات وشعارت براقة وخادعة تشبه ( كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء ) ؟؟؟
حقيقة إن هذه المشكلة هي جوهر المشاكل كلها وهي المشكلة التي ينبغي أن يعكف عليها بالدراسة والتحقيق والتقييم والنقد حتى نكتشف ( سر العمى أو التعامي ) عن هذه الواقعة المخيفة والمؤلمة التي سببت لنا أزمة حقيقية مع الذات ومع الفكر ومع الروح ومع الأخلاق ومع القيم ومع المنطق ومع الماديات ومع العلم والمعرفة ومع الدين ومع المعتقدات ومع النظم والتشريعات والمؤسسات ومع العدالة الإجتماعية ومع الحريات والمساواة وتكافؤ الفرص ومع التخطيط الجيد ومع التعامل مع الوجود الكلي بكل مكوناته ومركباته وتعقيداته وحيثياته وأسبابه ومسبباته وتفاصيله الغير منتهيه .
وفي ظني أن جوهر مشكلة الرجل العربي بإختصار شديد وفي الغالب هي ( كبريائه وتعاليه الأجوف ) الذي إستمده من ( جاهلية الفهم الخاوي ) لمدلولات إعتبارية خاطئة - قد تكون هذه المدلولات ذات معنى إيجابي إذا فهمت في سياقاتها المعرفية الصحيحة - ناتجة عن ( عقيدة إجتماعية أو فكرية سفسطائية فاسدة ) مهووسة ( بطبقية النسب ) و (حزبية الشرف ) و ( مذهبية القبيلة ) و ( إحتكارية الدين ورهبنة العلم ) , تتأبى في حقيقتها على البحث والنقد والتشريح والمعالجة , بسبب رسوخها وتجذرها في أعماق عقل ووجدان هذا الرجل العربي , والتي أصبحت تشكل سلطة متحررة من القيود الدينية والإنسانية والأخلاقية والقيمية والمعرفية تمارس على المجتمع العربي بشكل سافر وفاضح وعلني في داخل محيط الأسرة وبيت الزوجية وداخل محيط المدرسة وداخل محيط الجامعة وداخل محيط مؤسساتنا العامة والخاصة وداخل مناهجنا التعليمية والتربوية ومجتمعاتنا على وجه العموم وكأنها سرطان - والعياذ بالله - إستشرى في الأرواح والأبدان والعقول , كإنتشار ( النار في الهشيم ) ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فأصبح العقل والوجدان العربي - إلا من رحم الله - متشبع بهذه الخلطة السرية قوية المفعول التي تكسو معالم شيخوختها المبكرة حصافات المداهنة وغباء الإستذكاء وحماقات البقاء !!!
وكأن هذا العقل وهذا الوجدان لا يحدث نفسه بين الفينة والأخرى بأنه قد إستنفد كل الأقنعة وكل ألوان الطبيعة الممكنة والمتاحة وكل الوان الطيف التي يداري بها على خوره وضعفه وشخصيته الجوفاء , وأنه قد حان الوقت ليهيئ نفسه للرحيل بحقائبه ويتوارى بنفسه خلف ( ذاكرة الخزي والعار ) .
وهنا أعود وأقول أن السبب الذي أصاب العقل العربي بعمى الألوان أو التعامي عن قراءة الواقع قراءة متوازنة ومعرفة أهدافه وغاياته وأسباب نهضته وتقدمه ورقيه وتخلفه عن ركب الأمم المتحضرة في العلم والمعرفة والفكر بمجالاتها المتعددة, هو إمتلاك ذلك العقل المضاد له والمعاكس لفطرته ومنطقيته كل الألوان والأطياف الممكنة التي يواري بها عن سوءته المكشوفة , وقدرته على السماح للعقل أن يتلاعب بالعقل بنفسه , وسيطرته على جعل الإرادة تحارب الإرادة بنفسها وتقصيها , وتمكنه من جعل الروح الحرة تستعبد نفسها , فتبددت طاقته وخارت قواه , وإنهار وسقط من قمة عرش جهله وعنفوان كبريائه ليبدأ من حيث أنتهى من جديد . ولكن هذه المرة بحلة جديدة لا أدري كيف ستكون فصولها ووقائعها وبداياتها ونهاياتها , في مسرحية دراماتيكية غريبة الأطوار!!!
كيف يمكن للعقل أن يحارب العقل ؟ وكيف يمكن للإرادة أن تحبط الإرادة ؟ وكيف يمكن للحرية أن تصادر الحرية ؟ وكيف يمكن للعدالة أن تهدم نفسها من الداخل ؟
ولماذا أصبحت البصيرة تتعامى عن الحقائق ؟ ومتى كان الفكر الحر يتجاهل منطقية الأشياء وحكمة تعقلها ولا يربط الأسباب بمسبباتها ولا يرد المعلولات لعللها ؟
إن الكبرياء المفرّغ الذي يعاني منه الرجل العربي أصبح يشكّل مرض ينبغي محاربته بكل الوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة , وأن يظل هذا المرض خاضع بإستمرار للتشريح والمعالجة والنقد والتقييم , ومحور إهتمام الجماهير العربية العريضة قبل أن يكون محور إهتمام المفكرين والنقاد والباحثين .
وإلا فإني أخشى أن تحل على هذا الرجل العربي ( لعنة الجحيم )
التي حلت على أبليس عليه لعائن الله عندما تكبر وإمتنع عن طاعة ربه
بالسجود لأبينا آدم عليه السلام بسب هذه الخصلة الذميمة
التي كانت أول ذنب عصي به المولى سبحانه فقال عز من قال
( فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) .
في الختام أترككم مع هذه المقولة الخالدة :
إن الحرية تعني في أدق معانيها أن لا ننظر إلى الأشياء بإعتبارها مواضع للرغبة , بل ننظر إليها نظرة خالصة بإعتبارها مواضع للفهم .
..........................
تحيّة عاطرة وكريمة للجميع
بقلم / شاعر الحرب
:03hbdsn13:
من الصعوبة بمكان أن نرى الرجل العربي يعيش في حالة التخبط التي نراها على أرض الواقع ما بين تخبط في السياسة وضعف شديد في الفكر الإقتصادي - بالنسبة لوضع المواطن العربي ومعيشته من هذا الإقتصاد - وتفكك في نسيج المجتمعات وضياع على مستوى التشريعات والإستراتيجيات وخلل كبير في الحقوق والواجبات وعشوائية في التفكير والتخطيط للحاضر والمستقبل ومصادرة للحريات العامة والخاصة وإنحلال في الأخلاق والقيم والنظم العامة , رغم الحاجة الملحة التي تفرضها حتمية التحول التاريخ ومتطلبات العصر لإحداث نقلة نوعية ونهضة حضارية على جميع الميادين والأصعدة , والأصعب من ذلك والأدهى أن تستمر حالة هذا الضياع رغم كل الإمكانيات والثروات المتاحة التي تنعم بها الأوطان العربية من خيرات ونعم وموارد طبيعية وبشرية هائلة لا تعد ولا تحصى , لأن مثل هذا الوضع الذي يدركه العقلاء والذي يستشعرون من خلاله أسباب نكبات الأمة وتدهورها على جميع الأصعدة مقارنة بما وصلت إليه كثير من الدول من تقدم في مجالات أصبح لا غنى عنها لإنسان العصر الحالي والتي تلعب دورا ضروريا وجوهريا وحاسما في إستمرارية بقائه من عدمها , والتي هي المحك الرئيسي والجوهر الحاسم لكشف كثير من أسباب التخلف التي تعاني منها الأوطان والبلدان العربية والإسلامية , هو وضع في حقيقة الأمرأصبح الشغل الشاغل لكل المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية والأحزاب السياسية والتيارات المختلفة وحديث مجالس المثقفين بل والجماهير العربية العريضة على إمتداد الوطن العربي الكبير , ولن يكون من المبالغة بمكان لوقلنا أنه حتى المولود العربي في مهده لم يعد يهمه في المقام الأول إلا دراسة الوضع الراهن للأمة وأسباب تخلفها عن التقدم المنشود , بل لن يكون من المضحك والطريف لو قلنا أنه حتى حمار الرجل العربي ( أجلكم الله ) يفكر في حل مثل هذه المعضلة الجسيمة !!! وهذا لسبب يسير للغاية , تدركه الحكمة ويقبله المنطق السليم وتقبله الفطرة السوية , وهو أن النفس تتقزز من مصطلح التخلف ولا تريد أن تتدثر أو توصم به , لأنه وصمة عار في الحقيقة في جبين الأمة العربية رغم تاريخها المليئ بالإنجازات الحضارية الكبرى .
ولذلك نجد أنه حتى الحمير ( أجلكم الله ) عندما تفارق أصحابها عن قصد أو دون قصد إلى البرية وتنعم هناك ( بجو الحرية الخلاب ) ولو لفترة قصيرة وتتنفسها وتسري في ( دمائها وعروقها ) وتشعر بالنشاط والحيوية !!! تتغير ( طبائعها ورؤيتها الفكرية للوجود كاملا ) !!! وتصبح متوحشة إلى درجة لا يمكن معها أن تعود لحالتها الطبيعة من ( الألفة والطاعة العمياء والجمود الفكري ) !!! التي كانت معتادة عليها عندما كانت برفقة أصحابها , لأنها تكره أن تعود لحالة التخلف التي كانت عليها من قبل !!! رغم ما كان يقدم لها من أصناف الطعام وألوان الشراب !!!وأصبحت تعي وتدرك ما فاتها من أوقات مشرقة ولحظات جميلة في حياتها !!!
سبحان الله حتى الحمير تعشق الحرية والنضال ضد التخلف !!!
ولا أريد أن نخوض هنا في ماهية التخلف وحقيقته لأن لفظ التخلف ( أدل من الشرح على معناه ) , أو نخوض محيطات إمتداداته وبحور تشعباته المختلفة لأن هذه الرحلة ستطول و (سفر) القائمة في نظري سيطول ... وسيطول ... ونصبح نردد ( الأغنية الخالدة ) التي تسبح بخيال فكرنا العربي نحو المجهول الجميل والعذب !! تلك الأغنية التي صدح بها فنان العرب ( محمد عبده ) وشنف بها أسماعنا(طال السفر) والمنتظر مل صبره ... والشوق يا محبوب في ناظري شاب .. لد النظر خليت في القلب جمره .. سعيرها في داخل القلب شباب .. عز الخبر والمهتوي ضاق صدره .. يا من يرد العلم عن هاك الأحباب .. طيفه عبر مرسل مع الطيف عذره .. وخاطره من لوعتي ما بعد طاب ..!! هذا إذا لم تخني (ذاكرتي الفنية) !!!
بل إن هذه الأغنية العربية الفريدة قد نطقت في ظني بأحد أسباب ومضامين هذا التخلف عندما صمت غيرها !!!
وهذه الرحلة الطويلة وهذا السفرية , ستستتنزف الأرواح
( في ظني وتقديري) !!! وستجن العقول من ترديد مقولة ( ماحد يكرهك غيري ) !! وتتصلب الأعضاء .. وتنهك الأجساد .. ونسقط جميعا في هاوية الجدل و( السفسطة العربية) المثيرة للجدل في (نفس الوقت) والتي تشبه جدلية ( صراع الأفكار ) عند ( كارل ماركس ) ؟!. فنجد رجل عربي على سبيل المثال يقول :
هل تخلفنا تخلف روحي أم مادي أم الأثنين معا ؟! ويأتي آخر رافع عقيرته بالصياح ليقول لنا : إننا لسنا متخلفون وإنما هذه مؤامرة حيكت في ( ظلام دامس) للأمة لضرب وزعزعة ( الإستقرار والأمن القومي للأمة) !!! وحسد ومكيدة نسجت خيوطها وصنعت في الخفاء من أجل التدخل في أوطاننا العربية ( ونهب خيراتها ) !!! وهز ثقتها بنفسها و ( تغريبها ) و ( تشريقها ) و ( وتجنيبها ) و ( تشميلها )!!!
أو يأتي رجل عربي فصيح وعليم آخر ليقول لنا في ( ثبات الضبع) و( مراوغة الثعلب ) و( لسان الغراب ) : إن الذين يرفعون شعار التخلف في أوطاننا العربية هم أناس إنغروا بالحضارة الغربية وعلومها وثقافتها - ولا أعلم هل يقصد منغرون في الجانب الإيجابي أم السلبي أم بهما جميعا !!! - وانصهروا وذابوا في طغيانها وأرادوا أن يطبقوها في مجتمعات عربية تحظى ( بالخصوصية ) الدينية والفكرية والهوية الثقافية !!! التي تخصها وتميزها , وليست بحاجة مطلقا لأي ( قراءة نقدية ) قادمة من خارج محيطها وهويتها لتكتشف خللها أو مدى تقدمها أو تأخرها أو لتتعرف سنن الله الكونية والتاريخية في أسباب سيرورة الدول وتقدمها ونهضتها وإزدهارها أو تخلفها وزوالها , وأن هاؤلاء إنما أرادوا تفكيك مجتمعاتنا وشن الحرب على معتقداتنا وقيمنا وأخلاقنا , لننسلخ من كل مقومات عزتنا وكرامتنا وشرفنا !!!
وكأن القرآن الكريم لم يشر في دلالاتٍ قاطعة وصارمة إلى حتمية معرفة الإطلاع والتعارف والتعرف على الثقافات والقبائل والدول والمجتمعات الأخرى والنظر في أسباب قوتها ومنعتها أو أسباب زوالها أو تأخرها كما في قوله سبحانه وتعالى ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) فإذا كانت هذه الآية ترشدنا للسير في الأرض لمعرفة سنن الأرض وإكتشافها والنظر في مئآلات بعض المجتمعات التي إنحرفت عن النهج القويم للإستفادة من ذلك والإعتبار به لتقويم إعوجاجنا , وإذا كان هذا الأمر في نظري جاء في الحث لنا على النظر ( للجانب السلبي ) للمجتمعات وتجنبه وعدم فعله أو تكراره حتى لا تكون نهاية أمرنا تشبه نهايتهم , أفلا يستلزم هذا منا بدلالة الإشارة الأمر لنا بالنظر في الجوانب الإيجابية لتلك المجتمعات والأمم ومعرفتها لنتمثلها كأسباب لنهضة أمتنا فنحن أولى بهذه السنن الكونية في التغيير والتقدم لتكون هي الروافد الحقيقية بعد توفيق الله لعمارة الأرض على الوجه الأكمل الذي يحقق إرادة الله لإستخلاف الإنسان على هذا الكون وخدمة الإنسانية جمعاء .
أو كما في قوله سبحانه وتعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .
لكن الأمر الذي يهم في هذا المقام هو الرجل العربي في ذاته في جوهره في مكوناته في مشاعره وأحاسيسه في رؤيته لنفسه وللمحيط الذي يعيش فيه وللمحيط الأوسع من ذلك , لأفكاره وإهتماماته وآماله وطموحاته لأوجاعه وأحلامه وأمراضه , لهمه وحزنه وفرحه وسعادته ..الخ .. الخ ...
ماهي مشكلته وعلته على وجه التحديد حتى يصاب بعمى الألوان أو عمى الأفكار أو عمى الإنسانية أو يتعامى عن هذا الواقع المخيف وينزوي خلف ستارات وشعارت براقة وخادعة تشبه ( كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء ) ؟؟؟
حقيقة إن هذه المشكلة هي جوهر المشاكل كلها وهي المشكلة التي ينبغي أن يعكف عليها بالدراسة والتحقيق والتقييم والنقد حتى نكتشف ( سر العمى أو التعامي ) عن هذه الواقعة المخيفة والمؤلمة التي سببت لنا أزمة حقيقية مع الذات ومع الفكر ومع الروح ومع الأخلاق ومع القيم ومع المنطق ومع الماديات ومع العلم والمعرفة ومع الدين ومع المعتقدات ومع النظم والتشريعات والمؤسسات ومع العدالة الإجتماعية ومع الحريات والمساواة وتكافؤ الفرص ومع التخطيط الجيد ومع التعامل مع الوجود الكلي بكل مكوناته ومركباته وتعقيداته وحيثياته وأسبابه ومسبباته وتفاصيله الغير منتهيه .
وفي ظني أن جوهر مشكلة الرجل العربي بإختصار شديد وفي الغالب هي ( كبريائه وتعاليه الأجوف ) الذي إستمده من ( جاهلية الفهم الخاوي ) لمدلولات إعتبارية خاطئة - قد تكون هذه المدلولات ذات معنى إيجابي إذا فهمت في سياقاتها المعرفية الصحيحة - ناتجة عن ( عقيدة إجتماعية أو فكرية سفسطائية فاسدة ) مهووسة ( بطبقية النسب ) و (حزبية الشرف ) و ( مذهبية القبيلة ) و ( إحتكارية الدين ورهبنة العلم ) , تتأبى في حقيقتها على البحث والنقد والتشريح والمعالجة , بسبب رسوخها وتجذرها في أعماق عقل ووجدان هذا الرجل العربي , والتي أصبحت تشكل سلطة متحررة من القيود الدينية والإنسانية والأخلاقية والقيمية والمعرفية تمارس على المجتمع العربي بشكل سافر وفاضح وعلني في داخل محيط الأسرة وبيت الزوجية وداخل محيط المدرسة وداخل محيط الجامعة وداخل محيط مؤسساتنا العامة والخاصة وداخل مناهجنا التعليمية والتربوية ومجتمعاتنا على وجه العموم وكأنها سرطان - والعياذ بالله - إستشرى في الأرواح والأبدان والعقول , كإنتشار ( النار في الهشيم ) ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فأصبح العقل والوجدان العربي - إلا من رحم الله - متشبع بهذه الخلطة السرية قوية المفعول التي تكسو معالم شيخوختها المبكرة حصافات المداهنة وغباء الإستذكاء وحماقات البقاء !!!
وكأن هذا العقل وهذا الوجدان لا يحدث نفسه بين الفينة والأخرى بأنه قد إستنفد كل الأقنعة وكل ألوان الطبيعة الممكنة والمتاحة وكل الوان الطيف التي يداري بها على خوره وضعفه وشخصيته الجوفاء , وأنه قد حان الوقت ليهيئ نفسه للرحيل بحقائبه ويتوارى بنفسه خلف ( ذاكرة الخزي والعار ) .
وهنا أعود وأقول أن السبب الذي أصاب العقل العربي بعمى الألوان أو التعامي عن قراءة الواقع قراءة متوازنة ومعرفة أهدافه وغاياته وأسباب نهضته وتقدمه ورقيه وتخلفه عن ركب الأمم المتحضرة في العلم والمعرفة والفكر بمجالاتها المتعددة, هو إمتلاك ذلك العقل المضاد له والمعاكس لفطرته ومنطقيته كل الألوان والأطياف الممكنة التي يواري بها عن سوءته المكشوفة , وقدرته على السماح للعقل أن يتلاعب بالعقل بنفسه , وسيطرته على جعل الإرادة تحارب الإرادة بنفسها وتقصيها , وتمكنه من جعل الروح الحرة تستعبد نفسها , فتبددت طاقته وخارت قواه , وإنهار وسقط من قمة عرش جهله وعنفوان كبريائه ليبدأ من حيث أنتهى من جديد . ولكن هذه المرة بحلة جديدة لا أدري كيف ستكون فصولها ووقائعها وبداياتها ونهاياتها , في مسرحية دراماتيكية غريبة الأطوار!!!
كيف يمكن للعقل أن يحارب العقل ؟ وكيف يمكن للإرادة أن تحبط الإرادة ؟ وكيف يمكن للحرية أن تصادر الحرية ؟ وكيف يمكن للعدالة أن تهدم نفسها من الداخل ؟
ولماذا أصبحت البصيرة تتعامى عن الحقائق ؟ ومتى كان الفكر الحر يتجاهل منطقية الأشياء وحكمة تعقلها ولا يربط الأسباب بمسبباتها ولا يرد المعلولات لعللها ؟
إن الكبرياء المفرّغ الذي يعاني منه الرجل العربي أصبح يشكّل مرض ينبغي محاربته بكل الوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة , وأن يظل هذا المرض خاضع بإستمرار للتشريح والمعالجة والنقد والتقييم , ومحور إهتمام الجماهير العربية العريضة قبل أن يكون محور إهتمام المفكرين والنقاد والباحثين .
وإلا فإني أخشى أن تحل على هذا الرجل العربي ( لعنة الجحيم )
التي حلت على أبليس عليه لعائن الله عندما تكبر وإمتنع عن طاعة ربه
بالسجود لأبينا آدم عليه السلام بسب هذه الخصلة الذميمة
التي كانت أول ذنب عصي به المولى سبحانه فقال عز من قال
( فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) .
في الختام أترككم مع هذه المقولة الخالدة :
إن الحرية تعني في أدق معانيها أن لا ننظر إلى الأشياء بإعتبارها مواضع للرغبة , بل ننظر إليها نظرة خالصة بإعتبارها مواضع للفهم .
..........................
تحيّة عاطرة وكريمة للجميع
بقلم / شاعر الحرب